الجزائر

مدارس تتحول إلى "سجون" وتلاميذ في مستنقع الإنحراف



يعد الالتحاق بالمدرسة حلما يتطلع إليه كل طفل صغير وأول خطوة له داخلها هي بداية مشوار طويل ومسار نحو عالم الشغل والنجاح، وهو ما وقفت عليه الأجيال السابقة، لتنقلب الآية ويصبح دخول التلاميذ إليها بالإكراه وكأنهم يقتادون مجبرين للمؤسسات العقابية، ناهيك عن الشجارات اليومية أمام بواباتها والتصرفات غير الأخلاقية في ساحاتها وحتى داخل الأقسام الدراسية.تشدك مناظر التلاميذ وهم يقفون أفواجا عند مدخل المؤسسات التعليمية بأطوارها الثلاثة يتشاجرون فيما بينهم ويتبادلون الألفاظ البذيئة في منظر تشمئز منه النفوس ولا يمت للتربية والتعليم بصلة، يحكي لنا والد أحد التلاميذ التقيناه أمام بوابة ثانوية في حسين داي، عن معاناة ابنه اليومية من تلاميذ يضايقونه يوميا بكلامهم داخل القسم فيرد عليهم، لتنشب معركة أمام أنظار المدير والمراقبين ولكنهم يلتزمون الصمت ولا يتدخلون، وفي حال اتخاذهم إجراءات عقابية فيكتفون فقط باستدعاء أولياء الأمور ويكونون في بعض الأحيان أسوأ من أبنائهم في سلوكياتهم وكلامهم.
أما أستاذة العلوم الطبيعية في ثانوية بوسط العاصمة، فأكدت لنا بأن الوضع داخل المؤسسات التربوية بات لا يطاق فلم يعد بوسع الأستاذ انتقاد تصرفات التلاميذ أو الصراخ عليهم، فلا يترددون في رد الصاع لهم صاعين وفي حال حصولهم على درجات سيئة يتوعدونهم بالضرب أو يقطعون الطريق عليهم، خصوصا بالنسبة للأستاذات الصغيرات في السن ولم يعد يسلم من هذه التصرفات حتى الرجال.
ومن بين السلوكيات المشينة التي استشرت داخل المؤسسات التعليمية تطلعنا الأستاذة كثرة الأفعال المخلة بالحياء، حيث باتت أشجار المؤسسة والأقسام مسرحا لها فيتجولون مع بعض في الفناء، كما تم ضبط العديد من التلاميذ متلبسين بهذا السلوك المشين وقد عوقبوا بإحالتهم على المجلس التأديبي، فيما يتم ضبط مقاطع فيديو مخلة بالحياء بصفة دورية داخل هواتفهم النقالة ولم تفلح العقوبات في كبح هذه التصرفات.
ويشتكي العديد من الأساتذة والمساعدين التربويين من صعوبة السيطرة على تلاميذ هذا الجيل، فهم يحدثون الفوضى ولا يتوانون عن الضرب واستعمال العنف بكل ما يقع تحت نظرهم من طاولات وكراسي وتوجيه اللكمات ضد زملائهم أو مدرسيهم والمشرفين عليهم، ويساعدهم في هذا البنية الجسدية التي يتمتعون بها، فمعظمهم خصوصا في الطور الثانوي كبار الحجم وحتى لو تم اتخاذ أي عقوبات أو طردهم يقوم أولياؤهم بتسجيلهم في مدارس خاصة.

الهروب من المنازل والانتحار لمواجهة الضغوطات المدرسية
وفي مقابل ما يحمله الأساتذة للتلاميذ من مسؤولية في تدهور المؤسسات التعليمية وتشوه سمعتها، يرى التلاميذ بأن ما يواجهونه داخل المؤسسات التعليمية من ازدحام في البرامج التعليمية وطول مدة التواجد في المدرسة يولد ضغوطات كبيرة عليهم، خصوصا وأن البعض منهم ليس بإمكانه التوجه لمسكنه لتناول وجبة الغداء فيتسكعون في الطرقات لحين بدء فترة الدوام المسائية، فقد تحولت المدرسة لما يشبه السجن خصوصا وأن أبواب دورات المياه تغلق بالمفاتيح ويمنع التلاميذ من الدخول إليها حتى في الحالات المرضية.
ومن الأمور المنفرة غياب المختصين النفسانيين وكثرة الضغوطات على التلاميذ، وهو ما تسبب في انتحار تلميذ من بريكة بولاية باتنة، الأسبوع الماضي، يدرس في الطور المتوسط، فقد رفض الدراسة بعد إعادته السنة مرتين، وكان يخجل من وجوده بين تلاميذ يصغرونه سنا، ويعاني من ضغوطات مستمرة من الأساتذة ليقرر الخلاص بوضع حد لحياته شنقا في منزلهم العائلي. وهناك مئات الحالات لتلميذ يفرون من المنازل بسبب إجبارهم المستمر على الالتحاق بمقاعد الدراسة دون علم أوليائهم لما يلقونه من سخرية الأساتذة وزملائهم.
ويجد التلميذ نفسه ضحية العنف في محيط المؤسسة التعليمية من قبل زملائه أو داخلها على يد الأساتذة، مثلما حصل مع تلميذ يبلغ من العمر 13 سنة، من ولاية خنشلة، متمدرس في الصف الثاني متوسط، تعرض للضرب على يد أستاذه، مما سبب له إصابات وجروح بليغة اضطر أطباء لإخضاعه إثرها إلى عملية جراحية مستعجلة.

بن زينة: ما يحدث هو نتيجة غياب أخلاق القائمين بالتربية
وحول الموضوع، دق رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ علي بن زينة، ناقوس الخطر محذرا من الفساد الأخلاقي الذي طال المؤسسات التربوية وبات يستهدف التلاميذ في مختلف الأطوار والدليل على ذلك اكتشاف حالات لتلميذات حوامل، وقد سبق للمنظمة مراسلة الوزارة لتحذيرها من خطورة الوضع وما يحدث في المؤسسات لكنها ظلت ساكنة بدون حراك.
وحمل بن زينة القائمين على التربية داخل الوزارة مسؤولية الظواهر والكوارث الأخلاقية التي يتم رصدها وتسجيلها يوميا في المؤسسات من هروب التلاميذ لتورطهم في الجرائم لانحرافهم أخلاقيا، خصوصا وأن الكتب التعليمية الجديدة تحمل دروسا لا تمت للتربية بصلة.
ويرى رئيس المنظمة الوطنية لأولياء التلاميذ أن الأفعال المخلة بالحياء والتي باتت تحدث في المؤسسات التعليمية سببها استقالة القائمين على التربية في الوزارة من مهامهم، فهم يريدون إفساد المدرسة وهو ما سمح ببروز ظواهر جديدة ودخيلة منها "المساومات"، فباتت المدرسات عرضة لمساومة المديرين والمفتشين للحصول على ترقيات والأمر ذاته بالنسبة لمسئولين في القطاع على المستوى المركزي وقد تلقت المنظمة شكاوي عديدة كمن مختلف الولايات تيارت، وهران، العاصمة، تيزي وزو.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)