الجزائر

مشاهد حية في ذاكرة الجزائريين



مشاهد حية في ذاكرة الجزائريين
أفنى المخرج المرحوم حاج رحيم حياته في خدمة قطاع السمعي البصري... التلفزيون والسينما، بشغف مذهل، مافتئ يضفي عليه ذلك الطابع الإبداعي، الذي يراه دائما بأن له تلك الصلة العضوية بما يعرف اتجاه «الواقعية».لقد دخل هذا العالم وهو شاب يافع، يظهر ذلك في ملامحه عبر حصصه الشهيرة، الكاميرا الخفية، يعد تلك المقالب ويتحاور مع الناس الذين يتفاعلون معه بشكل صادق، دون أي تجاوزات تذكر، أو إلحاق الضرر النفسي بالأشخاص، كما هو معمول به اليوم، للأسف.وعلى الرغم من تلك الصورة، بالأبيض والأسود، إلا أن مشاهدتها لا تبعث على الكلل أبدا، بل أن الطريقة المتبعة في المعالجة، أضفت ذلك النسق بين الصورة والصوت، لتصل إلى المشاهد في بنائها المتكامل، وهذا بإمكانات ضعيفة جدا، كل شيء منفصل، بين ملتقط المشهد ومسجل للصوت، ليحدث فيما بعد ما يعرف بالمزج... هذه ظروف صعبة ومعقدة في العمل، غير أن إرادة حاج رحيم جعلته يتحدى هذه الأوضاع المادية، ليرقى بالرسالة إلى مقام آخر، في ترجمة الواقع الاجتماعي للجزائريين آنذاك.بقي هذا العمل راسخا في أذهان الجزائريين، وكل ما ذكرت الكاميرا الخفية إلا ويتبادر إلى ذاكرة الناس إسم الحاج رحيم، نظرا لما قدمه، وبإيمان عميق للنشاط الذي ينجزه لصالح السمعي البصري في الجزائر، وبالأخص أرشفة تلك الفترة، وهي مرحلة السبعينيات من القرن الماضي.واجتهد الحاج رحيم، قدر الإمكان، في ترقية هذا القطاع من خلال حضوره القوي كمخرج مبدع في الأحداث الكبرى التي عاشتها الجزائر، تاركا بصماته الواضحة في الحصص، المنوعات، الأشرطة والأفلام وغيرها من الأنواع في هذا الاختصاص، إلى جانب مصطفى بديع، بشير بلحاج، بن اعمر بختي، عمار تريباش، عمار العسكري، أحمد راشدي، لخضر حمينا وسليم رياض وغيرهم... ممن أبدعوا في أعمالهم في السمعي البصري.كان للحاج رحيم مكانة مرموقة في هذا الوسط الفني المبني على المنافسة الشريفة والحادة في آن واحد، عندما كانت الدولة بحوزتها ال «كاييك»، المركز الجزائري لصناعة السينما وغيره من الآليات الأخرى الحاملة لمشروع وطني، لإبراز صورة هذا البلد إلى الخارج.الفقيد الحاج رحيم، تقاعد مبكرا وهو في عز عطائه وفجأة توارى عن الأنظار واختفى عن الساحة، ما عدا بعد الإطلالات النادرة، جلّها مصادفات بالأحياء الرئيسية بالعاصمة، رفقة أصدقائه الذين رافقوه في مسيرته المهنية، وإن كانت له بعض المبادرات فيما بعد فإنها محدودة، نظرا لازدحام فضاء السمعي البصري عند الخواص، وقناعته بأن هذا القطاع الحيوي لا تقدر على تسييره إلا الدولة، بكل ما لديها من تجربة رائدة في التكفل بالجانب المتعلق بالموارد البشرية والمهارات، هذا الرصيد الذي شدد عليه المرحوم عمار العسكري، أي إعادة تنظيم قطاع السينما في الجزائر وفق مقاربات جديدة.هكذا كان الحاج رحيم في تفاصيل حياته مهووسا بكل ما هو سمعي بصري في دلالاته الإبداعية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)