قلعة صامدة لاتنال منها العصور
زيارة تلمسان لا تكتمل الا بجولة في المنصورة خاصة حي – امامة – الذي يعتبر القلب النابض لهذه المدينة الصغيرة التي شيدها الملوك المرينيون وهي حاضرة تاريخية وسياحية، حيث تستقبلك بقلعتها الشامخة المطلة على باب الخميس عندما تحط الرحال بها لأول مرة تكتشف أو تكشف بأنك في احدى المدائن الاندلسية انطلقنا من باب خميس وهو أحد الأبواب السبعة التي تشكل حصون أغادير (تلمسان القديمة) وهي لا تبعد عنها الا ببضعة كيلومترات.
تلمسان: عبد الرحيم مرزوق
عندما وصلنا وجدنا حضيرة التسلية مفتوحة وأفواج السواح يتقاطرون عليها من كل ولايات القطر، في مدخل الحضيرة يستقبلك التجار بمنتوجات يدوية وصور تذكارية للقلعة ومجسمات لهذا المعلم في غاية الجمال والدقة والتي لاتجد نفسك الا مجبرا على اقتنائها مهما كان ثمنها، والحقيقة أن المنصورة في حد ذاتها هي مدينة سياحية بما تحتوي من معالم وآثار وتصادف أناس وأنت تائه بين الأكوام المكدسة من المنتوجات اليدوية لاختيار ما تريد حمله معك، يريدون التقرب اليك لمساعدتك في التعرف على مدينتهم.
خرجنا من الحضيرة، وقصدنا القلعة، لم نكن نعرف أن الدخول الى مقام القلعة غير متاح بسبب أشغال الترميم، كان بعض السواح الاجانب يقفون وراء السياج مكتفين بمشاهدة الآثار من بعيد.
تقدمت من الحارس وهو شاب ثلاثيني يسهر على مراقبة كل حركة حول القلعة، يرد على الفضوليين بلطافة من وراء السياج أنه لن يفتح الباب، قدمت له نفسي أني صحافي وكشفت له (الشارة) التي وزعتها علينا اللجنة التنفيذية لمحافظة التظاهرة، فبادر بالاتصال بمسؤوليه هاتفيا، وما هي الا لحظات حتى عاد إلينا وقدم لنا اعتذاراته ودعانا للدخول، وفي نفس الوقت أخبرني بأنه لايوجد من يستطيع أن يشر ح لنا ويعرفنا على تاريخ القلعة لأن هذا الموقع في حالة ترميم.
عاودنا الخروج من القلعة واتجهنا صعودا الى مدينة المنصورة.
المنصورة محصنة وراء سور متين –
لم يبق من آثارها سوى بعض المعالم التي اندثرت بفعل الطبيعة،ويد الانسان فحتى القلعة في حد ذاتها تشوهت حسبما سمعناه داخل مدينة تلمسان على لسان بعض الناس الذين يهتمون بالتاريخ، وعندما نسأل عن القلعة نجد الجواب أنها في حالة ترميم، وأي ترميم – كما قال لنا أحد المواطنين الذي التقنياه في قصر المشور وهو عارف بخبايا هذه العملية، حيث اكتفى بالقول لو تركوا القلعة على حالها لكان أحسن.
مشينا في الطريق الى المدينة وهو شبه ترابي تكسوه بعض الاحجار، وصلنا والوقت لازال مبكرا فالناس لم يخرجوا من بيوتهم، كان الجو مغيما بعض الشيء، فقد كسى المنصورة لون شاحب،وما لا حظناه طيلة تجوالنا في دروبها أن الطيبة هي السمة التي تغلب على سلوكات الناس الذين لا يختلفون في شيء عن سكان تلمسان رغم أن التاريخ يروي بأن المدنيتين عرفت فيما مضى حروبا بين بني مرين وبني زيان وهو ما أدى الى إقامة باب الخميس الذي يسمى أيضا باب الجيش.
أما المنصورة فهي محاطة بأربع أبواب، هي (باب فاس غربا، وباب هنين شمالا ، وباب المجاز شرقا، وباب كان يصل القصبة بالفحص).
ويقول أحد المؤرخين أن المنصورة كانت تحتوي على أسوار ودور وقمامات وحتى المنتزهات البديعة، وإذا حاولنا استقراء التاريخ واجراء عملية اسقاط على الواقع الحالي، لا نستطيع تكذيب الروايات التي تداولها الناس منذ القدم عن المدينة فالزائر اليها اليوم ينبهر بالطبيعة التي تحيط بها وكذلك البناءات التي لم تخرج عن طابع العمارة الاندلسية والتي لاتختلف عن العمران الذي اشتهرت به أغادير (تلمسان القديمة)، وهي تتميز بكثرة الازقة التي كانت تسمى الدروب ولازالت تحتفظ بهذا الاسم، اما المساجد التي تحدثت عنها الروايات التاريخية فهي لازالت شاهدة بمناراتها حيث يوجد بجانب كل باب من الأبواب المذكورة مسجد يحيط به سور لازالت بقاياه موجودة حتى آلان يمكن مشاهدتها رغم أنها بقيت أطلال.
