الجزائر

مسرح الإنسان أينما كان وكيفما كان .. الطريق



وقفنا فجأة منتصف الطريق، وضعت يدي على عيني أتقي حرارة الشمس الحارقة وأنا أمسح حبات عرق تتهاوى جانبي منخري، جلس على صخرة تشبه المعلم وقال:-دعنا نستريح.
أخرج قنينة الماء وعب منها، مسح فمه بكمه وواصل:
-الطريق لم ينته، لقد تعبت.
-يجب أن نستمر، أحس أن نهايته ستكون قريبة.
-وأنا أحس أنها بعيدة، أنا تعبت.
جلست إلى جواره دفع إلي بقنينة الماء قائلا:
-اشرب اشرب، تكاد تموت ظمأ.
-لا تخش علي صديقي، أنا صنديد، وطريقي يجب أن أقطعها.
-لا تقل هذا.
ووقف مغاضبا مرددا بصوت مرتفع:
-لا تقل هذا.
-أزعجتك صديقي، معذرة ما قصدت إزعاجك فأنا لم أقل ما يزعج.
-بل قلت.
نظر إلى الخلف، كان الطريق طويييييلا يمتد خلفنا، مد بصره إلى الأمام.
-لا نهاية لهذا الطريق، ولكنه طريقنا معا، وسنقطعه معا، حتى نصل إلى الهدف
-صحيح طريقنا معا.
-هكذا أحبك، هو طريقنا معا.
وانطلقنا نسير، وقد اشتد نشاطنا، نكاد نلتصق بفرح، وفجأة ظهرت شجرة عملاقة من بعيد، صرخت فرحا.
-لاح الأمل لاح الأمل.
قفز فرحا كطفل صغير وقال:
-حتما هذه الشجرة هي نهاية الطريق، أظنها شجرة تفاح.
عدا خطوات ثم توقف يدقق فيها النظر وقال:
-أجل هي، إنها بشرى خير، لقد وصلنا، وصلنا صديقي.
ارتمى عند جذعها، واتكأت عليه وقلت:
-نستريح تحت ظلها قليلا ثم نواصل المسير، قطف حبة وقضمها، دفع إلي بأخرى قائلا:
كل كل، لم أر أحلى منها.
واصل بعد لحظات متعجبا وهو ينظر إلى بعيد فزعا:
-إنها الطامة يا صديقي، إنها الطامة.
وقفت مندهشا وقلت:
-أمازال الطريق طويلا، خيرا؟
-لا لا لا.
-وإذن، لقد أخفتني؟
رميت ما تبقى من التفاحة، وقد تغيرت ملامحي خوفا، وقلت:
-إنه التيه، إنه التيه، ما العمل يا رفيقي؟
-التيه، أي تيه تقصد؟ لا أرى إلا فلاة شاسعة، وهذا الطريق الممتد، وهذه الشجرة المباركة.
طوقني بذراعه كأنما يشفق علي وقال:
-آسف أنت لا ترى جيدا، لقد صار الأمر مختلفا.
-أي أمر تقصد؟
-كان الأمر يسيرا ونحن نقطع طريقا واحدا، ظنناه يؤدي بنا إلى هدفنا، أما أن يكونا طريقين فتلك مشكلة.
-طريقان؟
مددت بصري أتأكد من الأمر.
-فعلا طريقان، إنهما طريقان، يجب أن نجد حلا
-صدقت.
وراح يعب من القنينة، ثم يدفع بها إلي.
-ارتو، الحر شديد.
-كيف أرتوي وقد ضاعفت الحيرة ظمئي.
-الحل يا رفيقي أن نأخذ الطريق اليمنى.
تبسم رفيقي ساخرا وقال:
-عجيب لأنك على اليمين، اخترت لنا اليمين، وأنا أؤكد لك بأن المخرج لن يكون إلا شمالا، أنا أتشاءم من اليمين.
-ما أحمقك! عقلك قاصر جدا اخترت اليمين لأنها سيدة، تمثل القوة والقدرة على تحقيق الآمال، بكل صراحة يا رفيقي أنا أتفاءل بها كثيرا.
-بل أخطأت، أؤكد لك أن طريق اليسار تبلغنا أمانينا.
-كم أنت عنيد! لقد أكدت لك فضل اليمين.
بصراحة أنا أتفاءل باليسار، رمز التعاون واليسر، ألم تر أن اسمها فيه رنة اليسر؟
جذبني بقوة، صارخا في.
-من هنا يكون الطريق.
ثبت مكاني بقوة وقلت مهدئا.
-عندي اقتراح آخر.
-ماهو؟
-كل منا يأخذ طريقا، قد نلتقي أيضا، أو على الأقل يصل أحدنا.
دفعني بقوة غاضبا وقال:
-مستحيل أنت أناني، لن نفترق، بدأنا معا ويجب أن ننتهي معا، نفوز معا أو نهلك معا.
صحت فيه غاضبا.
-ويلك، إذن من هنا.
بالغ في صرخته وهو يجذبني نحو طريقه.
-بل من هنا.
-بل من هنا.
-اللعنة عليك من هنا.
-سحقا لك يا أحمق سحقا لك، حلمنا من هنا.
-حلمنا من هنا.
يشتد صراخنا وتجاذبنا ونسقط صرعى دون حراك.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)