يرى السيد هواري قدور مسؤول جبهة القوى الاشتراكية لولاية الشلف على أنّ آفة سوء التسيير وراء شلل الاقتصاد الجزائري، ولا يتردد عن الجزم بأنّ المكلفين بحماية الاقتصاد الجزائري يقومون بقتله لعدم احترامهم قواعد التسيير.
1- إعادة توزيع الدخل: إن العدالة في الأجور والدخول بشكل عام تقتضي اعتماد معايير واضحة مبنية على درجة الانتاجية والمساهمة في الدخل العام، فسياسة الأجور في الجزائر منذ الاستقلال لم ترقى يوما إلى العدالة في شيء، فباسم الاشتراكية في البداية ثم باسم المكاسب بعدها تساوت الأجور واختل ميزان القيم وصار الناس سواسية مهما تدرجوا في التعليم ومهما اكتسبوا من خبرة وكفاءة فالفارق في الأجر يختفي بين مساواة الخبرة بالأقدمية، فالإنسان في نظام العمل في نظر حكومات الجزائر تتساوى إنتاجيته مهما بلغ من علم ومهما تحكم في التكنولوجيا ومهما خبر في مجال الإدارة والتسيير، وبالتالي فإن سياسة إعادة توزيع الدخل على أفراد المجتمع الجزائري غير عادلة البتة لأنها لا تراعي معيار الانتاجية والكفاءة ودرجة المساهمة في الدخل العام الوطني، بحيث أن الفئات العاملة والمنتجة للثروة الفعلية لا تحصل على ما يقابلها من جهد وخدمة للاقتصاد الوطني، فنجد أن هذه الفئة هي أفقر الفئات وأن التكفل الاجتماعي بها لا يرقى بأي حال من الأحوال إلى ما تحصل عليه باقي الفئات الأقل إنتاجية بل وغير العاملة وغير المفيدة. كما أن فئة التجار الشرعيين منهم وغير الشرعيين يحصلون على مداخيل خيالية من دون أي مراقبة أو تدخل من السلطات لضبطها، مما ينتج عنه ضغط سلبي على القدرة الشرائية للفئات العاملة والمكدة فلن تعرف الأجور الحقيقية والفعلية أي تحسن باعتبار التضخم الكبير سنويا وما إن تهم الحكومة في الرفع من أجور العمال والموظفين حتى تعرف الأجور الحقيقية تراجعا محسوسا قبل دخول الزيادة في الأجور الإسمية حيز التطبيق. كما أن ثمار الدعم الاجتماعي الموجه للفئات المحرومة في المجتمع تستفيد منه كل الفئات الميسورة.
2- عجزت لسنوات طويلة مختلف الحكومات في تسيير ملف السكن والقضاء على هذه الأزمة منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا، بل إن الاستمرار بنفس السياسة في التعاطي مع أزمة السكن لن يؤدي إلا إلى نفس النتائج، فعدم تغيير فلسفة ومعايير الحصول على السكن في المناطق الحضرية والريفية يؤديان إلى تضييع الوقت وإحداث تراكم مستمر لن يوجد له حل في المستقبل المنظور. إن عدم الاهتمام وعدم الإسراع بتطوير وتشجيع وتنظيم المقاولات المتخصصة في البناء جعل من القدرة الوطنية على بناء السكنات بالمعايير العلمية والقانونية غير كافية بل وعاجزة تماما عن مواجهة الطلب السنوي المتراكم للسكن، كما أن هذه الوضعية جعلت المضاربة في السكنات تنموا بشكل رهيب مما أدى إلى ارتفاع أسعار السكن، كما أن السكنات بمختلف صيغها حتى الاجتماعية منها تم بيعها مخالفة للتشريع دون أي رادع أو قانون، ولعل أهم معيار أوليت له أهمية بالغة للحصول على سكن اجتماعي مجاني هي الفئات السكانية التي تسكن في البيوت القصديرية، مما جعل الآلاف من العائلات تنزح من الريف إلى المدن الكبرى عساها أن تستفيد من سكنات مجانية فيها، ولعل أبلغ تعبير على أن هذا السلوك الاجتماعي غير العادل، ما أقر به رئيس الحكومة الحالي في منتصف التسعينيات وبصفته رئيسا للحكومة