اختار المسرح الجهوي لعنابة عز الدين مجوبي المونودرام، لولوج بوابة المهرجان الوطني للمسرح المحترف، وهو العرض الثالث ضمن أطوار التظاهرة الثقافية المسرحية في يومها الثاني، والتي يتنافس فيها ستة عشر عملا للظفر بإحدى جوائز المهرجان الثمانية.كتب الحروف الأولى للعرض المونودرامي الموسوم"إمرأة بظل مكسور" كنزة مباركي وأخرجه جمال حمودة واستغرق 45 دقيقة وقفت خلاله ناسجة ومؤديه الدور البطولي والوحيد رجاء الهواري مؤدية دور "وافية" التي أعلنتها صراحة عند البدء أن من أعجبه العرض فليصفق وليقلها بملء فيه "برافو" ومن لا يرقه، فما عليه سوى الالتفاف والانصراف، وهو تحدي واضح للمشاهد واستفزاز له، وإملاء ينم عن ثقة مفرطة، وقد يكون لها ما يبررها، ومن يدري لعلها حيلة كانت تبغي من ورائها الواقفة على الركح لوحدها، كسب حضور الجمهور حتى النهاية حتى تكتمل أوراق اللعبة المسرحية. وقد استطاعت وافية بحضورها الدائم والمتواصل وحركاتها الرشيقة والموزعة بالقسطاس المستقيم عبر جنبات الركح أن تملا الفراغات الشاغرة بحركاتها ورقصاتها الموزونة والمأمونة الغوائل، أن تعبر عن وجودها، تبعا لتدرج النص الذي يحكي مرة أخرى عن المرأة، الفتاة التي تقع تحت طائلة المرأة الجدة، الأم الأخوة في وسط لا يزال يحبس المرأة وجودها وأنفاسها.
ترى كنزة مباركي أنها حكاية امرأة تلملم شظاياها في وسط وعالم مختل تحاول فيه إعادة بناء نفسها بنفسها لتغير شيئا في هذا العالم الوحش، حكاية يبرز فيها صوت وافية الجريئ المنبعث من أول ساعة وأد تصدح بالرفض في أفق مخنوق خانق ضيق يجترح الحكايات ويقطفها من أعماق نسائية مجروحة، يخترق القوانين والأعراف العرجاء في ثورة عارمة تقلب موازين الحياة، الحياة التي تتراوح بين الضحك والبكاء، هي محاولة امرأة ترأب الصدع روحها بالصبر والتجلد وتداوي جراحاتها بالكلام، فكلام النفس للنفس شفاء، والكلام تعويذة ضد اليأس والقهر والانكسار، الإنسان الهارب إلى إنسانية الإنسان من بطش أخيه الإنسان الحيوان، الراكض كوقت مستعجل جدا نحو الأمام..إلى حيث يكون الخلاص. هي قصة امرأة أوجدها ماضي الجدات والأمهات الحافل بالخيبات والتواطؤ والخذلان، وحاضر الحب الزائف الملفوف بالوعود المواربة المراوغة، تقف في مفترق الإحساس لا تكاد تفرح حتى يسرقها الحزن، ولا تكاد تهدأ حتى تثور، سعيا وبحثا عن الأمان والاطمئنان في عالم يدور في الفراغ تسكنه الوحوش.
كان الديكور بسيطا فقيرا للغاية كرسي وطاولة تعلوهما الممثلة حينما تزداد ثورتها وأسيجة على امتداد الركح إمعانا في إبراز السجن الذي تعيشه وافية وأرضية هي مسرح للعبة الشطرنج وهي الملكة الحالمة بالحركة أكثر وأكثر للتعبير عن التوق للحرية والخروج من السجن النفسي والاجتماعي. كانت الإضاءة غير مواكبة بتاتا لسيرورة العمل الركحي ولحركات الممثلة ولا تعبر عن أحوالها المختلفة ولو حدث العكس لكان العرض أجمل.
يرى مخرج العرض العمل هو تجربة أخرى مذاقها المنحوت في ودانه لما حملته من تداعيات جارحة للضمير والحلم. والمونودراما هذه بشعريتها وبلاغتها ليست مجرد فسحة للترفيه والتنوير لما تضمنته من مواقف اجتماعية مناهضة للممارسات القهرية التي كرستها حقب طويلة من المواجع إزاء المرأة.
فند أحد المتدخلين ما ذهب إليه أحد الشعراء عشية الافتتاح من لزوم الاقتباس من النصوص الروائية وغيرها وقال بوجوب كتابة نصوص مسرحية مباشرة دون لف ولا مواربة، وحيا بالمناسبة كنزة مباركي على نصها، لكنه عاب على العرض عدم وجود الصراع الذي هو احد أعمدة الكتابة الدرامية المسرحية. بينما أشار أحد المتدخلين إلى غياب المسرحة في نص مباركي الطافح بالشاعرية والحيوية الإبداعية، ولعل أداء الممثلة غطى على العديد من النقائص.
وبدوره حيا بوذيبة العرض الذي تابعه منذ البدء رغم تخريبات النقاد الذين لا يهدأ لهم بال الا إذا رأوا الثغرات لتتسرب إليها تفنيذاتهم. وقد أشار أحد متمرسي الفن الرابع إلى لباس الممثلة المتمثل في تنورة تغطي أسفل الركبة وعاب على المخرج اختيار هذا اللباس الذي حسبه يمنعها من اللف أو الالتفاف والدوران والرقص والثواران، ولعله أخطا في دخول القاعة أو المهرجان، لأن اللباس الذي اقترحه يحسن بمهرجان الرقص المعاصر الذي يقترح ألبسة جريئة كثيرا.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 26/12/2017
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : عدة خليل
المصدر : www.eldjazaireldjadida.dz