الجزائر

مضيفو الطائرات في مواجهة الأمراض والمخاطر والحرمان من العائلة لقمة العيش معلقـة بــــين السمـــــاء والأرض



لاتزال تداعيات تورط زملائهم في قضية تهريب الكوكايين تلقي بظلالها، وتصنفهم في خانة ''البزناسية'' وتجار الربح السريع. حاولنا من خلال هذه الصفحة إماطة اللثام على حقيقة مهنة مضيفي الطائرات المحفوفة بالمخاطر، والتي يدفعون ثمنها مرضا وحرمانا من أحضان العائلة.

من نتائج المفاوضات بين النقابة وإدارة الشركة
توظيف 250 مضيف جديد للتقليل من الضغط

 كشف مدير العمليات بشركة الخطوط الجوية الجزائرية، محمد شارف، لـ''الخبر'' عن انتهاء المفاوضات بين المؤسسة ونقابة المضيفين، في آجال لن تتجاوز ثلاثة أشهر، حيث ستتوج ببروتوكول اتفاق لإعادة النظر في مهنة المضيفين، وضبط مواقيت العمل، ومن ثمة ''سيستفيد المضيف من كامل حقوقه، وسيكون للإدارة حق المحاسبة أيضا''.
تأتي هذه المستجدات تتويجا للحوار الذي فتحته إدارة الجوية بعد آخر إضراب شنه المضيفون. وحسب مدير العمليات فإن الشركة مقبلة على تحدي واسع، للقضاء نهائيا على مشكل تأخر الرحلات، سينطلق من إعادة النظر في وضعية 850 مضيف، بتدعيمهم بـ250 مضيف جديد بعد اجتيازهم للمسابقة مؤخرا، على أن يلتحقوا بالمؤسسة بعد تكوين لمدة ثلاثة أشهر. كما ستسمح الإجراءات الجديدة بتطبيق المرسوم رقم 140/10 الذي ينظم العمل، ومن ثمة سيتمكن كل مضيف من العمل في راحة أكثر، لأن القانون سيضبط رزنامة العمل، ولن يسمح بأي تجاوز أو غياب إلا بمبرر مقنع. معترفا بوجود إشكالية تفاوت ساعات العمل بين مضيف وآخر، والسبب مرده إلى العطل المرضية غير المحدودة، وحجج مختلفة لأشخاص معينين. وهنا تجد الإدارة، يضيف السيد شارف، نفسها مجبرة على الاستنجاد بآخرين أثبتوا التزامهم، ووضعوا مصلحة الركاب نصب أعينهم، منها مثلا ما يخص الرحلات نحو الدول الإفريقية، التي تلقى رفضا من البعض، بحكم أن المعنيين مجبرين على القيام بإجراءات طبية للوقاية من المرض وغيرها، وهنا يحدث الخلل للبرنامج في كل شهر. ووفق الإجراءات الجديدة، حسبه، ستُزاح هذه العراقيل، ويطبق مبدأ ''المساواة'' في العمل والعطل، على حد سواء.
كما سيستفيد المعنيون، حسب ما أدلت به المسؤولة على المضيفين بالجوية آسيا كابوية، من خدمات القاعة الجديدة بالمطار في الآجال القريبة، التي جهزت بمختلف الهياكل، بما في ذلك قاعة للاستراحة. وهي واحدة من المطالب التي طرحها المضيفون، كونهم ينتظرون الآن في مكان غير مجهز، ويفتقد لأدنى الشروط الضرورية لذلك. كما سيكثف التكوين الذي يستفيد منه المضيفون كل سنة لرفع مستوى الخدمات. في الوقت الذي أقرت أن الوضعية المادية مريحة حاليا، لأن الأجر العام يجمع الأجر القاعدي ومجموعة من المنح، بالإضافة إلى استلام كل مضيف شهريا لمبلغ 200 أورو، حتى وإن قام برحلة دولية واحدة، على أن يستفيد من تعويض في حالة ما إذا أكد التقرير الطبي السنوي إصابته بمرض يمنع استمرار عمله. وهنا أشار مدير العمليات إلى أنه سابقا كان الممنوعون من العمل يحالون إلى مناصب إدارية، إلا أن إدارة المؤسسة بدأت تفكر في إلغاء هذا الإجراء، لعدم وجود مناصب شاغرة لهم، والاكتفاء بالتعويض الذي قال إنه ''معتبر''.

