الجزائر

مرايا قضية ستروس - كان... الأخلاق الخاسر الأكبر



 تطرح قضية المدير السابق لصندوق النقد الدولي، دومينيك ستروس - كان، الماثل أمام العدالة الأمريكية، محطما مكسورا، مسألة الأخلاق في السياسة. وسواء كان مذنبا، أو ضحية وقع في حبال مؤامرة تريد النيل منه، ففي كلا الحالتين، الأخلاق هي الخاسر الأكبر. من منطلق وجود تواصل مستمر في الواقع بين الفضائل السياسية والفضائل الأخلاقية. باعتبار أن كلاهما ينتمي إلى مبادئ واحدة، فالفرد المسؤول سياسيا وأخلاقيا هو أفضل الحكام، والدولة المثلى علامة على الاتفاق البديهي بين السياسة والأخلاق. وعليه نجد أن الأخلاق والسياسة مبدأين لا تنحل إحداهما في الأخرى، وكلاهما يؤلفان نظامين مختلفين بطبيعتها لكن من الصعب نكران بعضهما، لأنهما يندمجان في منظومة تتبادل التأثير. كما أن كلاهما بحاجة للآخر. فالسياسة بدون أخلاق تؤدي إلى هدر القيمة الإنسانية. والأخلاق بدون سياسة يعني البقاء في المثالية المطلقة.
إن كان ستروس - كان مذنبا، وتصرف وفق ما لا يليق بمسؤول سياسي مثله، بل مثل إنسان سوي، فالأخلاق هي التي كانت غائبة في تصرف مدير مؤسسة مالية مثله، لم يتحلى بالفضيلة والاتزان، وأراد أن يستعمل نفوذه من أجل الاعتداء الجنسي على امرأة.
وفي حالة كونه ضحية، تعرض للدسائس ومحاولة الإطاحة به، نظرا لمواقفه التي تعارضها بلدان كثيرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، فالأخلاق مرة أخرى هي الخاسر الأكبر، إذ تم إبعاد خصم سياسي بفضل وسيلة دنيئة لا تمت بأي صلة لأخلاق السياسة.
والجميع يعرف مواقف دومينيك ستروس - كان، العضو البارز في الحزب الاشتراكي الفرنسي، الذي جاء للسياسة كرئيس لمدينة ''سارسيل'' بضاحية باريس، حيث يعيش خليط من الأجناس، وحيث تتعايش ثلاث ديانات هي المسيحية واليهودية والإسلام.
ويعد أحد الاشتراكيين الفاعلين القادرين على منافسة الرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي. وهو صاحب مواقف مناهضة للتصور الأمريكي. ولم يقبل يوما أن يتحول صندوق النقد الدولي لمؤسسة مالية تخدم توجهات الإدارة الأمريكية. ويقال إن الرئيس ساركوزي ساهم في وضعه على رأس هذه المؤسسة لكي يُبعده من الواجهة السياسية الفرنسية. فساركوزي لا يحب الخصوم ذوي الشخصية القوية، وهو ما يفسر المحاولات السابقة التي قام بها لتكسير خصمه اللدود داخل اليمين دومينيك دوفيلبان، الماثل بدوره أمام العدالة الفرنسية.
كان ستروس - كان يملك نظرة أوروبية لتسيير شؤون صندوق النقد الدولي. وتجلى ذلك من خلال رغبته في إخراج اليونان من أزمتها المالية للحفاظ على القوة الاقتصادية الأوروبية.
وبرز تصور سترو - كان في ظرف بلغت فيه الهيمنة الإمبراطورية الأمريكية نقطة حرجة، تتجلى في ارتفاع حجم الديون الخارجية، وتراجع الدولار الأمريكي، وبروز أوروبا كقوة مالية واقتصادية فاعلة.
أصبح ستروس - كان، خصما لأمريكا، ومناصرا لتصور أوروبي للعالم. وقبل أسبوع من وقوع حادثة الاغتصاب قال في تصريح صحفي، إنه يعلم بوجود أطراف تريد النيل منه. وقال بالحرف الواحد ''كأن يمنحوا فتاة خمسة آلاف دولار، لتصرح أني أردت اغتصابها''. وبالفعل ذلك ما جرى.
أصبحت السياسة منذ نيكولا ماكيافيلي تتصرف دوماً كما لو أن البشر كانوا على الدوام خبثاء وأشراراً، وأن القوة ضرورية لنجاح المشاريع السياسية، وأن فن القيادة يتضن فن الحرب والخداع. وعليه يجب على المرء أن يسلك سلوك إنسان مراوغ، وأن يستخدم المكر كالثعلب كلما وجد ذلك ضرورياً.

stcloudhamid@yahoo.fr 




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)