-1- برحيل الرئيس الأسبق للجزائر أحمد بن بلة، تنطوي مرحلة من أهم المراحل التي عرفتها الجزائر والموطن العربي، فبن بلة من المؤسسين مع جمال عبد الناصر لحركة التحرر العربية، وهما من أبرز أقطابها، وقد شارك في تلك الحركة الرئيس عبد السلام عارف والرئيس شكري الكواتي، والرئيس عبد الله السلال.. وغيرهم.. فما الذي تركته هذه المرحلة على المشهد السياسي العربي، خاصة في بدايات توليها للسلطة؟ والجواب من أنها ساهمت في تشكيل الوعي الوطني والقومي، كما ساهمت في إيلاء الأبعاد الاجتماعية المحلية الكثير من العناية. كما تعامل العرب بندية مع غيرهم من رؤساء الدول، وعبد الناصر ذاته كان واحدا من بين ثلاثة كبار يقررون مصير العالم، الرئيس الأمريكي والرئيس الروسي ورئيس الجمهورية العربية المتحدة، وحيث كان عبد الناصر واحدا من أهم رؤساء عدم الانحياز. أيضا فمصر كانت في منتصف الستينيات من القرن المنصرم، كما يقول سمير أمين وشارل بتلهاين الدولة الأكثر تطورا من كورية الجنوبية والأقل تطورا من اليابان. كما أن الجزائر كان لها آنذاك الدور الأبرز والأهم عربيا ودوليا، وهي واحدة من أبرز دول عدم الانحياز، وقد تعالمت بندية كاملة ليس فقط مع شقيقاتها من الدول العربية، بل أيضا مع الدول الإقليمية والدولية·
لقد أعطى بن بلة الأولوية المطلقة في سياساته للشأن الاقتصادي، فكان الإصلاح الزراعي الذي حقق للفلاحين حلمهم في تملك الأرض، وهو بهذا مكن الأجيال الجديدة في أن تساهم في استخدام كفاءاتها في خدمة الجزائر، منطلقا من القطاع الزراعي كقاعدة للصناعة الوطنية، ومن ثم الاستفادة من الإمكانيات الجزائرية لبناء قاعدة اقتصادية وصناعية وزراعية متطورة تستفيد من إمكانيات الجزائر وثرواتها غير المنظورة. فهل تم استكمال ما بدأته ثورة التحرر الوطني الجزائرية بعد .1965 هذا السؤال يمكن أن يجيب عليه المؤرخون للشأنين الاقتصادي والتاريخي·
-2-
إن هذه المقابلة التي أجريت منذ حوالي سنتين مع الرئيس أحمد بن بلة في منزله بحيدرة ـ الجزائر يمكن اعتبارها من بين المقابلات الأخيرة التي أجراها، لذا فإن نشرها اليوم كاملة في ''الجزائر نيوز'' وبالاتفاق مع مجلة ''الحداثة'' ببيروت، الهدف منه الاستفادة منها في رؤية الرئيس بن بلة للمرحلة الأولى من تطوره السياسي خاصة عندما تعرف على الزعيم الوطني الجزائري مصالي الحاج وانتسب إلى حزب الشعب، ومن ثم كيف ساهم ذلك المدخل في خلق مناخات أسست لحرب التحرير الجزائرية في بداية الخمسينيات من القرن المنصرم·
إن هذه المقابلة هي بمثابة السيرة الذاتية لبن بلة من لحظة ولادته إلى لحظة انتسابه للمدرسة الأولى ومن ثم لحزب الشعب، وفيما لو استكملت كان يمكن التطرق فيها للهواجس التي راودت أحميدة عياشي، عن معاناته في السجن، ولماذا اختلف مع بومدين؟ وعن طبيعة علاقاته مع الرئيس عبد الناصر وغير ذلك من أسرار قد تكون ماتت بموت بن بلة.. بن بلة في هذه المقابلة قال الكثير، وكم كان بودنا استكمالها ولكن عمر الرئيس وطبيعة المشاكل الصحية له حالت دون ذلك·
