يشدد خبراء ومتعاملون على حاجة الجزائر لدفع ما يسمى ب"السياحة الزراعية" على خلفية ما يعانيه إنتاج مواد حيوية كالعسل والتمور وزيت الزيتون من مشكلات، وجرى بهذا الصدد تنظيم منتديين، لتحسيس السكان بحتمية التفاعل مع مسارات الاستثمار واستكمال الجهود الرامية للارتقاء بأنشطة زراعية لا تزال تراوح مكانها رغم الإمكانات العملاقة الذي يتوفر عليها بلد بوزن الجزائر.
وفي تظاهرة أقيمت ببلدة حمام ملوان مؤخرا، شرح "محمد حمزاوي" رئيس جمعية مربي النحل، أنّ الخطوة أتت في سياق ترقية السياحة الزراعية وتقريب جمهور المستهلكين من المنتجين، إضافة إلى توجيه وإعلام المنخرطين حول التقنيات الجديدة المستعملة في تربية النحل وذلك بغية حماية هذا النشاط من المنافسة الشرسة المسلطة على المنتجات المحلية من طرف المستوردين. وشارك عشرات المتعاملين في المعرض المخصص لبيع مختلف أنواع منتجات العسل على غرار ملكة النحل، كما أقيم على هامش هذه التظاهرة عدة معارض لفائدة الجمهور تضمنت حياة ومراحل تربية النحل وصور حول كيفية استخلاص العسل ومعلومات أخرى حول تربية النحل، والدور الهام الذي تلعبه النحلة في عملية إخصاب الأشجار المثمرة و بالتالي مساهمتها في تحسين مردودها إضافة إلى دورها في كشف بعض العيوب في النظام البيئي، ما جعلها تكنّى ب"حارسة البيئة".
وصرّح كوكبة من مربي النحل ل"السلام" أنّ جملة مشكلات تواجه مكسب قوتهم، حيث عدّدوا المخاطر الناجمة عن نشاط تربية النحل على مستوى سهل المتيجة الشهير، بسبب استعمال الأسمدة الكيماوية لمقاومة بعض الطفيليات الحيوانية والنباتية على المزروعات وكذا بعض المواد المضادة للطفيليات السامة والتي تسببت في هلاك عدة خلايا للنحل، وأمام هذه الوضعية التي زادت حدتها، اضطر كثير من ممتهني تربية النحل إلى شدّ رحالهم نحو مناطق أخرى حيث ظروف تربية النحل جد مواتية.
بالتزامن، وفي ورشة كبيرة احتضنتها مدينة القالة، جرى تسليط الضوء على منظومة العسل ومنتجات تربية النحل في بلاد معروفة بكونها حوضا كبيرا لتربية النحل، لكن التعاطي مع الإنتاج لا يزال محتشمة، ما جعل استهلاك العسل بالجزائر جدّ ضعيف بحدود مائتي إلى ثلاثمائة غرام سنويا بالنسبة لكل فرد، في وقت بلغ معدل استهلاك الفرد الأوروبي لهذه المادة الحيوية ب3.5 كيلوغرام سنويا.
ولإقناع المواطنين بجدوى استهلاك أكبر بشكل يضمن الرواج وينمّي تربية النحل، تمّ على مدار أيام استعراض الخامات الهائلة المتوفرة وعلى مدار ثلاثة أيام لدفع هذا المنتوج الطبيعي، وشدّد خبراء على حتمية اتخاذ الاحتياطات لمواجهة خطر الاستقدام الفوضوي للنحل، وكذا "تكاثر" المربين الفوضويين للنحل رفقة أسراب من النحل وفي أوقات محددة من السنة، وما ينجرّ عن ذلك من اكتظاظ ونهب، على حد تعبير مربيي النحل المحليين، وما تفرزه هذه الممارسات من آثار "كارثية ووخيمة".
