الجزائر

معالم تلمسان كما وصفها الرحالة العرب



لقد أبهرت تلمسان منذ أن تأسست كحاضرة من أهم حواضر المغرب العربي كل من زارها من الرحالة وطلاب العلم والموفدين إليها من السفراء من المشرق والمغرب واللاجئين إليها بحثا عن الآمان. ولم يتردد هؤلاء في وصفها في كتبهم وسفراتهم ، فأكثروا في مدحها وأطنبوا في إظهار جمال منشآتها العمرانية وحسن تخطيطها وتطور حضارتها. وقد استهوت تلمسان حتى أولئك الذين تعرفوا عليها في كتب الآخرين ولم يزوروها، لما تمتعت به من شهرة طيبة وإشعاع باهر.
ومن بين الذين وصفوا لنا تلمسان بشيء من التفصيل والاهتمام بموقعها الجغرافي ومنشآتها المدنية والعسكرية والدينية الرحالة العمري 1 المتوفى سنة 749هـ، فقال:
" وأما تلمسان وهي قاعدة الملك الذي فتحه هذا السلطان 2 بسيفه، واستضافه إلى ملكه، قال الشريف 3 في كتاب روجار وهي في سفح جبل وبها آثار الأول، وماؤها مجلوب من عيون على ستة أميال، ولها أسواق ضخمة، ومساجد جامعة، وأنهار وأشجار، وشجر الجوز كثير بها، وفيها المشمش المقارب في حسنه لمشمش دمشق وعلى نهرها الأرحاء 4، ويصب نهرها في بركة عظيمة من آثار الأول، ويسمع لوقعه خرير على مسافة ثم يصب في نهر آخر 5 بعدما يمر على البساتين، ويستدير بقبليها وشرقيها، وتدخل فيه السفن اللطاف حيث يصب في البحر.
وهي دار علم متوسطة في قبائل البربر، ومقصد تجار الآفاق، زكية الأرض من الزرع والضرع، وبها حصون كثيرة، وفرض عديدة أشهرها فرضة هنين وهي قبالة المرية (من الأندلس) ووهران (في شرقي تلمسان شمال قليل على مسيرة يوم من تلمسان، ومستغانم تقابل دانية من الأندلس).
وتلمسان على ما بلغ حد التواتر في غاية المنعة والحصانة مع أنها في وطاءة لكنها محصنة البناء، ولقد أقام أبو يعقوب يوسف عم هذا السلطان أبي الحسن نحو عشر سنين 6 وبنى عليها مدينة سماها تلمسان جديدة 7 ثم مات، وسمى أهل تلمسان تلك السنة سنة الفرج حتى كتبوا في سكتهم ونقشوا: ما أقرب فرج الله، وشرع حينئذ أبو حمو 8 بعد إتمام سنة من الفرج من رحيل بني مرين عنها، وهو والد سلطانها أبي تاشفين المأخوذة منه في تحصيل قوتها، وتحصين أسوارها، ولم يدع ما يحتاج إليه المحاصر لعدة سنين كثيرة حتى حصله من الأقوات والآلات حتى سليت الشحوم، وتمليت بها الصهاريج وملئت أبراج المدينة بالملح والفحم والحطب واختزن داخل المدينة كلها زرع، ومات أبو حمو وولي بعده أبو تاشفين فزادها تحصيلا من الأقوات، وتحصينا من الأسوار والآلات، وبنى بها البناءات العجيبة الشكل ، والقباب الغريبة المثل، والبرك المتسعة، والقصور المنيفة، وغرس فيها بساتين، غرس بها من سائر أنواع الثمار إلى أن حاصر بجاية ونازلها وبنى عليها، فاستنجد الموحدون المريني، فأرسل إليه العلماء الصلحاء والأعيان، وندبوه إلى الصلح بينهم فأبى إلا عتوا وفسادا، فنهض إليه أبو الحسن وحاصره أشد حصار، وبنى عليه مدينة سماها المنصورة، وبقي أربع سنين محاصرا لها، مضيقا عليها آخذا بخناقها، ونصب عليها المجانيق وأخذ عليها المسالك من كل جهة، ولم يدع طريقا للداخل إليها ولا لخارج منها، وسلطانها أبو تاشفين وجميع أهلها في ضيق الخناق معهم، ولا يفك لهم وثاق، ولا يحل لهم خناق، ولا تبرق لديهم بارقة خلاص، وكانوا مع هذا التشديد الشديد في غاية الامتناع، لحصانة بلدهم وكثرة ما بها من الماء والأقوات، وكان في المدينة عين ماء لا يقوم بكفايتها، وكان يجري إليها الماء من عين خارجة عن البلد لم يعرف لها (أحد) منبعا أخفيت بكثرة البناء المحكم، ولم يظهر لها على علم إلى أن خرج أحد من يعرفها من البنائين المختصين بسلطانها الكاشف عنها حين بنائها، فأظهرها للسلطان أبي الحسن وكشف عنها فقطعها عنهم، وأبعدها منهم، وصرفها إلى جهة أخرى فقنعوا بالعين التي في داخل بلدهم، واكتفوا بالبلالة، ولم يظهر منهم وهن ولا خور لانقطاع الميرة لما كان عندهم من المخزون حتى قدائد اللحوم ومسليات الشحوم ولم يتغير طعمها لأن بلاد الغرب مخصوصة بطول مكث المخزونات بها، فإنه ربما بقي القمح والشعير في بعض أماكنها ستين سنة لا يتغير ولا يسوس ثم يخرج بعد خزن هذه المدة الطويلة فيزرع وينبت وخصوصا تلمسان في بر العدوة، وطليطلة في الأندلس."
"...ونعود إلى ذكر تلمسان، فنقول: إنها منحرفة إلى الجنوب الشرقي من فاس، ولها ثلاثة أسوار ومن جهة القصبة ستة أسوار بعضها داخل بعض، ولم يهجس بخاطر أنها تؤخذ ولكن بسم الله لهذا السلطان أبي الحسن المريني صعبها وذلك له إباءها حتى ملك ناصيتها، وبلغ دانيتها وقاصيتها، وإذ قد ذكرنا قواعد الملك الثلاث فلنذكر ما لا بأس بذكره من هذه البلاد".
1 : شهاب الدين أحمد بن فضل الله العمري: مسالك الأبصار في ممالك الأمصار، السفر الرابع، الجزء الرابع، تحقيق: د.حمزة أحمد عباس، أبو ظبي: المجمع الثقافي، 2002، ص ص. 202-206.
2 : أبو الحسن علي بن عثمان المريني المعروف بالسلطان الأكحل، فتح تلمسان عنوة عام 737هـ/1337م بعد ثلاث سنوات من الحصار وقتل سلطانها أبا تاشفين بن أبي حمو واستولى على جميع ما كان بها من أموال وذخائر.
3 : الشريف الإدريسي: "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" الذي ألفه لملك صقلية روجر الثاني.
4 : هو واد الصفصيف المار شرق تلمسان
5 : هو نهر تافنة الذي ينبع من سطح جبل مرشيش ثم يعبر بسائط سبدو ومغنية والرمسي إلى أن يتدفق في البحر الأبيض تجاه جزيرة أرشقول.
6 : حصار تلمسان الذي بدا في 3 شعبان 698هـ وانتهى في 7 ذي القعدة 706هـ بقتل السلطان المذكور أبو يعقوب يوسف.
7 : وهي مدينة المنصورة.
8 : هو أبو حمو موسى بن عثمان بن يغمراسن بن زيان الذي حكم تلمسان من 707هـ إلى غاية مقتله على يد ولده أبا تاشفين عام 718هـ.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)