حينها امام البرلمان، بأن الحصول على سكن اجتماعي يقتضي المرور عبر الإقامة في بيت قصديري، ولا جدال في أن النفس السوية وذوي المستويات التعليمية المحترمة تأبى نفوسها المذلة، فصبرت على ضيق المكان مع الوالدين والإخوة وأخرت الزواج حتى تستطيع كراء سكن من سكنات أولائك الذين حصلوا عليه عن طريق البيوت القصديرية أو الرشاوى. كما أن كلفة الحصول على سكن في الجزائر تساوي حسب بعض الدراسات أكثر من 30 مرة مجموع الدخل السنوي للفرد الجزائري وهذه النسبة تعتبر الأعلى في العالم العربي، فمصر على سبيل المثال رغم أن الدخل السنوي للفرد أقل من الجزائر إلا أن فرصة الحصول على السكن بالشراء تعتبر أقل كلفة بكثير بحيث كلفة شراء السكن في مصر لا تكلف سوى 18 مرة مجموع الدخل السنوي للفرد، أما باقي الدول العربية فحدث ولا حرج.
3- منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا لم تعرف الجزائر سياسة سكانية حكيمة وواضحة المعالم ومندمجة مع باقي السياسات الأخرى، بحيث لم توفق في تخفيض النمو الديمغرافي السريع الذي عرفته الجزائر بعد الاستقلال بالتأثير الواعي على هذا المعدل لتساير بذلك مختلف السياسات الإنمائية حتى لا يكون النمو الديمغرافي معرقلا بل ومعيقا للاستراتيجية التنموية التي تم تسطيرها في مرحلة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، فشكل هذا الانفجار تحديا كبيرا لأصحاب القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي مما جعل الجهود التنموية الكبيرة لا تؤتي أكلها بل أفقدت البلاد فرصة الانتقال النوعي نحو الخروج من التخلف. غير أن هذا العجز في تلبية احتياجات المواطنين وبالأخص توفير الشغل والسكن أثر بالتراجع في النمو الديمغرافي نتيجة العزوف القسري عن الزواج المترتب عن عدم القدرة. كما أن سوء التوزيع الديمغرافي على مختلف مناطق البلاد نتيجة سوء توزيع التنمية والاهتمام بالمناطق الحضرية الكبرى على حساب الريف والمناطق الحضرية الصغيرة مما أدى إلى التمركز في هذه الأقطاب الحضرية الجهوية. بالإضافة إلى ما سبق ذكره، تهميش القواعد العلمية للتهيئة العمرانية والتخطيط الجهوي جعل المناطق الحضرية فاقدة للروح الاجتماعية والحضارية فتمثلت في مجمعات سكنية غير متناسقة عمرانيا وغير متوفرة على مختلف المرافق العمومية بالمعايير العلمية مما شوه منظرها وضيع إمكانيات المرافق العمومية لعدم قدرتها على استيعاب نسمة أكبر من الإمكانية مما دفع إلى انتشار الآفات الاجتماعية المختلفة، فلا المدارس استطاعت أن توفر تربية مقبولة ولا المرافق الصحية استطاعت أن تتكفل بصحة المواطن كما ينبغي ولا النقل ولا الأمن توفر بالصفة الملائمة ولا النشاطات الاقتصادية الجوارية في الجماعات المحلية استطاعت استيعاب الأعداد الهائلة من المتسربين من المدرس والمتخرجين من المعاهد والجامعات. فإذا كان الاعتراف بالعجز الهيكلي على تلبية الاحتياجات المتنامية للسكان فلماذا تخلت السلطات عن الدور التوعوي والإعلامي والتوجيهي للمواطنين من أجل التنظيم والتحكم في النمو الديمغرافي بالدرجة التي تكفل للسلطات بتفعيل وتثمين للموارد البشرية بالعمل على الرفع في المستوى العلمي والثقافي للسكان. فغياب ( تغييب) سياسة سكانية مندمجة في إطار إستراتيجية تنموية واعية انعكس على الحالة المتردية المعيشية والاجتماعية للسكان.