شاهد من أهلها
رئيس نقابة المضيفين ياسين حماموش
''50 مرضا يترصد مضيفي الطيران''

تمكنتم خلال إضراب جويلية الماضي من شل المطارات الوطنية، وإلغاء كل الرحلات تقريبا، هل هذا يؤكد أنكم جزء مهم بطاقم الطائرة؟
- أكيد، لأن مهمتنا ليست في منح الوجبات كما يعتقد البعض، وإنما في حماية المسافرين، والتكفل بانشغالاتهم وضمان الأمن والسلامة داخل الطائرة، طيلة الرحلة دون كلل أوملل.
مع ذلك لم تفتكوا الزيادات التي كنتم تطالبون بها؟
- نحن لم نقدم على الإضراب من أجل الزيادة في الأجور فحسب، وإنما كانت أسباب أخرى تتعلق بالوضع العام للعمل الذي يحتاج إلى مراجعة جذرية. وموافقتنا على نسبة الزيادة جاءت بناء على تدخل من الرئيس المدير العام، الذي عرض الوضعية المالية للشركة التي لا تسمح بالزيادات المقترحة، ونحن أبناء المؤسسة، ومثلما تحملنا الصعوبات التي واجهتنا في الماضي، نحن مستعدون للتحمل الآن، شريطة أن تجسد وعود الإصلاحات.
ماهي العراقيل الأخرى التي تقول إنها كانت أيضا سببا في انتفاضتكم؟
- ظروف العمل الحالية غير ملائمة، أهمها التعديلات التي تطرأ على برنامج الرحلات شهريا، وهو ما تسببب في اللامساواة، بين المضيفين أنفسه،م فتجد منهم من يعمل 60 ساعة في الأسبوع، في حين يعمل آخرون أكثر من 100 ساعة، وطيلة أيام الأسبوع دون الاستفادة من العطلة الأسبوعية.
يحملونكم جزءا من تأخر الرحلات التي أصبحت ميزة لرحلات الجوية الجزائرية كونكم لا تصلون في الوقت اللازم؟
- قبل أن نتحمل هذا، يجب أن يعرف الجميع ظروف التحاقنا بالمطارات، فسيارات المؤسسة التي تقلنا، تنتقل لأكثر من عامل، كل حسب المنطقة التي يقيم فيها، وأحيانا تتأخر عن الوقت المتفق عليه ونحن عند وصولنا نكون أول من يلتحق بالطائرة لتفقد كل صغيرة وكبيرة بها، ولهذا على الإدارة التفكير جليا في مراجعة الوضعية العامة، ومن ثمة لها كل الحق في محاسبتنا.
على ذكر المحاسبة، قضية مهربي الكوكايين التي تورط فيها زملاؤكم رمت بظلالها، وجعلتكم جميعا في قفص الاتهام، ما قولك؟
- ينبغي أن نفرق بين شخص وآخر، لأن لكل واحد شخصيته وتربيته وطريقة تفكيره، هناك الكثير منا ظروفه العائلية حرجة، ولجأ للاستئجار لإكمال نصف دينه، وجاءته أكثر من فرصة ''للبزنسة'' كما يسمونها، ولم يفعلوا ذلك، وهو ما يؤكد أن حالات المتورطين معزولة. وتتحمل الإدارة جزءا من المسؤولية، لأن القانون يقر بأن كل مضيف يعمل بالدول الإفريقية ثلاثة أشهر، إلا أنهم تجاوزوا هذه المدة بكثير، وهو ما جعلهم يحتكون بعصابات التهريب .
ما هي أكثـر الأمراض التي يتعرض لها مضيفو الطائرة؟
- المضيف معرض لحوالي 50 مرضا، أهمها الضغط، الدوالي، نقص النظر والسمع، أمراض المعدة..

