الجزائر

مرض اسمه التلذذ.. بتعذيب المواطن



 سلطت، أمس، محكمة باريسية حكما يقضي بتغريم شركة النقل بالسكك الحديدية الفرنسية ومطالبتها بدفع تعويضات لأحد المواطنين، بسبب ضياع مصالحه جراء تأخر أحد قطارات الشركة عن الوصول في موعده المحدد. وللتوضيح، القضية رفعها محام بعدما حال تأخر القطار عن موعده دون وصوله إلى قاعة المرافعات للدفاع عن موكله ما كلفة خسارة قضيته. قد يكون قرار المحكمة في تغريم شركة قطارات باريس الأول من نوعه الهادف إلى حماية حقوق الزبائن والمستهلكين، وقد يكون الحكم دلالة على أن المواطن في الدول المحترمة، هو فعلا مصدر السلطة ولا شيء يعلو عليه. لكن ماذا لو طبقنا الواقعة على وسائل النقل العمومية والخاصة عندنا؟ الأكيد أن وزارة عمار تو ستجد نفسها مضطرة إلى بيع في المزاد العلني ما يوجد أمامها ووراءها لدفع الخسائر التي تتسبب فيها طائراتها وبواخرها وقطاراتها وحافلاتها، لأنه لم يحدث وأن وصل أي منها في موعده، وإن حدث فإنه علامة تضاف إلى علامات قروب الساعة.أبعد من ذلك، ماذا لو طبق التأخر عن المواعيد بالنسبة للمسؤولين الجزائريين؟ الأكيد أن الغالبية الساحقة منهم من المير إلى المدير، ومن الغفير إلى الوزير... سيتعرضون إلى شتى أنواع العقوبات والتعويضات لما يتسببون فيه من تعطل لمصالح الأمة ومن متاعب للمواطنين يوميا، لكونهم آخر من يصل إلى مواعيد العمل وأول المغادرين، لأنهم على قناعة بأنه لا من محاسب ولا من رقيب. لكن ألا يكون عدم مبالاة الجزائريين بمصالحهم وعدم تمسكهم بحقوقهم والدفاع عنها، هو الذي شجع المسؤولين والشركات في عدم احترام المواعيد وتطبيقهم لمقولة ''كل عطلة فيها خير'' التي أضحت القاعدة والدستور الذي تحتكم إليه وتسير عليه كل مؤسسات الدولة من أصغر بلدية إلى أفخم برلمان في البلاد. قد يكون ذلك جزءا من الحقيقة المرة، لكنها ليست كل الحقيقة، لأن منطق احتقار ''المواطن'' والتلذذ بذلك ليس سلوكا منعزلا أو مجرد تصرفات عرضية لدى مسؤولينا، بقدر ما هو مرض متفش وسياسة قائمة بذاتها، يجد فيها أصحابها نوعا من ''النشوة'' وهم يرون جزائريين مثلهم يعذبون في الأرض أمام الإدارات والبلديات والوزارات وحتى محطات نقل المسافرين. فمتى تنطق محكمة جزائرية بمثل ما أمرت به محكمة في باريس؟


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)