4- أما فيما يتعلق بالسياسة التربوية والتعليمية فقد تميزت منذ بداية الاستقلال بالاعتماد على مواكبة النمو الديمغرافي المتسارع مما شكل ضغطا متزايدا على المنظومة التربوية من أجل رفع التحدي السنوي المتمثل في توفير مقعد تربوي لكل طفل باعتبار أن التعليم في الجزائر يعتمد على الإجبارية، هذا التحدي أملى على أصحاب القرار بالاهتمام بالاستثمار في الهياكل التربوية على حساب الاستثمار في تحسين نوعية التعليم من أجل توفير يد عاملة مؤهلة وكفئة تتصدى لرفع تحدي التنمية والاقتصاد المتقدم المبني على المعرفة. فمخرجات المنظومة التربوية تعتبر مدخلات كل القطاعات الإنتاجية ، فإذا تراجعت نوعية الأولى تأثرت باقي القطاعات سلبا، فنوعية التربية والتعليم تتأثر مباشرة بالكم، فكلما كان الكم كبيرا كلما كانت النوعية متراجعة. بالإضافة إلى ما سبق ذكره، يرجع السبب الرئيسي لفشل المنظومة التربوية في غياب المشروع التربوي الجزائري التقدمي الواعي الذي يدفع نحو بناء المواطن الصالح في جميع الميادين والجبهات، فكل المشاريع التربوية الجزائرية لم تكن ذات روح وطنية جزائرية وإنما كانت مشاريع تربوية لبلدان غربية وشرقية لا تراعي الخصوصية الجزائرية فكانت مشاريع عرجاء لانعدام إمكانيات التحقيق البشرية والمادية، كما أن تهميش القطاع التربوية يكمن في تهميش التأطير البشري رغم الميزانية الضخمة المخصصة لهذا القطاع مما يعطي الانطباع بأولوية هذا القطاع. فالمشروع التربوي والتعليمي مرتبط بوثاقة مع سياسات التعليم العالي والبحث العلمي والتكوين المهني وكذا احتياجات سوق الشغل، فمنذ البدايات تم عزل البرنامج التربوي عن متطلبات النوعية لليد العاملة مما أفقد الميزة التنافسية لليد العاملة الجزائرية مقارنة باليد العاملة الأجنبية مما شكل تناقضا ظاهرية متمثلا في وفرة كمية لليد العاملة المؤهلة وحقيقة الأمر وجود ندرة في اليد العاملة المؤهلة للمناصب المتوفرة مما أفقد سوق الشغل معناه العلمي.
5- فرغم الجهود المبذولة من أجل التكفل الصحي بالمواطنين لم تستطيع الجزائر من توفير صحة عمومية لشرائح واسعة من أفراد المجتمع المنتشر في المناطق الداخلية بل وحتى المناطق الحضرية الكبيرة، وذلك راجع لعدم التحكم في تسيير القطاع الصحي إن في الجانب المادي أو في الجانب البشري مما جعل الهياكل الصحية المنتشرة عبر مختلف المناطق فاقدة لدورها الصحي العمومي الجواري وذلك لسوء تسيير التجهيزات الصحية وسوء الإدارة وعدم إيلاء الأهمية للطبيب والممرضين جعل أمرها كصروح بلا روح، وصار المريض يتنقل إلى المستشفيات الكبيرة المتمركزة في الولايات الكبيرة القليلة مما أدى بالضغط عليها إلى عدم قدرة هذه الأخيرة على تلبية حاجيات المواطنين ومنه زادت معاناة المواطنين بالإضافة إلى المرض نفسه ضغطا نفسية سلبيا إضافيا نتيجة التنقل وبعد المسافة وطول أمد التكفل بالمرض إن لم يكن فقدان الأمل في هذا التكفل. إن السبب الرئيسي وراء هذه الفوضى التي يتخبط فيها قطاع الصحة يرجع إلى إهمال مبدأ التوازن الجهوي في توزيع التنمية عبر مختلف المناطق بما فيها الاهتمام الصحي المتوازن بين مختلف الولايات يعطي بذلك صورة عن تكافؤ الفرص بين المناطق والتساوي والعدالة في التعامل مع المواطنين الجزائريين باعتبارهم مواطنين من درجة واحدة، عكس ما هو عليه الحال من شعور بالدونية لمناطق عديدة تدفع بشريحة كبيرة من الناس للشعور بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية والثالثة.