الجزائر 12/ 04 / 2012
بالمصادفة الغريبة كان هذا اللقاء، إذ حين خروجي من مقابلة السيدة مهجية بوشنتوف مديرة القصر الثقافي في الجزائر، وقفت في الشارع طويلا وأنا أنتظر سيارة تاكسي، ولكن كان من المحال والوقت ظهرا الحصول على ذلك سريعا، وبعد ما يزيد عن النصف ساعة من الانتظار مرت سيارة مدنية، أشار إليّ سائقها السيد منصور، حسبما ذكر لي فيما بعد، بالصعود، سائلا عن وجهتي قلت له إلى شارع ديدوش مراد، قال يمكنك مرافقتي حتى مبنى الإذاعة والتلفزيون، شكرته وفي الطريق سألني من أنا وما هي مهنتي وعن أمور أخرى، قلت له أنا من لبنان، وهذا ما شجعني لسؤاله عن عمله، فقال إنه منذ سبعة عشر عاما يعمل مع الرئيس بن بلة، قلت حلمي أن ألتقي الرئيس وأدون مقابلة معه، وقد اتصلت سابقا مع السيد خالد بن اسماعيل لهذه الغاية، فقال لي إن الرئيس خارج الجزائر، قال منصور إن بن اسماعيل كان مقربا من الرئيس، أما اليوم فهو بعيد عنه، وأضاف مشيرا إليّ أن أكتب رقم هاتفه كي أتصل به لتحديد موعد مع الرئيس·· قلت له يا لها من مصادفة·· قال إن الرئيس وخلال تنقلاته يشير إليّ بمساعدة بعض المواطنين ممن هم في هذه الوضعية، وقد ترى أحيانا مقاعد السيارة مملوءة بكهذا حالات·· وصلنا إلى المكان المقصود، شكرته ونزلت من السيارة، وفعلا في اليوم التالي اتصلت به، فدد لي موعدا في اليوم الثالث على لقائي به···
وفي الموعد المتفق عليه ذهبنا وحين وصولنا إلى حيدرة، التقينا شرطي سير بالقرب من المكان وسألناه عن بيت الرئيس، فرفع هذا الشرطي يده مؤديا لنا التحية، ومن ثم أشار إلى وجهة المكان، وكان آنذاك الأخ منصور بانتظارنا·
دخلنا المنزل، حارس له غرفته في المدخل، وبهو واسع على اليسار وبمحاذاة الجدار الداخلي، صف طويل من الأشجار التي تحيط بالمكان من جهاته، يلي ذلك، وهذا ما اكتشفته في اليوم التالي مسبح واسع، لكنه غير مؤهل لممارسة السباحة، إذ أن أرضه مفسخة، وبالتالي لا تصلح للعوم والسباحة فيه، ولكن بالقرب من المسبح يوجد بعض المقاعد المطلة على مساحة واسعة من العاصمة الجزائر·
دخلنا المنزل المكون من فيلا دوبلكس، صالون على اليمين واسع، ويبدو أنه مخصص لاستقبال الأعداد الكبيرة من الزوار، وعلى اليسار صالون لاستقبال أعداد محدودة من الزوار، يليه غرفة صغيرة مفتوحة على الصالون حيث نجلس، وبجوار ذلك مكتبة صغيرة، يحاذيها درسوار عليه آلة موسيقية وبعض التحف، وعلى الجدران العديد من الصور للرئيس عبد الناصر وغيفارا ورؤساء عدم الانحياز السابقين، وتمثال نصفي للرئيس تكروما، وصور أخرى له أخذت في مناسبات متعددة، خاصة عندما كان في سدة الرئاسة، ومن هذه الصور صورة له مع الرئيس بوتفليقة في الستينيات·
مرت دقائق وإذا بالرئيس بن بلة يدخل علينا حاملا، ابتسامته وسنواته الثلاث والتسعين، مرتديا طقما رسميا، بعد السلام والتحية والسؤال عن الأسماء، بدأنا حديثا عاما لم نسجله لأننا اتفقنا مسبقا أن تكون الجلسة الثانية مخصصة للتسجيل·