بورتري
كريم أوراد يختصر 12 سنة كمضيف
''لن أنسى يوم أنقذت مسافرا مسنا من الموت''
 ''لن أنسى أنني أنقذت مسنا من الموت''، بهذه العبارة بدأ كريم أوراد، صاحب الأربعين ربيعا، سرد تجربته في مهنته كمضيف، مؤكدا، من خلالها، أن للمضيف دورا مهما جدا، ليس في تقديم الوجبات للمسافرين، مثلما يسميه البعض بـ''قهواجي السماء''، وإنما حمايتهم من أي مخاطر تترصدهم طيلة الرحلة.
بدأ كريم عمله كمضيف في سنة 1999 لحبه الشديد لهذه المهنة وشغفه بالسفر والترحال، كانت بدايته مع شركة طيران خاصة، ليتنقل في 2004 إلى شركة الخطوط الجوية الجزائرية. يقول إن مهنة المضيف تكسر الروتين، وتجعل الحياة في تجدد مستمر، رغم متاعبها وصعوباتها، لأنها تتطلب تضحيات واسعة، فهو اليوم رب لعائلة وأب لطفل، يقول إنه لم يعش معه أحلى مراحل الصغر مثل باقي الآباء، وزوجة تتحمل بعده وتنوب عنه في المناسبات والجنائز التي قلما يحضرها لعدم تواجده بأرض الوطن، وتراعي حالته النفسية بعد كل رحلة، حيث يجد نفسه لا يقوى على الحديث مع أحد، معربا عن اشتياقه لمشاركته أسرته المواسم والأعياد. وهنا ذكر شهر رمضان، الذي كثيرا ما يكون فيه مسافرا، ويجد نفسه مجبرا على الإفطار، لأن القانون والشرع يحثان على ذلك.
يعود كريم لأهم محطات حياته المهنية، فيقول إنه لا يستطيع أن ينسى يوم 4 أكتوبر 2004 عندما صعد إلى الطائرة مع باقي طاقمها كالعادة، وبعد إقلاعها باتجاه مطار جدة لنقل المعتمرين، تفاجأ بإصابة مسن في الـ83 من عمره بنوبة قلبية، فقام رفقة زميله بتقديم الإسعافات الأولية، قبل أن يحضر الطبيب الذي كان في الصفوف الأولى، يقول يومها بكى الطبيب لأن الحالة كانت أقرب للموت، ومع ذلك وبخبرتهم وحرصهم على حياة الركاب استطاعوا إنقاذه، ووصل سالما إلى المملكة، واعتمر وعاد بعدها إلى أرض الوطن. تجربة كانت، حسبه، كفيلة بأن يتعلم منها دروسا وعبر، وحملته مسؤولية مضاعفة على حياة المسافرين، وهم لا يتوانون في تقديم أي مساعدة لحمايتهم من أي مخاطر، وهو ما يفعلونه اليوم، خاصة وأن هناك حالات يومية وكثيرة لمسافرين مصابين بفوبيا الطائرة، وهنا على المضيف بذل ما بوسعه ليستعيد، خلاله، ما تلقاه من تكوين لمساعدة الآخرين، لتهدئتهم، لأن هناك حالات، حسبه، تستدعي أن يبقى المضيف ممسكا بيد مثل هذه الحالات طيلة فترة السفر، وهو ليس بالأمر الهين.

كيفية الالتحاق بسلك المضيفين
 تنطلق عملية اختيار مضيفي الطيران، حسب مسؤول التكوين بالجوية الجزائرية، توفيق علال، من الإعلان عن المسابقة التي تشترط سنا لا يتجاوز 26 سنة للذكور و24 للإناث، وبكالوريا مع سنتين دراسة، والتمكن، على الأقل، من التكلم بلغتين. كما تحدد اللجنة المشرفة على المسابقة شروطا أخرى تتعلق بطول ووزن المترشح وإتقان السباحة.
بعد النجاح في الامتحان الكتابي، يتم اختبار المترشح في قدرته على السباحة، وهنا وضعت شروط محددة من قبل مديرية الطيران المدني، حسب المتحدث، وهي التمكن من قطع مسافة 50 مترا في ظرف دقيقتين، يجري بعدها فحصا طبيا للتأكد من سلامته من أي مرض، تنطلق بعدها مرحلة التكوين في مركزي الشركة بمطار هواري بومدين وبفاريدي، تبدأ عملية التكوين بالتعرف على المهنة بكل تفاصيلها، ومن ثمة تقدم دروس لتعلم الإسعافات الأولية التي يشرف عليها طبيب مختص، بجانبين نظري وتطبيقي، يليه تكوين في الأمن، سواء في السباحة لكيفية إنقاذ الغرقى، أو في إخماد النار في حالة نشوب حريق، وغيرها من الإجراءات الأمنية.
وبعد استكمال هذه المرحلة، ذكر مدير التكوين أن مديرية الطيران المدني تشرف على الامتحان النهائي، الذي يؤهل الناجحين للانتقال إلى مرحلة جديدة وهي الاختصاص، يتدرب خلالها المتربص على العمل في مختلف أنواع وأحجام الطائرات، يتوج بعدها بامتحان ثان تشرف عليه نفس المديرية، بعدها تسلم للناجحين ''رخصة متربص'' لمجموع رحلات بـ60 ساعة، يرافق خلالها المعنيين مراقبون لتقديم تقرير بعد نهاية هذه المدة، إذا نجح يستلم رخصة نهائية، وإذا أخفق يعاد للتكوين مرة أخرى. ويبقى المضيف طيلة فترة عمله، يضيف محدثنا، يخضع لتكوين سنوي، يضاف إلى ''كتاب الأمن والإنقاذ''، الذي يستلمه بمجرد استلام مهامه للعودة عليه في حالة النسيان، كما نوه ذات المتحدث بكيفية عمل المضيفين الذين يلتحقون عادة بالطائرة بساعة ونصف قبل إقلاعها، يراقبون الأضواء، الأمن، الأكسجين، ويملأ المضيف في كل رحلة استمارة يدون فيها النقائص المسجلة أثناء مراقبته للطائرة.  




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)