الجزائر

مشروع الدستور الجديد يقترب من الحسم


دخل مشروع تعديل الدستور مرحلة الحسم التي ستتم بيد الشعب الجزائري صاحب القرار الأخير، وذلك بعد تزكيته من قبل نواب المجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس الأمة، حيث ينتظر أن تنطلق حملة التحسيس والتعبئة الشعبية من أجل تبني هذا المشروع، تزامنا مع استدعاء رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون للهيئة الناخبة، والمحددة ب45 يوما قبل تاريخ الاستفتاء المقرر يوم الفاتح نوفمبر المقبل، ليفسح المجال لعملية الشرح والتعريف بأهم بنوده من خلال تنظيم ندوات وموائد مستديرة ولقاءات إعلامية، وفقا لما أعلن عنه وزير الاتصال، الناطق الرسمي للحكومة، وكل الآمال والجهود معلقة على كسب ثقة الشعب لافتكاك الضوء الأخضر من أجل المضي في بناء الجزائر الجديدة التي يراد لها أن تكون دولة عصرية، ديمقراطية واجتماعية تحقق تطلعات الشعب المعبر عنها في هبته التاريخية ليوم 22 فيفري 2019.فبعد نقاش واسع وشامل أشرفت عليه لجنة الخبراء المكلفة بتعديل الدستور برئاسة البروفيسور أحمد لعرابة، حيث كانت الاقتراحات تفاعلية مع النسخة الأولية للمسودة التي حققت سبقا لم تشهده التعديلات السابقة، إذ بلع سقفها حسب الوزير الأول 5018 اقتراحا تقدمت به 590 منظمة وشخصية، وفتحت على إثرها ورشات لتنقيح تلك الاقتراحات وضبطها في نسخة أولية قبل إنزال المسودة للشعب في الاستفتاء الدستوري المقرر يوم الفاتح نوفمبر القادم.
تزكية البرلمان بدون تعديل تعزيزا لمبدأ التوافق
تحقق عملية تمرير النسخة الخاصة بالدستور عبر البرلمان أمرين أساسيين، يرتبط الأول، بضمان أكبر قدر من الاستشارة باعتبار أن نواب المجلس الشعبي الوطني وأعضاء مجلس الأمة، يمثلون عدة فئات من الشعب ويتمتعون بحق المشاركة في التشريع والاستشارة. أما الأمر الثاني، فيعكس الحرص على عدم إغفال المواقف الرافضة لمنح البرلمان الحق المطلق في إقرار الصيغة النهائية لهذا المشروع الهام، من خلال تمكينه من سلطة التعديل أو التدخل في مسودة الدستور المجسدة لتطلعات الشعب الذي لا تعلو فوقه أي سلطة، ما يمكن اعتباره مبررا لاعتماد صيغة "التصويت والمناقشة المحدودة" التي تنص عليها المادتان 36 و37 من القانون العضوي الخاص بعمل المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة وعلاقتهما بالحكومة، وهي المواد التي لا تسمح للنواب بمناقشة المشروع في جلسة عامة وإنما تحصرها في اللجنة المختصة (لجنة الشؤون القانونية والإدارية والحريات).
وما يجسد هذا التوجه هو أن اعتماد صيغة "التصويت والمناقشة المحدودة" كان من قبل الحكومة وليس البرلمان، وفي ذلك رسالة سياسية مفادها أن السلطات العليا في البلاد، تكون قد حرصت على عدم ترك المجال للبرلمان "المرفوض من قبل الحراك" بأن يتدخل في إعداد مسودة الدستور الجديد الهادف في ذاته إلى تلبية مطالب الحراك وإقرار التغيير المنشود.
تعديلات تعزز إقامة دولة عصرية ديمقراطية واجتماعية
على العموم، لم تبتعد الاقتراحات والتعديلات التي تم التطرق إليها خلال جلستي مناقشة مشروع التعديل الدستوري داخل اللجان المختصة بغرفتي البرلمان، عن الاقتراحات التي تضمنتها النسخة الأولية، إذ راعت مبدأ تكريس الحكم الراشد ودحر الفساد، حيث تحقق التوافق على نقاط جوهرية، أهمها ضمان الاستقلالية الكاملة للسلطات الثلاث، مع عقلنة الصلاحيات التي يحظى بها رئيس الجمهورية، وتعزيز استقلالية السلطة القضائية، بضمان تركيبة تضم القضاة فقط في المجلس الأعلى للقضاء، بعد الاستغناء عن نواب البرلمان، فضلا عن استخلاف المجلس الدستوري بمحكمة دستورية تكون لها صلاحيات النظر في دستورية القوانين والمعاهدات والاتفاقيات، مع التحكيم بين السلطات الثلاث. أما بالنسبة للسلطة التشريعية، فقد استرجعت هي الأخرى حقوقها في مجال مساءلة الحكومة وإمكانية سحب الثقة منها مع تمكين الأغلبية البرلمانية من رئاسة الحكومة.
