الجزائر

مرور عامين على الثورة في ليبياالذكرى،،، والعبرة



كانت المناسبة بالنسبة لعامة الليبيين أمس، لاستعادة ذكرى انتصار ثورة 17 فيفري 2011 بالانتهاء من حكم أحادي عمر لأكثر من أربعة عقود، انتهى بقتل العقيد معمر القذافي، الذي كان الرمز والقائد لثورة "خضراء" انتهت بدماء وفوضى عارمة. واعتقد الليبيون في خضم نشوة ذلك "الانتصار"، أن نهاية "الطاغية" كما سماه الثوار، سيمهّد لإقامة دولة ليبيا الديمقراطية التي تُحترم فيها الحريات المنتهكة ويستعيد فيها الفرد الليبي مجالات التعبير عن طموحاته ورغباته وانفتاق عبقريته لإقامة الدولة الحديثة.وبسرعة البرق انتهى كل شيء يرمز للقذافي وحتى أولئك الذين ساروا في ركبه لعقود، انقلبوا عليه ولبسوا عباءة الثورة والتمرد؛ إما تملقا للثوار أو عن قناعة حقيقية، والمهم بالنسبة للجميع أن الدولة الجديدة وضعت أولى خطواتها على طريق الخلاص والعهد الجديد.
ولكن هل حققت الثورة بعد عامين من حدوثها الشعارات التي رفعها كل من خرج ضد النظام المطاح به؟ وهو تساؤل جوهري بالنظر إلى حجم العاصفة السياسية والعسكرية التي خلّفها خروج أول المتظاهرين في مدينة بنغازي وانتقلت شرارتها إلى المدن الأخرى بسرعة النار في الهشيم.
ويتذكر الليبيون قبل غيرهم ذلك الخطاب التاريخي الذي ألقاه العقيد معمر القذافي، الذي هدد وتوعد بأنه سيلاحق من سماهم ب "الجرذان" في كل مدينة وشارع وبيت؛ منعا للإطاحة بنظامه، ولكنه أخطأ تقدير الموقف إلى غاية أن أصبح مطارَدا، وانتهى قتيلا في مسقط رأسه بعد أن شاء المنتفضون ضده ومعهم إصرار حلف "الناتو"، على الإطاحة به عكس رغبة القذافي، الذي لم يصمد وانهار بطريقة مأساوية في سياق رياح "ربيع عربي" عاصفة.
ولكن الذكرى بقدر ما أعادت صور زخم أحداث متسارعة فقد حتّمت العودة إلى الوقوف على وضع ليبيا ما بعد القذافي.
ويبدو أن متابعة متأنية لما عايشه هذا البلد من أحداث، أكدت أن من خلفوا العقيد فشلوا هم كذلك في تحقيق رهانهم بوضع أسس الدولة الليبية الحديثة التي لا صلة لها بالنظام السابق رغم حملات التطهير التي مست دواليب الإدارة الليبية من كل من له صلة به، وحتى التسمية ولون الراية الليبية لقطع الصلة مع نظام أصبح أشبه بمرض معدٍ يجب القضاء عليه اليوم قبل غد وبشتى السبل والوسائل.
ويكفي فقط استذكار الأحداث التي عرفتها وتعرفها مدينة بنغازي مهد ثورة السابع عشر فيفري، للخروج بخلاصة حول ما يجري في هذا البلد، وإسقاطه على كل مناطق البلاد الأخرى وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة.
فقد استفاق الليبيون على التفجيرات والاغتيالات النوعية التي تطال المسؤولين السابقين والحاليين، في مشاهد لم يألفوها ولكنها تحولت مع الأيام إلى ظاهرة عادية لم يعد أي أحد في منأى عن أذاها.
وهي ظواهر استفحلت بعد أن توفرت عوامل تجذّرها وسط فوضى سلاح الجيش الليبي المنهار، التي انتهكت ثكناته، وأصبحت ترسانة أسلحته في متناول أيٍّ كان؛ من أبسط مسدس إلى الرشاشات المضادة للطائرات وقذائف الهاون وصواريخ "صام 7"، مرورا بسلاح الكلاشنيكوف ورشاشات "أف. أم. بي. كا" وصواريخ "الار. بي. جي"، في مظهر تحولت معه كل ليبيا إلى ساحة حرب حقيقية ولكن بعدو غير ظاهر هذه المرة. وهو ما شجع أيضا على ظهور مليشيات مسلحة جهوية وعقائدية وقبلية، تموقعت كل واحدة منها في منطقة مناطق البلاد، وحصنت مكانتها في مواجهة الآخرين، مستمدة شرعيتها من مشاركتها في حربها ضد العقيد الليبي، وجعلها ترفض تسليم أسلحتها مخافة فقدانها امتيازاتها في أية ترتيبات سياسية قادمة.
وبدلا من أن يتحول هؤلاء "الثوار" إلى عامل وحدة لبناء ليبيا جديدة، فقد أصبحوا عبءا على سلطة انتقالية لم تتمكن من بسط سيادتها على مناطق البلد، بعد أن استحال عليها إعادة تكوين جيش ووحدات أمن نظامية، قادرة على فرض قوة القانون، وتحولت إلى سلطة من غير سلطة قرار.
وشكلت عملية اختطاف الوزير الأول علي زيدان لعدة ساعات من طرف مسلحين، صورة "كاريكاتورية"، لخّصت خطورة الانفلات الأمني والفراغ السياسي الذي تعيشه ليبيا، التي لم تتمكن من وضع أقدامها على أرض صلبة تؤهلها لتحقيق انطلاقة جديدة.
وتكون هذه الوضعية "الكارثية" هي التي جعلت عامة الليبيين يحيون ذكرى الإطاحة بالنظام السابق وسط أجواء من التشاؤم، بعد أن افتقدوا بصيص الأمل للخروج من نفق الوضع القائم الذي تكرس لعامين، ولا شيء يوحي بأنه قد يسير باتجاه تحسّن قادم.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)