الجزائر

مفارقات جزائرية



 حينما تعجز دولة بأكملها عن تسيير وضع استثنائي وظرفي في فصل الشتاء، وتشل الحركة والنشاط فيها ويموت البشر بالعشرات، يتعين أن نطرح سؤالا كبيرا عن ماهية هذا العجز ومكمن الداء ومن هو المسؤول عن هذا العجز الكامل. لأننا ألفنا أن نعيش في كنف الدولة المركزية التي تنتظر الإذن والتصريح من المسؤول الواحد وإلا بات الأمر على حاله، ولو حلت الكارثة. لقد انقلبت الأمور رأسا على عقب حينما تأخرت الحكومة الأمريكية في رد فعلها إزاء إسعاف ضحايا عاصفة كاترينا، ولكننا لن نحاسب أيا كان حينما سقط المئات في فيضانات باب الوادي. إن نجاح أي أمة يكمن في حسن التدبير والتسيير والتخطيط حتى مع قلة الموارد والثـروات، وقد استخلصنا من التاريخ كيف أن أمما مثل اليابان وألمانيا نجحتا في العودة بقوة إلى الواجهة الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية بفضل حكم عادل وإرادة جماعية راسخة، عكست جوهر ما اعتمده المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي حول جوهر الحضارة التي اختصرها في مقولة التحدي والاستجابة. ثم جاءت تجارب كوريا الجنوبية والدول الصاعدة من النمور الآسيوية التي بينت كيف توظف مواطن القوة لديها، لتصبح نماذج ومدارس للنجاح الفعلي، في عالم متسارع وسريع التغير، على أساس ما اعتمده ألفين توفلير ضمن مفهوم الموجة الثالثة، وقبله زبيغنيو بريجينسكي حول الثورة التكنوترونية. فالعالم من حولنا يتغير ومفاهيمه تتبدل بسرعة لا متناهية، في حين تجمدنا في موقعنا دون إمكانية إيجاد البدائل، عاجزين عن الإبداع والابتكار وإيجاد الحلول المناسبة لأبسط معادلاتنا اليومية. فما السبب في ذلك يا ترى ؟ ربما ينطبق علينا قول برنار شو أن مأساة العالم الذي نعيش فيه تكمن في أن السلطة كثيرا ما تستقر في أيدي العاجزين، ولكن الداء أعظم وأعمق، وإن كانت المعادلة بسيطة لمن يدرك رموز تشفيرها وفكها. قيل لنا نحن بلد غني ولكننا فقراء في الأساس، فأجابهم عقلاء. ولكن دول الغرب قالت يوما على لسان هنري كسينجر: إذا كنتم تمتلكون النفط، فإننا نمتلك الأفكار. وبالفعل أضحى النفط نقمة لأنه اختزلت فيه جميع التناقضات، سكون دون حركة وإدارة بيروقراطية بتسيير بال، وتوزيع غير عادل للدخل والثـروة، وأثرياء جدد مصطنعون بنوا غناهم من الريع، مقابل فقر متنام ومدقع يمس 6 ملايين جزائري، ومحظوظون في المحميات دون وجه حق، مقابل أكواخ وبيوت قصديرية متراسة في جميع المدن، والفارق يتسع بين أغنى فئات المجتمعات وأفقرهم بأكثـر من 24 مرة، ثم نرى أنه بعد خمسين سنة من تجارب اقتصادية صماء، نجد أنفسنا بأننا حققنا إيرادات بـ74 مليار دولار، 72 مليارا منها عائدات محروقات ،مقابل قرابة 50 مليار دولار واردات، ولا نزال نعيش مفارقات عجيبة بعد خمسين سنة من الاستقلال. فالعبرة في الفعل لا في القول، وفي رد الفعل واستخلاص العبر، لأن هذه الأمم تعلمت من أخطائها. وكما قال نيلسون مانديلا: ''العظمة في هذه الحياة ليست في التعثر ولكن في القيام بعد كل مرة نتعثـر فيها''. 


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)