ووضع النص الجديد أيضا حدا لظاهرة البقاء في المناصب، حيث كرس مبدأ التداول على السلطة من خلال إقرار المشرع لعهدتين فقط بالمجالس المنتخبة، ونفس التعديل اعتمد على مستوى السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات والمحكمة الدستورية، حيث برر المشرع ذلك بفسح المجال للطاقات الشابة بتقلد المناصب واكتساب خبرة عبر الممارسة الميدانية. كما راعت المسودة معالجة بعض الظواهر السلبية التي كانت لصيقة بالبرلمان على غرار التجوال السياسي، حيث يحرم من يقوم بتغيير حزبه من عهدته الانتخابية، في حين يحتفظ بها من يقدم استقالته من الحزب ويصبح بدون انتماء سياسي.
كما تخلت المسودة على منصب نائب رئيس الجمهورية، بعد ورود اقتراحات تفيد بأن تسليم الحكم لشخص غير منتخب في حالة شغور منصب الرئيس هو أمر يتنافى وفحوى المادتين 7 و8 من الدستور الحالي، المكرستين لإرادة الشعب ولسيادته، كون العهدة "شعبية" ولا يمكن أن تؤول إلى شخص معين بأي حال من الأحوال، فضلا عن توسيع مجال الحقوق والحريات في تشكيل الجمعيات والأحزاب والنقابات والصحف عبر الاكتفاء بالتصريح والتحييد التام للإدارة من خلال تمكين القضاء وحده من توقيف النشريات وحل الأحزاب والجمعيات، بموجب حكم قضائي نهائي.
كما تتضمن المسودة عدة تعديلات ومقترحات هامة متنوعة، كتوسيع عدد المجالس الاستشارية وضمان حرية المعتقد وتحصين ثوابت الهوية الوطنية وتمكين الجيش الوطني الشعبي من المساهمة في مهام حفظ السلام، فضلا عن توسيع المجالس الاستشارية باستحداث مجالس جديدة فرضتها التحولات، كالمرصد الوطني للمجتمع المدني والهيئة الوطنية للشفافية ومكافحة الفساد، مع منح صلاحيات أكبر لمجلس المحاسبة والأخذ بتقاريره.
انطلاق التعبئة الشعبية يوم 16 سبتمبر الجاري
تعد الحملة التحسيسية لمشروع الدستور، أولى الخطوات المقرر الانطلاق فيها قبل موعد الحسم الشعبي، حيث من المقرر أن تبدأ بعد غد 16 سبتمبر الجاري، بعقد موائد مستديرة على مستوى وسائل الإعلام لتوسع بعد ذلك، حسبما كشف عنه وزير الاتصال، الناطق الرسمي للحكومة، عمار بلحيمر، إلى التحضير لعقد ندوات ولقاءات جوارية وطنية ترمي جلها لشرح مضامين المسودة وما ستحققه من إضافة ونقلة نوعية في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، مع إبراز الفرص التي تفتحها التعديلات الجديدة التي أدرجت على الدستور الجزائري، لصالح الإطارات والشباب والمرأة في كنف دولة اجتماعية تراعي حقوق الفئات الهشة وتحرص على تلبية مطالبها الأساسية في التنمية والاستقرار والازدهار. وعمليا، تنطلق الحملة التحسيسية لمشروع تعديل الدستور بعد قيام رئيس الجمهورية باستدعاء الهيئة الناخبة، والتي تكون 45 يوما قبل تاريخ إجراء الاستفتاء المبرمج يوم أول نوفمبر القادم، المصادف لعيد الثورة، حيث ستكون هذه الندوات والموائد المستديرة حول المشروع، موجهة لعموم الجزائريين، للاطلاع أكثر عن مضمون الدستور الجديد المدعوين للفصل فيه.
وعلى العموم، ستعود الكلمة النهائية للشعب صاحب السيادة والسلطة الفعلية في قول كلمته إزاء المسودة الدستورية التي راعت حصة الأسد من تطلعاته المعبر عنها في حراكه الشعبي المبارك الذي انطلق يوم 22 فيفري 2019 من أجل التغيير الشامل، وهي التطلعات التي تتطلب إطارا قانونيا عاما لتجسيدها وتلبيتها، تنبثق عنه لاحقا قوانين عضوية لترجمة كل التحولات التي سترافق مرحلة البناء التي ستقبل عليها الجزائر.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)