الجزائر

"مستودعات الموت" تهدّد العاصمة منشآت صناعية ومخازن تتحوّل إلى قنابل موقوتة




عايش سكان العاصمة، خلال السنوات الأخيرة، عدة انفجارات وحرائق بمؤسسات صناعية عمومية وخاصة، بعضها ظلّ راسخا في الأذهان كالحريق الذي شبّ بمصنع للعطور في بلكور، والذي ذهب ضحيته عاملتان في المصنع، تفحمتا بالكامل، وكذا الحريق المهول الذي اندلع بالرصيف البترولي رقم 138 بميناء الجزائر في 21 جانفي 2006، الذي كاد أن يؤدّي إلى كارثة حقيقية بفعل تواجد القناتين الناقلتين للبترول والغاز نحو الخارج، على بعد 5 أمتار من مكان الحادث.طرح مشكل اندلاع الحرائق الصناعية عبر الوحدات والمؤسسات المصنفة والورشات والمستودعات، خلال السنوات الأخيرة، عدة تساؤلات بخصوص مدى احترام معايير الأمن والسلامة، وحتى عن الأسباب التي جعلت السلطات المعنية تبقي على هذه المنشآت الخطيرة وسط التجمعات السكانية، كمحطة الكهرباء بالحامة والمحطة النفطية بسيدي رزين في براقي والخروبة، رغم النداءات المتكررة، بضرورة نقلها إلى أماكن بعيدة عن المناطق العمرانية لتخفيف الأخطار.
”الحميز”.. الموت القادم من الشرق
لطالما ارتبط اسم منطقة “الحميز”، التابعة إداريا لبلدية الدار البيضاء شرقي العاصمة، بمحلات ومستودعات بيع الأدوات والخردوات والأجهزة الكهرومنزلية، ما جعلها قبلة لتجار الجملة والتجزئة الذين حوّلوها إلى قطب تجاري بامتياز، ما أدى إلى انتشار رهيب للمحلات والمستودعات، حيث نمت كالفطريات، وأصبح كل من يملك مترا مربّعا في المنطقة يؤجّره للتجار، حتى أصبحت المنطقة تحوي على عدد لا بأس به من المستودعات الشرعية وغير الشرعية تستعمل لتخزين مختلف السلع والمواد، بما فيها المواد الكيميائية والمواد المتفجرة الخاصة بالورشات. وخلال المدة الأخيرة كثر عدد الحرائق المسجّلة على مستوى هذه المستودعات، نظرا لافتقارها لأدنى شروط الأمن والسلامة، حتى كاد الحريق الذي شبّ بمستودع خاص بحي “سان تي بي أن”، خلال الأسبوع الماضي، يؤدي إلى كارثة لا تحمد عقباها. ويقول عدد من السكان، ل«الخبر”، إنهم عاشوا الجحيم بعينه لساعات، بعدما شاهدوا ألسنة اللهب تمتد في السماء وسط أصوات الانفجارات، ما جعل العديد منهم يغادرون مساكنهم، ولم يعودوا إلى غاية ساعات متأخرة من الليل. وعن أسباب الحريق، قال محدثونا إن الروايات تعددت، لكن أكثرها صدقا وأقرب إلى الحقيقة، حسب أحد القاطنين بجوار المستودع، هي “قيام بعض الحراس بتنظيف ساحة ومحيط المستودع، ولمّا جمعوا كل الأوراق والقاذورات أشعلوا فيها النار للتخلص منها، مثلما جرت عليه العادة، إلا أن النار امتدت داخل المستودع دون أن يتفطّنوا لذلك، ما أدى إلى حدوث الكارثة”. ولم يتوقف الأمر على منطقة الحميز فقط، بل امتد إلى المناطق المجاورة كالرويبة وواد السمار، التي شهدت اندلاع حريق بمصنع لإنتاج الطلاء للمرة الثالثة على التوالي، ليتضح أن صاحب المصنع لا يملك ترخيصا لممارسة نشاطه. وحتى إن امتلك البعض التراخيص، إلا أنهم لا يحترمون المخططات الخاصة بمنافذ النجدة ووضع خراطيم المياه والمطفآت، كما أن السلع غالبا ما تكون مخزّنة بطريقة عشوائية، ما يصعّب من مأمورية أعوان الحماية المدنية عند تدخّلهم لإخماد الحرائق.
لجنة “المؤسسات المصنّفة” حبر على ورق
على الرغم من وجود لجنة على مستوى الولاية تسمى “لجنة المؤسسات المصنفة” تضمّ ممثلين من عدة مديريات، كمديرية البيئة والصحة والتجارة والطاقة والمناجم والحماية المدنية والأمن، تتكفل بمراقبة نشاط المؤسسات الصناعية المتواجدة على مستوى العاصمة، إلا أن تجاوزات المؤسسات الصناعية ما فتئت تتكاثر، وسط صمت أو غياب اللجنة، وتواطؤ بعض “الأميار” ورؤساء الدوائر، الذين يتغاضون عن تجاوزات أصحاب المؤسسات والمستودعات، بالرغم من الشكاوى المتكررة التي قدّمها السكان القاطنون بجوارها.
