مرَّة واحدة ليست بكافية

بقلم: عماد فؤاد/ مصر
كفِّنوها عشرَ مرَّاتٍ.
مرَّةٌ واحدةٌ ليست بكافيةٍ
مرَّتان...
ثلاثٌ...
أربع...
خمسٌ أو سبعٌ ليست بكافيةٍ.
تكفيها عشرُ مرَّاتٍ
كي تختبئَ جيِّدًا من شمسِ الظَّهيرةِ،
ومن عيونِ الذين يمرُّونَ تحتَ النَّعشِ
وهم يحدِّقون
في خَطْوهم الهشِّ فوق ترابِ المقابرِ.
كفِّنوا هذه الرُّوحَ جيّدًا!
لفُّوها من رأسِها إلى أصابِعِ قدميها بكتَّانٍ مصريّ.
اضربوا ظهرَ كفِّها الصَّغيرةِ لو همَّتْ بالتَّملصِ منكم.
ضعوا إصبعَ السَّبّابةِ من يُمناكم متقاطعًا أمام شفاهِكم
كي تصمتَ عن الكلامِ.
قولوا لها أن تخْفِضَ من صوتِها
وهْيَ في حضرةِ هذا الجسدِ المُسجَّى
الذي جرجرتْه خلفَها عمرًا بأكملِه.
قولوا لها أن تتأدَّبَ
وأن تطأطئَ الرَّأسَ أمامَ هاتين السَّاقين
اللتين سحلتْهُما في مشاويرَ ملفَّقةٍ،
وألاّ ترفعَ عينيها في عينيه.
علِّموها أن تبجِّلَ هاتين العينين
اللتين أذبلَهما السَّهرُ والأرقُ والبكاءُ والكتابةُ،
وأن تقبِّلَ هذه اليدَ التي كتبتْ ما أملتهُ عليها دونَ مجادلةٍ.
قولوا لها أنَّها أفسدته بما فيه الكفايةُ
حتى صارَ عطنًا كثمرةٍ معطوبةٍ.
أرُوها معدتَه التي ربَّتْها على جوعٍ،
قلبَه الذي روَّضتْه كلبوةٍ
وجعلتْ منه حجرًا
لا ينحني أمام ندهةِ أمٍّ،
ولا يلينُ أمام نظرةٍ من عينِ أبٍ.
شدُّوا أذنيها كطفلةٍ شقيَّةٍ
وأنتم تغسِّلون شعرَها الطَّويلَ.
اجعلوها ترى الكدماتِ الزُّرقَ التي خلَّفتْها رعونَتُها
فوق قلبِه الباردِ.
جرُّوها من شعرِها
وأوقِفوها منكَّسةَ الرَّأسِ
وأنتم تعدِّدونَ على أذنيها أسماءَ الكدماتِ:
أرأيتِ؟
هنا كدمةُ الصَّفعةِ الأولى
هنا كدمةٌ من قرصةِ الوحدةِ
هنا كدمةٌ من عضَّةِ الذِّكرى
هنا كدمةُ الفشل في إنبات جناحين تحتَ ذراعيه
هنا كدمةُ الخروجِ من العتمةِ الدّافئةِ وفتحِ عينين كاملتين في شمسِ أكتوبر
هنا كدمةٌ خلَّفتْها امرأةٌ شدَّتْ شالَها من بينِ كفّيه وغابتْ
وهنا كدمةٌ من أثرِ أصابعَ “آدمَ" العشرِ..
قولوا لها
إنَّ مرَّةً واحدةً ليست بكافيةٍ
مرَّتين...
ثلاثًا...
أربعًا...
خمسٌ أو سبعٌ ليست بكافيةٍ.
تكفيها عشرُ مرَّاتٍ
كي تختبئَ جيّدًا
من شمسِ الظَّهيرة.
* شارك:
* Email
* Print