تمور النقاشات عالميا وعربيا ومحليا حول وجوب أو حرمة أخذ مطاعيم كورونا طبيا وعقليا وقانونيا ودينيا، فمن له حق التقرير وإصدار الأحكام في ذلك؟ وهل الأحكام مطلقة أم فيها اجتهادات؟ وهل يمكنني شخصيا أن أجتهد لنفسي؟.ويزداد التخبط عندما تكون الثقة متزعزعة وبدرجات متراوحة، وفق الدول والشعوب في جهات القرار، أمرا أو نهيا من هيئات دولية أو حكومات أو هيئات متخصصة أو شركات الدواء أو العلماء المختصين أو من يتصدرون لذلك بأحقية أو قوة أو زور.
ويتصاعد التخبط مع السيولة التامة في وسائل الإعلام الاجتماعي في ظل رواج نظريات المؤامرة، وفشل العالم في هزيمة كورونا، سواء المتقدم أو الفاشل أو ما بينهما. وفي ظل سيادة الاستبداد والفساد في الوطن العربي وانعدام أو ضعف ثقة المواطن بحكوماته، يسهل على البعض أن يبث بدائل وحلولا ووعيا موازيا طبيا وعقليا وقانونيا ودينيا. بداية فلنحرر محل النزاع، ولنحدد موضوع ومشكلة بحثنا ونقاشنا.. هل المطاعيم المعتمدة قطعا ستنجح في مكافحة كورونا؟ وهل هي آمنة؟ ومن ثم هل هي واجبة أم محرمة؟.
أطرح اجتهادي لنفسي شخصا ومختصا وباحثا دقيقا في السياسات العامة والسياسة والاقتصاد والإحصاء، وموضوع المطاعيم في صلب كل ذلك، والتزما بالمنهجية والموضوعية وبعيدا عن أي تجاذبات، وفي كل الأحوال لا أطرح رأيا طبيا ولا قانونيا ولا دينيا ملزما لأحد.
..الموافقون والرافضون لمطاعيم كورونا
الموافق طبيا يحاجج بأنه بعد عام من الانتظار الطويل، وبعد إجراء بحوث كثيفة مكلفة على يد أكبر المختصين في أعتى شركات الأدوية العالمية تم اختراع عدة مطاعيم ضد كورونا في عدة دول، وتم اعتمادها بعد إجراءات سلامة دقيقة وعلمية من هيئات مؤسسية متخصصة دولية وحكومية، وسيستمر إنتاجها وبيعها إلى دول العالم، وبدء إعطاء المطاعيم بأعداد كبيرة جدا لشرائح ذات أولوية، وعدد المتضررين جديا وفوريا يكاد لا يذكر إحصائيا، وعليه، فيجب أخذ المطاعيم المعتمدة، وليس أي مطعوم غير معتمد.
والرافض طبيا يحاجج بأن المطاعيم المخترعة لم تجتز مراحل طبيعية، وإنما كانت مستعجلة وتحت ضغط وقوع كارثة كورونا، ولا أحد يعلم مدى نجاعتها ولا أضرارها على المدى البعيد، وعليه، يرفض أخذها حتى لا يكون فأرا للتجارب الطبية، ويفضل خطر كورونا والشفاء والمناعة منها على أخطار مستقبلية لمطاعيم لا أحد يعلم ما ستفعل به.
والموافق عقليا يرى بأنه ما دامت المطاعيم المعتمدة قد جاءت من جهات الاختصاص والصلاحية، ولم يثبت لها ضرر فوري كبير، فلا بأس بأخذها، فهي إن لم تنفع فلن تضر، والمخاطرة برفض المطاعيم أعلى بكثير من أخذها، ويرى كذلك أن كل الأدوية المعتمدة لها أضرار جانبية محتملة على فئات محددة من الناس، وأن احتمالية وفوائد حماية شرائح هشة بالمطاعيم مثل كبار السن وذوي الأمراض التنفسية وغيرهم، وكذلك الطواقم الطبية، أعلى بكثير من مخاطر أضرار المطاعيم على الشرائح القوية من الناس، والتي هي أيضا معرضة لضرر كورونا، وإطالة أمده لو لم تؤخذ المطاعيم، وعليه فإن اختيار أعلى المصلحتين أو أقل الضررين يعني أخذ مطاعيم كورونا.
وقراري الشخصي هو أخذ المطاعيم ترجيحا لحجج الموافقين لها، وأمري إلى الله وخطيتي في رقبة الجهات المختصة والحكومة، فشخصيا لا أؤمن بعقلية التواطؤ الكامل للمختصين والمسؤولين والحكومات، ولا بعقلية المؤامرة، وإن كانت المؤامرات والأجندات موجودة، وآخذ بنصيحة جماعية لمؤسسات طبية مختصة، وأرفض أخذ مخاطرة نصيحة آراء فردية.. خاصة إن لم يكن أصحابها من أهل اختصاص مشهور وطويل وعميق وبدون جروح في كفاءتهم وأمانتهم العلمية الدقيقة، وشخصيا ألتزم بقرارات حكومة البلد التي أعيش فيها، ولا أرفضها ما لم يثبت عندي ضررها أو عدم انضباطها.
والرافض عقليا يرى أن أغلب الناس تعبر كورونا، مما يحدث المناعة الجماعية تلقائيا، وعليه، ما من داع لمطاعيم قد تجلب أضرارا مستقبلية. وإن الشرائح القوية ليست مضطرة حقيقة لأخذ المطاعيم، فلماذا نؤذي الغالبية العظمى القوية بالمطاعيم خدمة لشرائح أقلية ضعيفة هي في كل الأحوال معرضة للمخاطر الصحية؟، ويرى هؤلاء بأن المطاعيم إنما هي تجارة تمت لخدمة مصالح الشركات والجهات المنتفعة ماليا، كما أنها رغبة من الحكومات في تقديم حلول للناس في وجه مطالباتهم الكثيرة وانتقادهم لعجز الحكومات.
