الجزائر

مذهب الواقعية عند الجاحظ:



مذهب الواقعية عند الجاحظ:
مذهب الواقعية عند الجاحظ:
الجاحظ في كتبه ورسائله كان شغوفاً بقضية الواقع، فهو في كتاباته لا يتستر ولا يتخفى حتى أنه يذكر السوءات والعورات في غير مواربة، أي أنه يذكر الحقائق عارية دون أن يسدل عليها أي ستار، أو أي حجاب. وقد دافع عن هذا المذهب، ورأى أن مَنْ يعدل عنه لابد أن يكون صاحب رياء أو نفاق، بل هو من أهل الصراحة، أو هو بمعنى أدق من أصحاب منهج الواقعية، الذين لا ينافقون، بل يصفون الأشياء كما هي في غير تحرج ولا تأثم حتى أنهم لا يخجلون من وصف بعض النزعات الجنسية. لأنهم يريدون أن يصفوا الحياة كما هي بدون تغيير، ولا تبديل ﺇلاَ في حدود التعبير الفني.
وهذه النغمة من الواقعية في آثار الجاحظ (كتبه ورسائله) أثرت في كتاباته آثاراً مختلفة، ولعل أول هذه الآثار، عنايته بحكاية عصره، وتمثيله تمثيلاً دقيقاً، بحيث تعد أعماله أهم مراجع تكشف لنا حقائق العصر، الذي عاش فيه، ﺇذ نراه يصور هذه الحقائق بكل ما فيها من طهر ووزر، ودين وزندقة، وجد ولهو، وبالغ في ذلك حتى أنه يروي كلام المجانين الموسوسين، وأهل الغفلة(40).
وهذه الواقعية جعلته يدقق بالفاظه، وخاصة اختيار ما يلائم الشيء الذي يصوره أو يصفه، الأمر الذي دفعه ﺇلى عدم الاهتمام بالتشبيهات والاستعارات، ﺇلا ما جاء عفو الخاطر، أو كان الغرض منه تمثيل الواقع.
والواقع أن الوصف السردي أو التَصوير، هو أهم تقنيات السرد الحديث، فالقصة تعتمد دقة التصوير، وهي دقة ترسم الواقع رسماً أمنياً، بدون تهويل أو مبالغة أو اعتماد على استعارات وتشبيهات.. وفي هذا السياق ذكر الكاتب الامريكي أفلاهرتي، استاذ القصة القصيرة في المدارس الأمريكية مقولة مهمة:" ﺇذا كنت تستطيع أن تصف دجاجة، وهي تعبر الطريق، فأنت كاتبٌ حتماً"(41).
وﺇذا كانت الواقعية عنصراً أساسياً في أعمال الجاحظ، فأنَ هناك عنصراً آخر أكثر أهمية في كتابات الجاحظ، وهو عنصر الاستطراد، فهو دائماً ينتقل من باب ﺇلى باب ومن خبر ﺇلى خبر، ومن شعر ﺇلى فلسفة، ومن جد ﺇلى هزل في تشعب هائل.
وباﻹضافة ﺇلى ما تقدم، فان للجاحظ في كتاباته عنصراً آخر أكثر أهمية، ألا وهو عنصر التلوين الصوتي؟، فقد عني الجاحظ بأصوات عناية تفضي ﺇلى ضروب مختلفة من اﻹيقاعات الصوتية، ولم يكن يستعين على تجميل هذه اﻹيقاعات بشيء من البديع وألوانه، بل كان يكتفي بها لتعبر عن كل ما يريد من جمال لأسلوبه، وليس معنى ذلك أنه كان يستخدم السجع أو أسلوباً مقارباً منه ويضاف ﺇلى هذا العنصر عنصرٌ آخر، هو عنصر التلوين العقلي، فقد كان يشفع كتاباته دائماً بضروب من الأفكار العقلية، وهي ليست تحسينات فنية في أصلها، وإنما هي تحسينات منطقية وفلسفية، وبمقدرته الفنية استطاع أن يحولها ﺇلى تحسينات فنية خالصة(42).


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)