ويبدو أن السلطات لم تستفد من الدروس السابقة في التعاطي مع هذا الملف، بدليل إبقائها على عدد كبير من المنشآت الخطرة وسط تجمعات سكانية ومناطق عمرانية آهلة بالسكان، كمصنع الكبريت المتواجد على مستوى بلكور ومصنعي التبغ بباب الوادي وحسين داي، والمحطة الكهربائية بالحامة.
رئيس نادي المخاطر الكبرى البروفيسور عبد الكريم شلغوم
”انفجار المحطة الكهربائية بالحامة يشبه انفجار قنبلة ذرية”
حذّر رئيس نادي المخاطر الكبرى، البروفيسور شلغوم عبد الكريم، من المخاطر التي تحدق بسكان العاصمة، بسبب وجود عدد كبير من المصانع والمستودعات التي اعتبرها “قنابل موقوتة” يمكن أن تنفجر في أي لحظة، كمحطة الكهرباء بالحامة ومصنع الكبريت ببلكور.
وأوضح شلغوم، ل«الخبر”، أن خطر هذه المنشآت على سكان العاصمة لا ينحصر في الجانب البيئي فقط، لأن انفجارها يمكن أن يبيد العاصمة بمن فيها، كمنشأة المركزية للكهرباء بالحامة، التي قال عنها إنها من أخطر المنشآت الكهربائية في العالم التي تعمل بالغاز، إذ إن قوة انفجارها تعادل انفجار قنبلة ذرية. وأعطى شلغوم مثالا قائلا: “في الولايات المتحدة الأمريكية قاموا بإنشاء محطة مماثلة في المسسيبي، وأثناء تجريبها حصل خطأ أدى إلى انفجارها على مسافة دائرية ب50 كم، حتى إن الحياة أضحت منعدمة في المنطقة”. وأضاف شلغوم أن الأمر لا يقتصر على محطة الحامة فقط، بل يشمل مصنع الكبريت ببلوزداد، الذي قال عنها إنه يمكن أن يتسبّب في هلاك 100 ألف شخص في حال انفجاره، مستغربا إبقاء السلطات عليه داخل المنطقة العمرانية، والشيء نفسه بالنسبة لمعمل التبغ المتواجد بشارع طرابلس في حسين داي.
وأكد رئيس نادي المخاطر الكبرى أن السلطات الاستعمارية أنجزت تلك المصانع في وقت كانت تلك المناطق عبارة عن بادية وغير آهلة بالسكان، إلا أنه بعد الاستقلال أبقت السلطات الجزائرية عليها. علما أن الهيئة التي يمثلها شلغوم راسلت السلطات المعنية في عدة مناسبات، حيث قال البروفيسور: “راسلنا كلا من وزارتي البيئة والطاقة والمناجم، في سنة 2002، للتحذير من مخاطر وجود محطة الكهرباء بالحامة، إلا أنه لا حياة لمن تنادي، والمسؤولون يتعاملون بمنطق “معزة ولو طارت”.
وبخصوص المستودعات المتواجدة بمنطقة الحميز، قال البروفيسور شلغوم عبد الكريم إنها عبارة عن “قنابل موقوتة”، نظرا لما تحتويه من مواد كيميائية خطيرة، كاشفا، في السياق نفسه، أن 90 بالمائة من البنايات المتواجدة بمنطقة الحميز غير شرعية وغير مهيأة للبناء، وقال “إبان الحقبة الاستعمارية قامت فرنسا بشطب منطقة الحميز والمناطق المجاورة لها بالأحمر، لعدم صلاحية تربتها للبناء ووجودها في “مرجة”، وأي زلزال قوي يضرب العاصمة يمكن أن يتسبّب في انهيار البنايات بمن فيها”.
وتساءل المتحدث ذاته عن كيفية سماح السلطات بإنجاز مستودعات بتلك المناطق، دون احترام لأدنى الشروط والمعايير، خاصة وأن ما يخزّن فيها من مواد كيميائية وصناعية متفجرة يمكن أن يتسبّب في كارثة لا محالة، خاصة وأن هناك من يخزّن مواد ممنوعة دوليا كالزئبق.
واعتبر البروفيسور شلغوم أن والي العاصمة هو المسؤول، لأنه هو الذي من المفترض أن يشدّد الرقابة بخصوص تصاريح البناء وإقامة مستودعات كتلك التي من شأنها القضاء على العاصمة، معيبا على المصالح ذاتها عدم استشارتها لخبراء في التخطيط والإنجاز.
رئيس مصلحة الوقاية بمديرية الحماية المدنية
”هناك معايير يجب احترامها في إنجاز المستودعات والمؤسسات المصنفة”
أكد رئيس مصلحة الوقاية بمديرية الحماية المدنية لولاية الجزائر، الرائد معريش زوبير، أن هناك معايير أمنية خاصة يجب احترامها أثناء تشييد وإقامة المؤسسات المصنفة أو البنايات المخصصة لنشاط صناعي معين، وهذه الإجراءات يتم فرضها من خلال شهادة المطابقة التقنية.