لقد اقترحت على الرئيس أن تتناول المقابلة السيرة الذاتية للعائلة، القرية، المدرسة الأولى، الأصدقاء الأوائل، ومن ثم كيفية دخوله المعترك السياسي، وكيفية مشاركته في الثورة الجزائرية، وكيف تعرّف على الرئيس عبد الناصر، ورأيه فيه، وصلاته بل وتعرّفه على رؤساء عدم الانحياز، نهرو تيتو، نكروما، كاسترو··· وغيرهم، وصولا لاستلامه سدة الرئاسة، وكانت لي رغبة في معرفة رأيه بالرئيس فؤاد شهاب إذا كان يعرفه·
وافق الرئيس على مجريات الحوار، اتفقنا على أن نأتي في اليوم الثاني، على أن يكون بحوزتي آلة تسجيل، وهكذا انصرفنا بعدما يزيد عن الساعة والنصف من الحوار، في اليوم الثاني، الموعد في الخامسة، وكان هذا اللقاء·
أنا من مواليد ,1916 ولدت في هذا التاريخ، لكني لست متأكدا من الشهر، وإن كنت متأكدا من سنة الولادة، إذ كان الشعب الجزائري وليست مدينة مغنية فقط التي ولدت فيها، تتردد في تزويد الفرنسيين بأسماء الولادات الجديدة، وهذا الموقف ليس إلا موقفا من الاستعمار ومن ممارساته الظالمة للجزائريين كل الجزائريين، حيث كان الشعب في حالة مقاطعة لكل ما يتصل بالمؤسسات الاستعمارية الفرنسية·
إذن، ولدت في مغنية واسم مغنية مأخوذ تيمنا باسم امرأة كانت تكنى بهذا الاسم ''لالا مغنية''، هذه السيدة الفاضلة، والتي كانت قدوة في سلوكها وتعبدها لله، كانت كثيرة الذهاب إلى الحج، وقد كتب عليها أن تموت في هذه المنطقة التي ولدت فيها وأحبتها، وتقديرا من الأهالي لما عرف عنها من التقوى وعمل الخير، فقد سميت مغنية باسمها، وهذه التسمية كانت قبل مجيء الفرنسيين بزمن· هذه الرواية هي إحدى الروايات التي توثقها الذاكرة الشعبية عن مغنية، ''لالا مغنية'' هذه التي ماتت في هذه المنطقة ودفنت فيها، كان لها ولد اسمه السيد موفق، هذا الولد الذي كبر وأصبح شابا كان يقوم بعمليات ضد الاحتلال الفرنسي، كان مختصا لا في قتل العسكر، بل في قتل نخب ''الضباط'' من الجيش الفرنسي، وكان له نائب اسمه بن عيسى، وعائلة بن عيسى لا زالت موجودة إلى يومنا هذا، وفي يوم من أيام الاحتلال الفرنسي، تم القبض عليهما، على موفق وبن عيسى، فتم أخذهما إلى كورسيكا، وبعد محاكمة صورية لهما تم تنفيذ الحكم بهما وقطع رأساهما بالمقصلة، أي تمت محاكمتهما كلصوص، ولهذا هناك في مغنية ''جبانة''، بجوارها مكان تتظلله قبة، ويقال إن السيدة ''لالا مغنية'' قد دفنت تحت القبة، وإلى جانب هذه ''الجبانة'' التي سميت باسمها، تم دفن السيد موفق، حيث بني له مكان مماثل ومجاور لمكان والدته، وتتظلله قبة مماثلة، وقد سمي هذا المكان باسمه، أي موفق·
