تعتبر مصنفات النوازل أو الفتاوى اليوم، من أهم المصادر التي يعتمد عليها الباحثون في كتابة التاريخ الإسلامي الوسيط، لاسيما منه التاريخ الاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي. ولقد كانت هذه المصنفات إلى عهد غير بعيد تعد كتبا فقهية صرفة قلما يلتفت إليها المؤرخون ، إلا أن الحاجة إلى مصادر بديلة غير المصادر المتعارف عليها من مؤلفات تاريخية وجغرافية وأدبية في كتابة التاريخ هو الذي أملى هذا الاختيار.
إن الرعيل الأول من مؤرخي التاريخ الإسلامي الوسيط من العرب والمسلمين، اهتموا بالتاريخ السياسي والعسكري في المقام الأول، وعادة ما كانوا في موقع الدفاع عن النفس، أو رد الفعل على ما خلفته مدرسة الإستشراق من رؤى وطروح تتعلق بتاريخ وحضارة العالم الإسلامي. ولما تم تغطية أغلب القضايا السياسية والعسكرية، أصبح من الضرورة التطلع إلى دراسة التاريخ الاقتصادي الاجتماعي ـ خصوصا وأن هذا الأمر كان اتجاها عاما ـ ومن هنا برزت الحاجة الماسة إلى ضرورة التنقيب عن مصادر جديدة لتغطية هذا الحقل من الدراسات، ومنذ ذلك الوقت بدأ الاهتمام بكتب النوازل من قبل المؤرخين، وتزايد الاهتمام بها تحقيقا واستغلالا.
تحمل النوازل تعاريف عديدة، وهي في الجملة القضايا والحوادث التي تطرح على الفقهاء طلبا للفتوى، وذلك طبقا للفقه الإسلامي.(1) والعلم الذي يعنى بها يدعى فقه النوازل، وله مصطلحات أخرى مثل فقه الواقع، وفقه المقاصد، وفقه الأولويات، وفقه الموازنات.
وتكمن أهمية كتب النوازل في ما تتضمنه من معلومات دقيقة عن الحياة اليومية للمجتمعات الإسلامية، فهي تنقل صورا عن العلاقات الأسرية من زواج وطلاق وميراث، ومختلف العلاقات الاجتماعية، والحياة داخل الأسواق، وعلاقات العمل، وأعمال التكافل الاجتماعي من بر وصدقات ووقف، والنسيج العمراني، و النشاط الزراعي والحرفي والتجاري، والنشاط المذهبي، وأصحاب البدع والأهواء، والمعارك العسكرية وساحات القتال، والأوبئة والأمراض، ومواسم الجفاف، والفيضانات، وغير ذلك من مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/09/2021
مضاف من طرف : einstein
صاحب المقال : - عبيد بوداود
المصدر : مجلة المواقف Volume 1, Numéro 1, Pages 127-134