رافد استثماري لا يستهان به
وحيا أحمد بوجناح مدير المعهد التقني لتربية الحيوانات في الجزائر، البادرة، واعتبر بوجناح في تصريح للسلام، أنّ هذه العملية من شأنها إعطاء دفع قوي لإنتاج مادة العسل في الجزائر كماً ونوعاً، خصوصا مع مراهنة السلطات على تربية النحل واتخاذه كمصدر مهم لخلق الثروة في المناطق الريفية، من أجل امتصاص البطالة هناك، لا سيما وأنّ تربية النحل لا تحتاج ممارستها إلى استثمار معتبر، مع الإشارة إلى أنّ وزارة العمل الجزائرية تحدّد نسبة البطالة حالياً ب11.8 %، فيما ترفعها مؤسسات غير رسمية وهيئات دولية إلى حدود 35 %.
واتجهت وزارة الزراعة في الشهرين الأخيرين، إلى تربية النحل الصحراوي في المناطق السهبية الشاسعة غرب البلاد وجنوبها، ويرى خبراء أنّ تحسين مردودية مختلف منتجات خلية النحل على غرار"العسل" و"غبار الطلع" وكذا "شمع العسل" و"سم النحل"، فضلاً عن "العقيد الملكي"، سيسمح بفتح آفاق واعدة لعديد المجالات الاقتصادية، خاصة في ما يتعلق بالصناعات الغذائية والصيدلانية وحتى المواد التجميلية.
وتعتزم الجزائر توسيع حلقات السياحة الزراعية لتمتد إلى نشاطي "زيت الزيتون" و"التمور"، من خلال تشجيع المزارعين على الاهتمام أكثر بزراعة الزيتون، حتى يتحقق الاكتفاء الذاتي والنوعية الجيدة، بالتساوق مع تطلع السلطات إلى تحسين نوعية زيت الزيتون الجزائري المعروف بجودته، وتحقيق طفرة إنتاجية تتعدى ال 35 ألف طن المنتجة خلال السنة الأخيرة، لتصل إلى أكثر من مئة ألف طن كل عام، وهي تحتل المركز الثالث عربيًا في قائمة الدول المنتجة لزيت الزيتون بعد تونس والمغرب.
والأمر نفسه ينسحب على قطاع التمور، أين تمتلك الجزائر 4.7 مليون نخلة منتجة، وتتموقع كثاني أكبر مصدّر للتمور عالميا بعد تونس، بمعدل إنتاج يفوق 550 ألف طن، لكن إشكالات بالجملة تسببت في تحجيم مكانة التمور رغم اشتهار (دقلة نور) المنتجة محليا على نطاق واسع عالميا.
وانتقل عدد النخيل المنتج للتمور في الجزائر من 5ر13 مليون سنة 1990 إلى 17 مليون حاليا وهو متربع على مساحة 160.000 هكتار. والجزائر هي سابع منتج عالمي للتمور و تنتج ما يعادل 200.000 طن سنويا حيث حققت رقما قياسيا ب550.000 طن سنة 2006.
مخطط قد يؤتي أكله عام 2025
تراهن الجزائر على جني ثمار الزراعة الصحراوية في آفاق العام 2025، بما سيسمح لها بتطوير فرص الاستثمار الزراعي وخلق المزيد من مناصب الشغل، بهذا الشأن، يرى "سمير قاني" أنّ تفعيل الزراعة الصحراوية يمر عبر إطلاق تصور متعدد يتجاوز الزراعة والري، ليشمل فاعلية مشاريع واسعة في الصناعة الميكانيكية، البتروكيمياء والطاقات المتجددة، وهي مجالات ينوي 54 مستثمرا جزائريا وأجنبيا الخوض فيها بحسب وزارة الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار. واستنادا إلى كشوفات رسمية، تحتوي ثلاثة عشر ولاية جنوبية: الأغواط، ورقلة، بسكرة، غرداية، أدرار، النعامة، جانت، تمنراست، البيض، الوادي، إليزي، بشار، وتندوف، على مواد زراعية متنوعة كالتمور الجافة مثل الدقلة البيضاء ومش دقلة، والتمور اللينة كالغرس والرطب ودقلة نور ذات السمعة العالمية.