عناق بين التاريخ والحضارة –
الأطلال والعمارة الجديدة يقفان جنبا الى جنب في مدينة المنصورة، فحتى الحضيرة التي تستقبل زائريها على الطريق الرئيسي توحي لمن لا يعرف المدينة أنها مكسوة، بنمطين الأول يرمز الى الحقب التاريخية التي عاشت في كنفها المدينة والثاني يجسد العصر الجديد حيث يجتهد السكان في الحفاظ على النمط التقليدي بقدر المستطاع، فحتى الطرق بعضها غير مزفت حيث بقيت محافظة على الأحجار ما يعطيها منظرا جميلا وجذابا خاصة وأن البناء التقليدي الذي يميزها ينسجم مع روح العصر، وهو الشيء الذي يكسبها حقا مكانة مرموقة بين المدائن التي تحيط بأغادير شرقا وغربا.
الحياة بسيطة في المنصورة بساطة أهلها الذين يحبون العلم ويفتخرون بماضي مدينتهم على غرار التلمسانيين والندروميين وكل المدن التي ينتمي تاريخيا للدولة الزيانية التي تتميز بخصائص يذكرها المؤرخ والكاتب الجزائري الدكتور أبو القاسم سعد الله، بالقول عندما حط الرحال بتلمسان "جئت إلى تلمسان عبق التاريخ وعطر الفن والثقافة، فكل هذه الخصائص تجتمع في مدينة المنصورة التي لا تبتعد سوى ب12 كلم عن مدينة تلمسان.
الندارمة وبني ورسوس يتقاسمون المدينة
كنا نتحول بين الدروب، الدكاكين الصغيرة لا تختلف في شيء عن تلك التي شاهدناها في تلمسان، تنبعث من أحد المقاهي شيخ الفنانين "الحاج الغافور" مولاة السالف الطويل "فتذكرت ما قاله لين الأخوان بن يخلف، لحسن ولخضر" اللذين التقيتهما بهضبة لالة ستى وهم – الرمشي – أن سكان منطقة تلمسان يتشكلون من فرعين، بني ورسوس، وندارمة أي (ندرومة) وبالتالي فهؤلاء يتوارثون عاداتهم وتقاليدهم ويحافظن على تراثهم الفني، والشيخ الغافور الذي يعتبر أحد الرموز الفنية لمدينة ندرومة فإن شعبيته تمتد حتى خارج حدود بلدته الصغيرة إلى جهات أخرى من ولاية تلمسان حيث يتوزع السكان بين عدة جهات وينقلون معهم العادات التي توارثوها أبا عن جد فتجدها متداولة هنا وهناك في مختلف البلدان، ويقول الحاج لخضر في ذكر هذه العادات أن التلمسانبين لديهم ميزات عن باقي الأهالي مستشهدا بمقطع شعبي يردده الناس
"تلمسان زينة الفرسان
ماءها وهواءها
وتلحاف نساءها
ماينصاب في بلدان"
وقال أخاه الأكبر لحسن إن المدينة كانت ولازالت تحافظ على تقاليد المنطقة، وأورد بانهم كانوا ينتقلون من الرمشي إلى حي بودغن عبر ممر يصل المنصورة بأغادير والوسيلة المستعملة في التنقل هي البغال مشيرا بأن سرج العود والبغلة الأصلية بدأت تعود بقوة إلى حياة الناس ما يعني أن المنطقة لازالت محافظة ليس على مستوى البدو فقط فحتى المدن التي تعرف نهضة تنموية معتبرة على غرار تلمسان وندرومة ومغنية وغيرها من المدن التي تضمها ولاية تلمسان.
بعد جولتنا بالمنصورة، تركنا المدينة الصغيرة الهادئة، أخذنا المنحدر الذي يمر على "القلعة" لنستقل (الطاكسي) التي ستأخذنا إلى مدينة تلمسان، وكان الوقت قد تقدم، وكان عندنا موعد بدار الثقافة لمتابعة حفلة فنية، وذكرتني المرشدة الشابة أحلام تلمساني بمقطعين لشاعر قديم قالها حول بوابات تلمسان إذ قال:
"فإذا دنت شمس الأصيل لغربها
فإلى تلمسان الأصيلة فأدخل
من باب ملعبها لباب حديدها
متنزها في كل حفل أحفل"
ولكن نحن دخلنا على الباب الذي خرجنا منه في الصباح وهو باب الخميس الذي عاودنا المرور عليه، تاركين وراءنا المنصورة وقلعتها التي لم تبق تحمل من ملامحها سوى بعض البصمات بعدما كساها الحديد لإعادة ترميم الأجزاء التي تشوهت منها أو الأطراف التي تهدمت.
مالفت أنتباهنا في مدينة تلمسان وحتى الحواضر المحيطة بها، أن الناس يدخلون بيوتهم مبكرا حيث تغلق أغلب المحلات والمقاهي، وحتى وتيرة المرور تنخفض، وقيل لنا أن هذا من لعادات التي تميز عاصمة الزيانيين فالزائر الذي يتجول عبر شوارع المدينة ليلا حظ قلة الحركة ونقص المواصلات، ويقول أهل تلمسان أن مدينتهم كانت قبل العشرية الماضية جوهرة حقيقية ولكن الأعوام الصعبة التي مرت فرضت نمط جديدا على السكان، وهذا وضع أجتازته حتى المدن، الصغرى المحيطة بتلمسان مثل المنصورة التي تأثرت هي الأخرى بهذه الظروف، وربما أن هذا يعد عاملا قويا في تغير السلوكات والمعاملة، وطرح على المجتمع التلمساني المحافظ واقعا أجبروا على التأقلم معه.
وتبقى تلمسان رغم كل ما مر عليها هي جوهرة المغرب العربي.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 15/05/2011
مضاف من طرف : archives
صاحب المقال : النصر
المصدر : www.annasronline.com