يقول الله عزّ وجلّ: {سُبحان الّذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الّذي باركنا حوله لنُريَه من آياتنا إنّه هو السّميع البصير} الإسراء .1
إنّ كلمة ''سُبحان'' تعني التّنزيه عن العيب والنقص، ومن أنواع النّقص الّتي تنَزّه الله عزّ وجلّ عنها عدم القدرة على فعل الشيء أو تغييره أو خلفه من عدم أو عدمه بعد خلقه، ومن هنا، نبدأ الحديث عن الإسراء والمعراج.
فالإسراء لا يكون إلاّ في اللّيل، ولكن إسراء النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، لم يكن فقط ليُجاري الإسراء في معناه الدنيوي فقط، أي ليلاً، بل تعدّاه إلى خوارق لم تكن في حُسبان قومه آنذاك حينما كانت المسافات تُحسَب بسرعة الإبل وكم يقطعن في اليوم واللّيلة. فقد امتطى صلّى الله عليه وسلّم ظهر البُراق ورافقه في رحلته تلك سيّدنا جبريل عليه السّلام، وقبل هذا وذاك، رافقته العناية والقدرة الإلهية الّتي تتجلّى في قوله تعالى: {سُبحان الّذي أسرى...}، فما كانت رحلة النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم مجرد رحلة لإثـبات النّبوة، بل اجتمعت فيها معاني كثـيرة، فرقت بين الحق والباطل وبين التّصديق والتّكذيب وبين الإيمان والكفر. لذا، فإنّ الله عزّ وجلّ يختبر النّاس بادئ ذي بدء في التّصديق بقُدرته وعظمته، لأنّ الإيمان المطلوب هو الإيمان بالله وحده لا شريك له إيمانًا تامًا. أمّا المعراج، فهذا يُعَدّ لبَ الإيمان الخالص والتّصديق بما جاء به سيّدنا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، دونما شكّ أو ريبة، وهو اختبار الله سبحانه وتعالى للمُخلصين من عباده المؤمنين حقًا وصدقًا. وقد عرّج عليه الصّلاة والسّلام إلى السّماوات الواحدة تلو الأخرى، يتوقّف في كلّ سماء ليحظى أهلها والمقيمون فيها بشرف لُقْيَا نبيِّ آخر الزمان وحبيب الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم. ويلزم التوقف قليلاً عند آلة الزمن المحسوب لدينا بالثـانية والدقيقة والساعة واليوم والأسبوع والشهر والسنة، وهذا في طبيعة الحساب العادي. أمّا أقصى ما توصّل إليه العلم هو احتساب الزمن الأبعد هو السرعة الضوئية، ولم يعلّمنا الله عزّ وجلّ أكثـر من هذا حتّى يومنا الّذي نحن فيه. أمّا ربّ العزّة والجلال، فلا يستعصي على أمره شيء أبدًا، بل لا مجال للمعصية لدى الزمان والمكان، حيث أمر الله عزّ وجلّ السّماوات والأرض بأن تأتيَا طَوْعًا أو كَرْهًا قالتَا أتينَا طائعين، وأنّ المسافات الّتي بين السّماء والأرض وما فيهنّ ما هي إلاّ أزمنة قدّرها الله سبحانه وتعالى كيف يشاء. وقد أفاد العلماء المعاصرون أنّ معجزة ''الإسراء والمعراج'' اشتملت من الناحية العلمية على السرعة الخارقة والقُدرة المذهلة الّتي انتقل بها سيّدنا رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، في الشق الأوّل من المعجزة، وهو ''الرحلة الأرضية''، من المسجد الحرام بمكة (في الجزيرة العربية) إلى المسجد الأقصى بالقدس (في فلسطين)، ثـمّ السرعة والقدرة اللتين لا يستطيع الإنسان ـ مهما أوتي من علوم وتكنولوجيا ـ أن يحدّدهما، وذلك في الشق الثـاني من المعجزة وهو ''الرحلة العلوية''، أي الصعود من حيث انتهت الرحلة الأرضية إلى الأعلى في رحلة سماوية، اخترق الرّسول بها طبقات الجو كلّها وعبَر أرجاء الكون إلى سماء لا ولَن يستطيع الإنسان أن يصل إلى تحديد أيّ شيء فيها، ولَن يعرف عنها أيّ شيء سوى ما أخبره به القرآن الكريم.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 01/07/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : الجزائر: عبد الحكيم فماز
المصدر : www.elkhabar.com