الجزائر

مرفوعة إلى روح بشير حمادي!



مرفوعة إلى روح بشير حمادي!
لم يكن وقع الخبر سهلا، وأنا أقرأ نعيه على مواقع التواصل الاجتماعي، فكم كنت أحترم الرجل وأقدره، إنه بشير حمادي، الذي رحل فجأة ومن دون إنذار ولا مرض ألزمه الفراش.رحل بشير حمادي، رئيس تحريري السابق في جريدة المساء بداية التسعينيات، أيام التجربة الإعلامية غير المسبوقة من حيث سقف الحرية والمهنية.لم أعرف بشير إلا مبتسما ساخرا، ومحبا لجميع الزملاء، لم يضع أمامنا أبدا حاجز السن ولا الأقدمية المهنية، رغم أنه جاء إلى المساء من جريدة الشعب العريقة، حيث كان من الأسماء اللامعة في الصحافة المعربة والأقلام التي حفرت تاريخا مضيئا في هذه المهنة.كان يعاملنا باحترام، لم نعهده في غيره من المسؤولين، ونحن صحفيين مبتدئين، بل احتضننا كأب وكأستاذ، بالتوجيه والنصح والاقتراح، وكان يحسن الإصغاء إلينا، وإلى تساؤلاتنا التي لا تنتهي في تلك الفترة من بداية التجربة السياسية التعددية، وكنا وقتها نسارع لإعطاء الكلمة لكل من يريد قول شيء ما. كانت بداية التعددية أو بالأحرى بداية تحرير الألسن من الخوف، وكان البشير إلى جانبنا يؤطر ويوجه وينقل إلينا بكل محبة تجربته النبيلة في عالم الصحافة المعربة التي كانت تعاني الجحود والإقصاء.لم نعرف معه التحيز لفئة ما، ولا تعصبا لجهة، كان وطنيا حتى النخاع ومحبا للحقيقة، مشجعا للمبادرات الفردية، محترما لنا نحن النساء، لم ينظر إلينا أبدا بنظرة النقصان التي كانت تعاني منها صحفيات القطاع المعرب، كان يعاملنا نفس معاملة الرجال، بل يسند إلينا المهام الأكثر تعقيدا والتي تتطلب الشجاعة.تعلمت على يده الكثير، رغم أن مروره في المساء لم يتجاوز السنتين، ومع ذلك كانت من أجمل تجربتي المهنية في جريدة المساء، التي كانت وقتها تصنع التميز الإعلامي ومرجعا للأخبار الوطنية، وطنيا ودوليا.رحل بشير حمادي، الذي توقف قلبه يوم الأربعاء، وهو يرى المهنيين الحقيقيين يهانون، ويرى المهنة التي أحبها ودافع عنها وأضاف إليها الكثير بقلمه الصادق الجريء، تتحول في زمن الجحود إلى وكالات تجارية، حيث يباع شرف المهنة وشرف الصحفي وشرف الوطن في كثير من الأحيان.رحل وفي قلبه غيظ من تجارب قتلت في المهد وأخرى سرقت من أصحابها، وجزائر تقاوم السقوط، وأزمة أمنية قتلت الكثير فينا، وسجنت الأمل في غد أفضل للمهنة بيد دخلاء لا علاقة لهم بها، فغلب خزها على ماءها.رحم الله البشير حمادي، وألهمنا وأهله صبرا جميلا، وعوض المهنة بشرفاء من طينته.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)