الجزائر - A la une

مساحة البوح هذه .. وحدي أصنعها



مساحة البوح هذه .. وحدي أصنعها
في القولِ المساحات حول كؤوس الشاي أو في المقاهي أو في الزوايا المظلمة شاسعة و مستباحةٌ .. القول من اللسان ، وكثيرا ما قيل اللسان رطب بلا عظم ... القول في عبوره الضيق بين اللسان الذي وصف الخارج منه ( زلة ) وبين الأذن التي قد تدخلها الكلمة من هنا وتخرج من هناك .. الكلمة قد تكون جارحة ولو صدرت عن صغائر الأفكار ، وقد تكون كالصفعة على الخد تنضح بالشر الكامن في طياتها . في الثرثرة تسقط أزمنة ، وتنضح النفوس بدرجات متفاوتة بما تراكم في أعماقها من جهل .. الكلمة مهما كانت مسمومة .. ومهما كانت قطراتها لا سعة ومقرفة وعارية من كل لباس للحشمة ، فإنها في المنتهى فاقدة للقدرة على الدوام وحاملة في ذاتها مبررات نسيانها ... الكلمة بنت اللسان وهو لا حكم عليه مادام لا عظم فيه ...
القول سيد الكلام عادة ما يصحو مبتهجا بسلطته التي تمتح من فوضى المجالس ، وتنتصر للرياح المنذرة بالعواصف .. في القول تستشري الظنون وتتحطم بالموانئ السفن القادمة من الهند والسند . تنتهك معاطف النهار ، ويهش بعصا الفضائح على أغنام الخيام الكبيرة والصغيرة كلهما سيان ... لا قيام في الليل إلا لمن يسري في الطرقات المظلمة وراء خمار أسود ... أهو اقتراب الفناء من الفناء في عالم أصبح أصغر من قرية ...
القول يفتح شوارع وطرقات تؤدي لكل الاتجاهات ، وفي نفس الوقت القول لا يغلق بابا ولا نافذة قد تلج منها الرياح والمتاعب ..القول ركض سهل جاهز دوما .. لا يترك المجالس أبدا .. ومتى طرد يتوارى خلف الباب متربصا .. لست بصدد الحديث عن الكلمات الساحرة الودودة المتقدة الصاعدة نحو السماوات صارخة من جوف اللغة المتداولة اليومية شوقا لعمر جديد وشباب يتألق ، أو توقا لغد يترقرق كالثلج بياضا .. هذا الذي كان وعدا بالحفاظ على ذاكرة الزمان ، وحفظ الماضي من التلاشي .. القول في هذا المقام مرآة لخلود اللحظة ..
عدوي في هذا النص من جعل القول سلطة تعري عورات وتقوي باللسان السليط فكرة أن السب والشتم وجهات نظر .. هذا النص حرث لأرض البوح متى كان البوح يدا للخلاص من أورام التشظي والتشرذم والانزواء في ظلمات الدروب لتأسيس الانتكاسة والتراجع والتردي والاجتهاد في زرع ما فشل فيه الاحتلال ...
اغرب عن وجهي أيها المتشدق بالكلام .. تلوك باللسان كلاما تريده موقعة دونكيشوطية لعلك تستعيد في الغياب لقاء مع حاضر لا يتغنى بغير الكتابة لأنها مسؤولية والمسؤولية في هذا الزمن الموبوء بالثرثرة ساحة يخشى ولوجها المتقولون ..عبدة اجترار الكلام واحتساء الشاي في مجالس النميمة اعتقادا منهم أن التاريخ يكتب على أوراك العذارى .. وبإشاعة اليأس وإجبار الأمل على احتساء كؤوس الخمر الرخيصة على شواطئ تبخيس النضال النبيل والشريف وقلب الطاولة على الذاكرة ...
لست معنيا أيها الهاربون في الثرثرة من جبنكم وتخاذلكم ... ولن تصنعوا تاريخكم بامتشاق بنادق النيل من طيور فرحتنا بالفوز أما بشرف الموت فداء للوطن أو الاستمرار في النضال من أجل أن يكون استقلال وطننا عنوان للحرية والكرامة والتعالي عن الصغائر والأحقاد التي تنتج عن الجهل والفراغ ...


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)