وقال معريش، ل”الخبر”، إن كل مشروع يخص بناء مؤسسة مصنّفة (مصنع أو ورشة أو مستودع) بعد حصوله على رخصة البناء، يتم عرض مخطط المشروع عليهم، قصد الوقوف على مدى احترام شروط الأمن والسلامة، كعدد مخارج النجدة ونظام تصريف الدخان ونظام الإطفاء.
وأضاف مدير الوقاية أنه بعد أن يقوم صاحب المشروع بإنجاز دراسة حول الأخطار، لدى مكتب معتمد لدى وزارة البيئة، يقوم بعرض الدراسة على مكتب المراقبة بمديرية الحماية المدنية، لإبداء رأيها في الدراسة والموافقة عليه أو تبيان النقائص الموجودة بها. وبخصوص مستودعات التخزين، أوضح الرائد زوبير معريش أن الأمر يتوقف على نوعية المخزن ومساحته والمواد المخزّنة فيه، حيث تقوم مصالحهم بإبداء رأيها وإعطاء توصياتها بناء على ذلك، وتحرص على فرض الالتزام بتطبيق نظام الإطفاء الأوتوماتيكي، في حال كان علو المستودع مرتفعا، كما أنه يجب وضع مخارج نجدة بناء على مساحة المستودع وفق عمليات حسابية مبنية على احترام شروط الأمن والسلامة.
حريق “دار النقود” كشف المستور
أنظمة حماية تقليدية بأهم مؤسسات الدولة
لم يعد غياب أنظمة الأمن والحماية ضد الحرائق مقتصرا على المؤسسات الخاصة، بل امتد إلى أعرق وأهم مؤسسات الدولة التي تمثل سيادة بلد بكامله، مثلما حدث ببيت مال الجزائريين في ثاني أيام عيد الفطر من العام الماضي.
كشف الحريق الذي شبّ بمطبعة النقود التابعة للبنك المركزي، بحي المعدومين “الرويسو” في العاصمة، مدى استهتار المسؤولين وإغفال الجانب المتعلق بالأمن وسلامة المنشآت الكبرى، حتى إن ألسنة اللهب كادت أن تلتهم آلات طباعة النقود التي لا تقدّر بثمن، بعدما أتلفت الأطنان من الورق المستعمل لطباعة النقود والمقدّر سعره بملايين الدولارات.
وتوصّل المحققون في قضية احتراق بيت مال الجزائريين إلى أن فوضى التوصيلات الكهربائية هي ما تسبّب في نشوب الحريق، كما أن التخزين العشوائي لورق الطباعة في الأروقة وغياب مطفأة آلية ساهم في انتشار السنة اللهب، بالرغم من التقارير المرفوعة لمحافظ بنك الجزائر بخصوص وضعية المقر الذي يعتبر أحد رموز السيادة الوطنية.
إحصائيات الحماية المدنية تكشف
142 حريق صناعي خلال سنة و5 أشهر في العاصمة
كشفت إحصائيات الحماية المدنية لولاية الجزائر عن تسجيل 142 حريق صناعي خلال سنة و5 أشهر، منها 110 خلال سنة 2012، و32 حريقا خلال ال5 أشهر الأولى من سنة 2013.
وأوضح المكلف بالإعلام على مستوى مديرية الحماية المدنية لولاية الجزائر، بختي سفيان، أن الحرائق الصناعية تتطلب إمكانيات كبيرة، مقارنة بالحرائق الحضرية، حيث إن الحريق الصناعي الواحد يتطلب عدة آليات وشاحنات إطفاء، “مثلا خلال سنة 2012 سجلنا 110 حريق صناعي، وعدد التدخلات (الآليات وشاحنات الإطفاء) بلغ 392 شاحنة إطفاء لإخماد الحرائق. وخلال ال5 أشهر الأولى من 2013 تدخلنا ب127 شاحنة إطفاء”. وكشف بختي أن عدد المسعفين خلال سنة 2012 بلغ 23 شخصا، أما خلال 2013 فقد تم إسعاف 3 أشخاص، وتم تسجيل حالة وفاة إثر نشوب حريق بورشة للنجارة في الشراڤة.
وأضاف المكلف بالإعلام على مستوى مديرية الحماية المدنية لولاية الجزائر أن عمليات إخماد الحرائق الصناعية تتطلب حيطة وحذرا كبيرين وصرامة في التعامل، خاصة وأن الدخان الذي تفرزه مثل هذه الحرائق يعتبر ساما، لأنه ناجم عن احتراق مواد كيميائية، كما يمكن أن تحدث انفجارات في أي لحظة، لذا يحرص الأعوان على أخذ احتياطاتهم بارتداء البذلات والخوذات الضرورية لذلك.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)