الجزائر

مشروع قسنطينة بحلية جديدة



وأفاق الملك الصغير من سباته العميق. أفاق في فزع رهيب وقد تناثرت الأوراق من يده. فلم يجد غير التشبث بفكرته البالية، فكرة ''الحكم الذاتي'' التي اقترحتها فرنسا على الأهالي، عفوا اقترحها جلالة الملك على الصحراويين... فأبوا أن يأخذوها. فكان الملك جهولا كفورا، لأنه لم يع الدرس ولم يقرأ في ورقات التاريخ. أمام الضغط الدولي الرهيب، ولما رأى أحلامه تتبخر وتتلاشى مع سقوط ورقة سلمى التي كانت تمثل الغصن الذي يمسك به الغريق في آخر محاولة قبل السقوط. لم يبق غير ''الحكم الذاتي'' الذي يمثل الطبعة طبقا للأصل لمشروع قسنطينة، الذي جاء به الجنرال ديغول في الأيام الأخيرة لنفس الأغراض، في سعيه لنسف المفاوضات مع الخصم. لكن الملك محمد السادس كان يظن نفسه أذكى من الجنرال؛ إذ قفز على الرقاب بالتهجم على الجزائر. حاول إحياء ''المسيرة الخضراء''، التي بادر بها والده في 1975 باحتلال الصحراء العربية بعدما غادرها الإسبان. فنعت الجزائر بشتى أسماء العصافير ووجه التهم. وصرخ وقام بحركات لحشد الرأي العام في محاولة يائسة. حدث الانفعال هذا عشية بدء التفاوض غير المباشر مع جبهة البوليزاريو في نيويورك، في محاولة سبق الأحداث بتوجيه اللوم إلى الجارة الجزائر التي قد تكون شوّشت عليه في لعبة القط والفأر، حسب التهم الضخمة الموجهة إليها. وجاءت هستيريا الملك أيضا بعد زيارة المبعوث الأمريكي روش إلى المنطقة، والتنديدات الدولية لما يحدث من اعتداءات على الحريات في الأراضي المحتلة. وجاءت مع النزوح من المخيمات المحاصرة.. وجاءت بعدما قامت امرأة ضعيفة بإضراب عن الطعام في مطار إسباني عرّت من خلاله النظام المغربي وأخرجت القضية الصحراوية ببشاعتها أمام أعين أولئك الذين نسوا أو يرفضون مشاهدة الوضع الصحراوي. قضية الصحراء الغربية ليست قضية جزائرية ـ مغربية بقدر ما هي قضية استعمار. وبالمناسبة، لماذا لا ينظر الملك فوق رأسه، في مليلية مثلا، أين قام مواطنون مغربيون باحتجاجات نهاية الأسبوع الماضي وقُمعوا، ولم تصدر الشتائم ولا التهجم السافر على الإسبان الذين يحتلون المكان. إن الجزائر التي اكتوت بنار الاستعمار وعاشت العبودية تتبنى القضايا العادلة أينما كانت. فاحتضان مخيمات اللاجئين على أراضيها ليس بكثير. ويشهد العالم على ذلك، بل يثني عليه. لأنه لا يمكن أن نقبل لغيرنا ما قاومناه أمس بأيدينا ودمِنا. نسخة للطباعة


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)