والموافق قانونيا يرى بأنه يجب إلزام الناس بالمطاعيم ما دامت الحكومات قررت ذلك، وأن رفضك التطعيم سيطيل عمر جائحة كورونا، ويسبب ضررا بحقوق الآخرين في الحياة والصحة والمجتمع والاقتصاد والمستقبل...
والرافض قانونيا يرى بأن إلزامه بالمطاعيم هو انتهاك لحقوقه وحرياته الشخصية واعتداء على حياته وصحته وماله ومستقبله وعائلته، ويزداد الرفض القانوني إذا ما اعتقد الشخص باستبداد أو فساد حكوماته أو انتفاع أصحاب المصالح والشركات. وعندما يرى تخبطا وضعفا كبيرا في كفاءة وعلم وخبرة القائمين على مكافحة كورونا، وأنهم فقط ينتظرون ما تجود به المؤسسات الدولية والدول القوية وشركات الأدوية بدون أدنى ضمانة أو مسؤولية عن صلاحية أو ضرر المطاعيم.
والموافق دينيا يرى أن حجج وقرارات الموافقين طبيا وعقليا وقانونيا توجب دينيا أخذ المطاعيم أو تجعلها مندوبة، فهم أهل الأمر وواجبنا طاعة ديننا وولاة أمرنا، و"لا ضرر ولا ضرار"، والتداوي والوقاية واجب، وبغير ذلك تحمل إثم نفسك وغيرك.
والرافض دينيا يرى أن حجج وقرارات الرافضين طبيا وعقليا وقانونيا توجب دينيا رفض المطاعيم، أو تجعلها مكروهة أو مباحة، وكذلك "لا ضرر ولا ضرار"، ورمي النفس في التهلكة حرام، وإلزامية المطاعيم الضارة أو التي فيها مخاطرة أو التي لم يثبت نفعها؛ تسبب إثما بحق النفس أو الغير، فكيف أقرر؟
..الخلاصة
أرى شخصيا بأن حجج الموافقين والمعارضين المذكورة طبيا وعقليا وقانونيا ودينيا كلها حجج محترمة ومعتبرة، ولا تملك أي جهة إثباتات وحقائق طبية تنقض أيا ممن يفرض المطاعيم أو يرفضها، فهي كلها اجتهادات علمية نظرية وتطبيقية ممكنة الحدوث.
وما دام الأمر كذلك فهي قرار شخصي لكل منا، ومن باب "استفت قلبك"، ولا يلزم أحدنا الآخرين به ولا يهاجمهم ولا يسخر منهم ولا يؤثمهم ولا يدّعي عصمة أو وصية على الحقيقة. خاصة في ضوء حقائق وتجارب كثيرة للبشرية تثبت كافة الاجتهادات، لا سيما في ظروف ظاهرة كارثية وضبابية وجديدة في تاريخ البشرية. وفي ضوء حكومات غير رشيدة واستغلال بشع من حيتان العالم لكوارث وتعمير وتدمير البشر.
وقراري الشخصي هو أخذ المطاعيم ترجيحا لحجج الموافقين لها، وأمري إلى الله وخطيتي في رقبة الجهات المختصة والحكومة، فشخصيا لا أؤمن بعقلية التواطؤ الكامل للمختصين والمسؤولين والحكومات، ولا بعقلية المؤامرة، وإن كانت المؤامرات والأجندات موجودة، وآخذ بنصيحة جماعية لمؤسسات طبية مختصة، وأرفض أخذ مخاطرة نصيحة آراء فردية.. خاصة إن لم يكن أصحابها من أهل اختصاص مشهور وطويل وعميق وبدون جروح في كفاءتهم وأمانتهم العلمية الدقيقة، وشخصيا ألتزم بقرارات حكومة البلد التي أعيش فيها، ولا أرفضها ما لم يثبت عندي ضررها أو عدم انضباطها.
وفي التاريخ والواقع، فإننا لن نعلم ولن ننهض أو ننتصر في أي معركة أو ضد كورونا إلا إذا غامرنا مغامرة محسوبة، ومنها أن نجرب المطاعيم بكثافة عالية، وهكذا يفعل كل منا عندما يذهب إلى أي طبيب ويسلمه نفسه للجراحة أو يشرب الدواء، هل أي منا متأكد من نجاعة العملية أو الدواء الذي يشربه؟. أم أنه يسلم حياته وصحته لطبيب يثق بعلمه وخبرته وأمانته؟ أعلم أن هذه المواصفات مشكوك فيها لدى كثيرين في حكوماتنا ومن حيتان العالم.
ولكن دعونا نمنح بعض الثقة للمؤسسات الطبية والمختصين والأطباء الكثيرين الذين يوافقون على أخذ المطاعيم، ومنهم ابني إبراهيم الطبيب والنائب في مجلس نواب ولاية فرجينيا الأميركية، الذي أخذ مطعوم كورونا بصحبة كثير من الكوادر الطبية في الولاية ذات 10 ملايين وبدون ضجيج كبير منهم، حماه الله وحمانا أجمعين.. اعقلوها وتوكلوا على الله.
الجزيرة نت
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 23/12/2020
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : صبري سميرة
المصدر : www.elhayatalarabiya.com