إذن، فأنا ولدت في هذه القرية وترعرعت فيها، وعشت حكايا أهلها ونضالهم ضد الاستعمار الفرنسي·· وقد درست في إحدى الأماكن، الكتاتيب التي وجدت يومذاك، حيث كان الكثير منها أي من هذه المدارس يقتصر التعليم فيها على تعلم القرآن، لذا فقد استمريت في تعلم القرآن على حضرة أحد المشايخ، يومذاك، ولمدة ثلاث سنوات، وبعد ذلك انتقلت إلى المدرسة الفرنسية، إذ كان يتوجب على من يريد الاستمرار في التعلم، الانتقال ومزاولة تعليمه فيها، لذا فقد انتقلت مع غيري إليها، وتعلمت فيها حتى نلت الشهادة الابتدائية الأولى، وبعد تخرجي منها كان عليّ كما على غيري من الطلاب، الانتقال من مغنية إلى مدرسة تلمسان لمتابعة تعليمي، وتلمسان تبعد عن مغنية مسافة 50 كلم، وهي في التاريخ بما في ذلك العصر الإسلامي، كانت العاصمة لكل الجزائر، استمريت خمس سنوات في المدرسة وكان هدفي أن أصبح مدرّسا·· ولكن في هذه المدينة، حصل لي حادثا كان أساسيا في نشأة أحمد بن بلة السياسي، هذا الحادث غيّر مجرى حياتي وحوّل أهدافي، إذ في يوم من نهاية العشرينيات من القرن المنصرم، أو في بداية الثلاثينيات، لا أستطيع التحديد، في ذلك الوقت كان في المدرسة التي أدرس فيها في تلمسان أستاذ فرنسي رائع جدا في تعليمنا للغة الفرنسية، ولكنه كان متزمتا دينيا مسيحيا، ومن حين لآخر كان يتلفظ بمفردات نابية عن المقدسات الإسلامية، ذات يوم، وهو يمس المقدسات، رفعت يدي وطلبت التكلم معه، لكن ولمرات تجاهلني، ولكنني استمريت في رفع يدي إلى أن أعطاني الكلام، فقلت له يا أستاذ ـ يا معلم ـ أنت تكرر لعناتك على الرموز الإسلامية، وخاصة على النبي محمد، وهذا ليس من حقك، إذ أنك في ذلك تتعدى حقوقك كمعلم، فأجاب بكلمة هي التي ساهمت، كما ذكرت، في ولادة أحمد بن بلة السياسي ''قال وكرر محمد نبيكم دجال''، هذه الكلمة التي جرحتني كما جرحت غيري ممن كانوا في صفي، دفعت بي كي أترك الدراسة··· وأتوجه إلى العمل السياسي، علما أن هواية أخرى كنت مغرما بها وأمارسها بعد خروجي من المدرسة وأنا طفل، وهي لعب كرة القدم، هذه اللعبة التي تقدمت بها وتطورت في امتهانها دفعت بي كي أكون واحدا من أعضاء الفريق المحلي، وأذكر أننا كفريق محلي لعبنا مع فريق مارسيليا وتغلبنا عليها·
ولكن تأكد بأنني منذ ذلك اليوم الذي تكلمت به مع ذاك الفرنسي، الذي تلفظ بتلك الكلمات البذيئة والمسيئة إلينا كمسلمين جزائريين، من يومها قررت الاندفاع في العمل السياسي، فدخلت في الحزب الذي أسسه الزعيم مصالي الحاج، هذا الحزب الذي نشأ في فرنسا وسمي بحزب الشعب الجزائري، كان لي أن ألتحق وأنضم إلى صفوفه، وأعتقد أن ذلك كان في الثلاثينيات من القرن المنصرم (1936) إذ كان قرار إنشاء الحزب بعد تكوين منظمة شمالي إفريقيا، التي ضمت يومذاك علالي الفاسي، رئيس حزب الاستقلال في المغرب، الرئيس الحبيب بورقيبة، رئيس الحزب الدستوري في تونس، والزعيم مصالي الحاج، رئيس حزب الشعب في الجزائر· يومها انخرطنا في هذا الحزب وكنت مقتنعا بمبادئه، إذ أنني كنت من مؤسسيه الأوائل، وأتذكر أن هذا الحزب كان سريا، لذا فإن كلمات ذاك الفرنسي، الأستاذ، كانت تلاحقني وهي التي دفعتني إلى المعترك السياسي، وساهمت في تكوين وعيي السياسي، ومن ذلك اليوم بدأت أكتشف الجانب الآخر من الثقافة الاستعمارية الفرنسية·
