الجزائر

مصائب ''الجلد المنفوخ''


حزنت كثيرا لما حدث مؤخرا في الملاعب الجزائرية من عنف وتخريب بسبب جلد منفوخ، ولكن حزني كان أشد مرارة لمّا سمعت تصريحات المسؤول الأول عن الرياضة في البلاد، بعد أيام عن هذه الكارثة، حيث لم يجد السيد الوزير من مبررات ودفوع سوى أن يقول لنا إن العنف أصبح ظاهرة عالمية ليست حكرا على الجزائر وحدها، مستشهدا على ذلك بما حدث في الأشهر القليلة الماضية بمدينة بور سعيد المصرية.إن صدور تصريح كهذا من أعلى سلطة في تسيير المجال الرياضي، لعمري هو بمثابة تشجيع ضمني على مواصلة العنف واعتماد منطق الفوضى، ذلك أننا لسنا الوحيدين في هذا العالم الذي يدخل فيه المناصرون إلى ملاعب كرة القدم، ليشرعوا في عمليات تخريب واعتداءات، مدججين بالخناجر والسواطير والآلات الحادة، وكأننا في مسالخ أو مذابح، وليس في فضاء للفرجة والمتعة والمنافسة، فقد سبقنا إلى ذلك أنصار أرض الكنانة.
ومهما يكن، فإن تحليل السيد جيّار لا يصنع الاستثناء، فقد ألف مسؤولونا التقليل من حجم المصائب وهول النكبات التي أصبحت قدرنا المحتوم وديكور حياتنا العام، شعارهم في ذلك الآية الكريمة ''إذا أصابكم قرح فقد أصاب القوم قرحٌ مثله''، ومنفذهم للتهرّب من أي مسؤولية وفق قاعدة، ''إذا عمّت خفت''، ولذلك تجدهم عند حدوث أي مصيبة أو حلول أي طامة يبحثون عن استنساخ حادثة مشابهة وقعت في أي بقعة من هذا العالم في أي حقبة من الزمن، بدل التمعّن في أسبابها والبحث عن حلول جذرية لها، ومثال ذلك ما حفظناه عن ظهر قلب من تبريرات حول ظاهرة الإرهاب التي لم تكن برأي من يتقلدون أمورنا ماركة مسجلة من صُنعنا، بل هي واقع عانت منه مختلف البلدان والأجناس، ونفس الأمر ينطبق على ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والعقارات، وضحايا سوء الأحوال الجوية، وحوادث الطرقات، وفضائح الاختلاسات المالية، والفساد السياسي، وانتشار الرشوة وغيرها من المصائب التي لا تعد ولا تحصى.
إن الأخطر في الأمر كله، برأيي، هو أن الكرة، التي هي في الأصل وسيلة تواصل ومحبة بين الشعوب، تحولت مؤخرا إلى مصدر ضغينة وحقد ونزيف دماء بين أبناء الوطن الواحد، والدين الواحد، ليس داخل الملاعب فقط، ولكن حتى في مجرى الحياة اليومية بين سكان ولايات متعددة يتعصب سكانها لفريقهم حد استعمال السلاح وسفك الدماء والمقاطعة إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
كل هذه الأشياء باتت تحدث في ملاعبنا بالرغم من أن مستوى بطولتنا ولاعبينا لا يشجع حتى على متابعة مباراة أمام شاشة التلفزيون، فما بالك تكلّف مشقة التنقل إلى الملعب وقطع تذكرة لمعاينة شجارات واعتداءات وتخريب بدل تمتيع النظر بعروض كروية وفنيات فردية، مثلما كان حال ملاعبنا أيام هزمنا الألمان وأسلنا العرق البارد للبرازيل. وعليه، ألا يمكن التفكير جديا في توقيف هذه اللعبة نهائيا، وهكذا ''يتهنى الفرطاس من حك الرّاس''، خاصة وأن فريقنا الوطني كله مستورد من بطولات تنشط خارج الوطن. المؤكد أن هذه رغبة بعض من يتألمون لما يحدث، لكن عمليا هذا أمر مستحيل، لأن السلطة تعلم جيدا أن الملاعب هي المنفذ الرئيسي للشباب حتى يتسنّى لهم ''فش'' غلهم وتنفيس كروبهم وتجنب فعل ذلك في الشوارع.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)