الجزائر

مفكرو "الثورة" وحلقات اللهو على الفيسبوك! رأي حر


هل لدى الذين ينشطون في إطار ”الربيع العربي” إجابات عن تفاصيل مشروع الحركات والجماعات ”الإسلامية”، التي أرسلت إلى سوريا مقاتلين من ”بلاد العرب والمسلمين” ومن ضمنها مخيمات اللاجئين الفلسطينيين أيضا (تحولت هذه المخيمات إلى بقع وطنية)..
للتذكير ظهرت هذه الأخلاط لأول مرة في أفغانستان في نهاية سبعينيات القرن الماضي، كتجسيد ”لأسر الدين” وتحريفه واستخدامه كأداة تحريض وتجنيد في الصراع بين القوى العالمية العظمى، ثم صّبت بعد ذلك، بعض الأقطار العربية بما صار يُعرف ”بالأفغان العرب”. وكان نصيب الجزائر منهم الأكثر فظاعة، إذ أغرقها هؤلاء في بحر من الدماء ؟ أم أن مشروع هذه الجماعات الإسلامية، التي تحشّدت لمحاربة الدولة السورية، باسم الحرية والديمقراطة وكفاح الطغيان والفساد، يقتصر ببساطة على إلغاء الكيان الوطني السوري، للذين تعنيهم هذه المسألة عبرة في أفغانستان، الصومال والعراق...
ولكن إذا كانت الجماعات الإسلامية لا تحمل إلى سوريا مشروعا وطنيا، حق السؤال عن دواع الحماسة تأييدا لها فضلا عن إلباسها، كذبا، ثوبا ثوريا تحريريا، رغم كونها نقيض الحرية والتنوير، أما إذا كان هذا المشروع موجودا أصلا فإن لا أحد يعلم شيئا عن الأسس التي من المقرر أن ترتكز عليها دعائمه في حال انتصرت هذه الجماعات على الدولة السورية. تجدر الملاحظة في هذا السياق، إلى أن الناس في البيئة أو التربة الاجتماعية التي تتحرك في ثناياها هذه الجماعات امتنعوا أو منعوا فامتثلوا لهذا المنع، منذ عقود من الزمن عن الإعتماد على أنفسهم والتفكير في اختيار ما يلائم مصالحهم الجمعية، فتراوحت في أغلب الأحيان مواقفهم اتجاه ما يُفرض عليهم بين القبول والصمت، وانتهاز الفرص لإقتناص المنفعة الأنانية.
لا حرج في القول، إن هذه الحالة أضعفت الذاكرة في بلاد العرب، لعل ما زادها ضعفا على ضعف في رأيي هو نكدُ العيش المتأتي عن خطاب ديني يعيد نفسه يوميا على السمع، وكأنه مسجل على أسطوانة مشروخة.
وتوخيّا للدقة والوضوح، زعم أن أتباع الدعوة إلى الدين الإسلامي يقتضي الشهادة بوحدانية الخالق وبنبوة رسله وخاتمهم محمد بن عبد الله والرجوع إلى الكتاب الذي جاء به هذا النبي والتفكّر في القصص والتعاليم، ارتقاء وتصعدا في سلم الإيمان درجة تلو درجة، يلتمس المؤمن خلاله نهجا يسلكه في معاملاته مع الآخرين. الإسلام ليس بالقطع شيئا آخر، ما عداه هو في فهمي سياسة وتحزّب قبلي وانسياق أمام العصبية التي كافحها النبي، ولكنها مالبثت أن عادت بعنفها بعد وفاته، أكاد أن أجزم أيضا، أن من هذا المنظور ليس في الإسلام مذاهب وطرق فئوية وليس من حاجة إلى رجال دين، أكتفي بهذا الإستطراد لأنني لست بصدد البحث في هذا الموضوع الذي يحتاج إلى تفاصيل لا يتسع المجال هنا لها.