سياسيا، لقد توطدت علاقتي، وثقتي بمصالح الحاج، وحتى اليوم، فإنني أكن له الاحترام، حيث أنه ساهم في بلورة وتكوين وعيي السياسي، ليس فقط هو بل أيضا علال الفاسي وغيره مما ساهموا في خلق مناخات وتراكمات سياسية ضد الاستعمار الفرنسي·
لكن وفيما بعد، أي في أول نوفمبر اختلفنا معه، حيث بدأ الافتراق مع مصالي الحاج، وتوجهت إلى الانضمام إلى جبهة التحرير التي هدفها طرد الاستعمار الفرنسي وتحرير الجزائر منه·
لقد تحاربنا مع مصالي الحاج فيما بعد، حيث كانت الصراعات ووقع قتلى، ورغم ذلك فإن المبادئ التي اتبعها مصالي الحاج كانت عظيمة، وأنا وفي هذا العمر لازلت أكن له كل الاحترام، فهو من الزعماء العظماء، الذين أفتخر بأنني عملت معهم وتأسست معارفي معهم ومن خلالهم·
انتقل بن بلة، وبعد هذه المحطة الأولى من سيرته الذاتية، للحديث عن الوضع السياسي الراهن فقال: ''إنني أعتبر أن لبنان، وفي المسار التركيبي الذي أراده الاستعمار الفرنسي ـ الإنجليزي، قد اختير كي يكون أداة للصراع بين الشرق والغرب، ولكن الشعب اللبناني الذي رفض هذه السياسة وقاومها، كان عبر تاريخه خاصة الحديث، خزانا للعمل الوطني ـ القومي، مع الوحدة العربية، وتحرير فلسطين، ومع ثورات التحرر العربية، وأيضا العالمية، كان مركز اختبار يمكننا منه معرفة توجهات الشعوب العربية، وفي الفترة الأخيرة كان لبنان ولا زال قاعدة للنضال ضد الحركة الصهيونية، وأنا الذي أحترم الشعب اللبناني لأنه وقف معنا خلال فترات نضالنا ضد الاستعمار الفرنسي، وأحترمه لأنه حرر أرضه وطرد الاحتلال، لقد دفع لبنان ثمنا غاليا من أرواح بنيه، ومن قدراته الاقتصادية، ولبنان اليوم يحظى باحترام خاص من قبل شعوب العالم، رغم أننا نعيش العصر الأمريكي، وعصر كروزاته، المتعددة الأشكال والألوان، لذا فأمريكا تختار لبنان اليوم كي تبلور من خلاله مشروعها، وتخلق مناخات لوضعيات عدائية بين الدول العربية مع بعضها البعض، تختاره لضرب العرب بعضهم بالبعض، نعم لقد اختار الغرب المنطقة الأكثر حساسية التي يعتقد أنه منها يمكن أن يواجهنا، فلبنان هو المختبر لعلاقة الأديان بعضها بالبعض، ولكن ما يمارس تحت اسم الدين هو سياسة المصالح، لذا علينا أن نكون حذرين، الشعب اللبناني كلي ثقة بأنه سيكسب المعركة، هذه المعركة التي تتعدد مراكزها يحاولون نقلها من فلسطين إلى لبنان، ومن ثم إلى العراق، وهاهم اليوم يعيدونها إلى لبنان·
لذا، فإذا كان من وصية لي بأن تعمل القيادات السياسية في لبنان لتجنب الفتنة، ليس فقط تجنبها بين المسلمين والمسيحيين، بل أيضا بين المسلمين أنفسهم، وها هي روح العدوان تتضح وتعمل من أجل حصول هذه الفتنة، لأن حصولها سيكون له انعكاسات خطيرة على مجمل النسيج المجتمعي العربي، لذا آمل ألا يتورط المسيحيون في هذه المعركة وأيضا المسلمون·· هي توجهات خطرة، قد نعرف كيف تبدأ، ولكننا لا نعرف كيف تنتهي·· ونحن في كل الحالات الخاسرون· لن يربح أحد منا··