6- إن الضمان الاجتماعي يعتبر جهازا مكلفا بتحقيق الطمأنينة والأمان جراء التكفل بتوفير خدمات اجتماعية للمواطنين وبخاصة فيما يتعلق بالصحة العمومية شبه المجانية، وهذا الجهاز يمثل فلسفة التضامن الوطني بالاشتراك في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. فالمبدأ التضامني بين أفراد المجتمع يقتضي نشر وتعزيز الروح التضامنية في شتى المجالات بين أفراد المجتمع بالإضافة إلى تحقيق العدالة في الاستفادة من مداخيل الصندوق كما أن الفعالية والسرعة في التكفل تدفع إلى تحقيق الجدوى من وجود الصندوق وإلا فإن شرائح واسعة من المشتركين يتخلون عن طلب التعويضات من الصندوق مما يمهد إلى الشعور بعدم جدواه واعتباره اقتطاعا ظالما من الأجر دون عائد حقيقي منه. فالمستفيدين من الصندوق والمتمثلين في الشريحة الهشة من المجتمع تعتبر عبئا إضافيا على كاهل الطبقة الوسطى. فالشعور بالأمن الاجتماعي لم يعد متحققا مما يؤدي إلى استبدال الشعور بالأمان بالشعور بالظلم والاستغلال وتكبد للخسائر مضاعفة نتيجة الاقتطاعات المتعددة دونما مقابل حقيقي، كما أن إظهار الاقتطاعات من أجور الموظفين والعمال أحدث إحساسا سلبيا على القدرة الشرائية للمواطنين.
7- منذ الاستقلال إلى يومنا هذا لم تعرف الجزائر سياسة واضحة للتشغيل بالاعتماد على رؤية علمية وشاملة لموقع التشغيل باعتباره محور العلاقة بين الإقتصاد والسياسة والإجتماع والتربية والتكوين، فنجاعة سياسة التشغيل تعكس نضوج الفكر والوعي الاستراتيجي للسلطة، ولعل السبب الرئيسي والحقيقي لتخلف الأمم يرجع إلى غياب الرؤية الاستراتيجية. أما في الجزائر فعدم الوعي بهذه العلاقة يجعل من مختلف القرارات والاجراءات الموجهة نحو تشجيع التشغيل ومحاربة البطالة من اختصاص منظومة مكلفة بالتشغيل والسهر على تحقيق أهداف التشغيل ومحاربة البطالة فاكتفت بإصدار التشريعات المنظمة للعمل وإستحداث جهاز مكلف بدعم تشغيل الشباب وآخر بتمويل مشاريع الشباب وبعض الفئات الأخرى ومنه لم يؤدي هذا التوجه إلى نتائج ملموسة وفعالة في هذا المجال لأن ظاهرة البطالة تعتبر مشكلة اقتصادية واجتماعية تشكوا منها كل دول العالم بما فيها المتقدمة منها. إن البطالة هي الظاهر من المشكلة الحضارية والبشرية التي تتخبط فيها المجتمعات البشرية الحديثة. فعدم الوعى وسطحية النظرة الجاهلة والمتخلفة لمختلف الارتباطات الناتجة من الاستثمار البشري سوف لن تعالج هذه الظاهرة وستؤدي إلى تفاقمها إلى حد أن تصبح غير قابلة للحل ومنه ستصبح البطالة غير متكفل بها مما سيحدث إضطرابات إجتماعية تهدد إستقرار المجتمع ومعه سيتهدد أمن البلاد
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 01/03/2012
مضاف من طرف : chelifien
صاحب المقال : هواري قدور
المصدر : ffs chlef