كما توفر المناطق الصحراوية فرصا استثمارية للمهتمين بالخوض في التقنيات الزراعية والرعوية بمشتقات التمور كالمربى والعسل، إلى جانب مشتقات النخيل التي تشكل مجالات خصبة للنشاط الحرفي والصناعات التقليدية في الجنوب كالحياكة والطرز والدباغة وغيرها.
وأعلنت وزارة الصناعة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وترقية الاستثمار، عن استعدادات حثيثة لتطبيق برنامج خاص تمنح من خلاله الدولة تخفيضات جبائية لصالح مستثمري الزراعة الصحراوية بولايات تندوف، تمنراست، إليزي وأدرار، وبموجب هذه الإجراءات التحفيزية التي هي قيد التنفيذ يستفيد أصحاب المشاريع بتك المناطق من تخفيضات بنسبة تصل 50 % من الضريبة على الدخل الإجمالي والضريبة على أرباح الشركات. ويؤكد "عبد الكريم منصوري" المدير العام للوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار، إنّ التدابير المتخذة من لدن الدولة لصالح ولايات الجنوب، تدعم الزراعة الصحراوية وتنعكس إيجابا على مختلف أوجه الاستثمار، مبرزا أنّ الثمانية سنوات المنقضية شهدت 47 مشروعا استثماريا كبيرا وفرّت ما لا يقل عن خمسمائة وظيفة دائمة. ويرى منصوري أنّ مخطط الاستثمار في الزراعة الصحراوية، ستكون له نتائج نوعية على الصعيدين الاقتصادي والسياحي، تبعا لما يكتنزه الجنوب الجزائري الكبير من إمكانات طبيعية ضخمة تؤهله لكي يشكل موردا هاما خارج قطاع المحروقات، وضمن خطتها المستحدثة. ورصدت الجزائر غلافا زاد عن الثمانمائة مليون دينار لاستغلال الواحات والأراضي الصحراوية القابلة للاستغلال زراعيا، في خطة تطمح إلى خلق أنشطة زراعية بوسعها استيعاب الآلاف من الشباب العاطل عن العمل.
واستنادا إلى كشوفات الوكالة الوطنية للاستثمار، أبدى قطاع واسع من المتعاملين الخواص رغبتهم في الاستثمار بالصحراء الكبرى، واللافت أنّ كثير من هؤلاء لا يريدون الاقتصار على الجانب الزراعي فحسب، بل يعتزمون استغلال أموالهم في بعث نشاطات مرافقة كحفر الآبار لاقتناعهم بمدى نجاعتها في مناطق الجنوب ذات الخصوصية المناخية المتميزة، ما يساهم في تلبية جانب من الحاجيات الاجتماعية للسكان. وبحسب بيانات رسمية، مكّن المخطط الوطني للتنمية الزراعية الذي جرى الشروع فيه سنة 2001، من خلق 350 ألف مستثمرة زراعية، إلى جانب استصلاح قرابة ستمائة ألف هكتار من المساحات الزراعية. وتتوفر الصحراء الجزائرية على مساحات خضراء تعدّ مشتلة لاستزراع أنواع شتى، إلى جانب تهيئة البحيرات بمنطقة ورقلة لتربية المائيات، ويشير "عبد الوهاب برتيمة" مدير الوكالة الوطنية للتنظيم والتسيير العقاري، أنّ مشاريع الزراعة الصحراوية تستجيب لتطلعات الجنوبيين التواقين إلى مشاريع استثمارية هادفة.
تاريخ الإضافة : 28/09/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : أ أسامة
المصدر : www.essalamonline.com