ما أود قوله، بعد هذه التوطئة، هو لماذا أمسك كثيرون من المفكرين بأبواق الدعاية يبثون بواسطتها مادة غربية لا يخفى القصد منها؟ هل هو احتباس الذكاء، الفكر والإبداع؟ أم هي الرغبة في مماثلة رجال الدين، الذين اقتحموا ميدان السياسة بخطاب لا يصل السامع منه إلا الضجيج وإقلاق الراحة؟ والرأي عندي، بخصوص هذه المسألة أن خطاب المفكرين الذين وجدوا في أمتهان الدعاية، دورا لهم، هو خطاب تافه ومملول مسبقا لأن مفرداته غريبة وغربية، يكثر فيه الإستشهاد بفلاسفة ومفكريين غربيين، كأن أصحابه يريدون بهر القارئ برصيدهم المعرفي. واستنادا إليه، فأغلب الظن أن هذا الخطاب ليس موجها، إلى ”الثوار” وإلى الناس الذين كانوا يئنون من وقع طغيان السلطة عليهم، فإذا بهم يتعرضون في وقت لم يكن لهم الكلمة في تحديده، لطغيان ”ثورة” أشد وقعا وأكثر شناعة ودموية، على الأرجح ليست الغاية من هذا الخطاب هي استمالة الرأي العام الغربي واستجلاب تأييده ودعمه ”للثورة”. فبموازة النشاط المحموم الذي تبذله الدول الغربية تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية، على الصعيدين الديبلوماسي الدولي والميداني العسكري من أجل تمكين ”الثورة” في سوريا من مواصلة القتال ضد الجيش العربي السوري وأجهزة الأمن الحكومية الأخرى، تجري على قدم وساق، تعبئة الرأي العام ضد ”الإسلام والمسلمين”، بحجة أن الإسلاميين إرهابيون، يأخذ عمليا تعبير ”إسلاميين” معنى ”مسلمين”، تُجمع معظم وسائل الإعلام في الغرب على أن جماعات الإسلاميين سواء السوريين منهم وغير السوريين، تمثل العمود الفقري لحركة التمرد في سوريا. وتأسيسا عليه تبرر معاونتها وتزويدها بالعتاد، لأن تدمير سوريا وإضعاف جيشها يصب في مصلحة دول الغرب، هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية، فإن هذه الدول لا تتضرر بالقط ، إذا طال أمد الإقتتال، وأكاد أقول أيضا، إنها لا تتضرر إذا نشبت حرب بين سوريا وتركيا، شرط أن تبق تحت سيطرتها ولا تتعدى حدود هذين البلدين، فمن المعروف أن سكان تركية هم مصدر قلق لهذه الدول.
وخلاصة القول، إن تأثير مديح ”المفكرين” العرب ”للثورة” في سوريا، على الرأي العام الغربي ليس ملحوظا وأن خطابهم غير مقروءِ من الجماهيرالسورية والعربية، ومهما يكن فهو غير مفهوم نظراإلى أستناده إلى مؤلفات مفكريين غربيين من ”العيارالثقيل”.، ينجم عنه أن من المحتمل أن هذا الخطاب مرسل حصرا إلى النخبة العربية بوجه العام، والسورية خاصة. إذا صح هذا الإفتراض، جاز الإعتقاد بأن الغاية منه هي أشغال هذه النخبة في سجل ”عشائري داخلي”. وبالتالي صرفها عن معاينة ما يجري على الأرض، على يد عناصر ”الشركات الأمنية الإسلامية” بحثا عن الحقيقة والعدالة. ينبني عليه، أنه ليس مستبعدا أن الضخ الإعلامي والدعائي، على شكل مقالات متلاحقة شبه يومية، يكتبها عدد قليل من الأشخاص لا تمت للواقع بصلة، وتملأ مساحات واسعة في الصحف العربية وأحيانا الغربية أيضا، ينهل من مادة معدة سلفا. ناهيك عن حلقات الإستجواب وندوات اللهو التي يديرها الأشخاص الذين يكتبون هذه المقالات أنفسهم على الفيسبوك. أليس هذا كله مثيرا للريبة؟
خليل قانصو
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)