إني على ثقة بأن لا تسمح الشعوب العربية وتؤدي للاستعمار والقوى العدوة المرتبطة به هذا الغرض، لذا·· فالقيادات اللبنانية، والشعب اللبناني عليهما أن يكونوا على بصيرة عما يحيط ببلادهم··· فالعراق الذي تحوّل إلى فلسطين جديدة وإلى عبء ثقيل على العرب، برزت فيه قوة مواجهة للهيمنة الأمريكية وأمريكا ذاتها التي فشلت في العراق تريد أن تستكمل مشروعها في لبنان، لذا فعلى اللبنانيين ألا يسمحوا بذلك·· عليهم بالممانعة وبالمقاومة وهم المشهود لهم بهذه وتلك·· هم مثال اليوم للعرب، فلا يفسدوا هذا المثال·
يا صديقي وأنا لا أعرف من أنت وما هي عقيدتك، نحن المسلمين عندنا مزية، نثق بسيدنا موسى وسيدنا عيسى، ولكن غيرنا لا يثق بما نؤمن به، إن من يفرق اليوم هو عدو للأديان، نحن نؤمن بالديانات التي سبقت الإسلام وبالرسل، أما المسلمون الذي يفرقون بين الرسل فهم خطر علينا·
لذا فعلى كل النخب التي تنتمي إلى عقائد دينية أن تتجه إلى الحوار بين بعضها البعض، وهذه الطريقة أؤكد لك أنها الأفضل، إنها وصيتي، أن يتنازل اللبنانيون إلى بعضهم البعض··· وهل من خيار؟!
العراق مهد الإنسانية، ولبنان مهد الأبجدية والثقافة، من العراق نشأ أول قانون حمورابي ـ لا تقتل ـ
اليوم أنا أعيش في الجزائر، ولكن روحي وقلبي معكم·
الجزائر قارة أرضها مملوءة بالطاقة وبالغاز والنفط وغيرهما، لذا علينا استغلال هذه الخيرات لمصالح شعوبنا·
أما عن فرنسا، وهي التي خرجت من الجزائر، نحن اليوم نريد أن تكون لنا علاقات جيدة معها·· وأنا مستعد لأن أقوم بكل ما أستطيع القيام به من أجل ذلك·
إن لي ثقة بأن تكون الكلمة الأخيرة للشعوب ولمصالحها، ولإدارة تحررها السياسي والاقتصادي والثقافي، وهذا ما علينا أن نعمل له·
وأنا أهم خارجا من ''الفيلا'' التي يسكنها الرئيس بن بلة، وبعد أن اتفقنا على استكمال الحديث في اليوم الثاني، إذ بمكتب الرئيس يتصل بي في ذلك اليوم، معتذرا عن اللقاء مؤجلا إياه إلى يوم الأحد 29 / 7 هذا اليوم الذي كان عليّ أن أترك الجزائر، ولم يتسن لي استكمال ما بدأناه، وحيث ذكرت له قبل خروجي من اللقاء معه بأنني اتصلت ببيروت وتكلمت مع الأستاذ سليمان تقي الدين، الذي هو على علاقة جيدة مع الأستاذ طلال سلمان صاحب جريدة ''السفير'' التي يشرف عليها، حينها قال الرئيس بن بلة وأنا أذكر طلال سلمان، إنني أعرف طلال سلمان وبإمكانك إيصال تحياتي وسلامي له، فهو وطني وقومي صادق وهو إنسان فاضل، كما أكلفك بالسلام على الأستاذ خير الدين حسيب، والرئيس الحص، ومعن بشور وبشارة مرهج·
خرج الرئيس إلى الباب مودعا ومعيدا تكرار تلك الجملة التي ذكرها خلال اللقاء، على اللبنانيين أن يتنازلوا إلى بعضهم البعض، وأن يفوتوا ما يخطط للعرب من خلال بلدهم، هذا بعض من وصية سنستكملها في لقاءات أخرى إن شاء الله''·
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 15/04/2012
مضاف من طرف : aladhimi
صاحب المقال : الجزائر نيوز
المصدر : الجزائر نيوز 2012/01/14