الجزائر

مدار الاسبوع : احتفلات بالذكرى الخمسين للاستقلال… خوف من المستقبل ونذر حرب على حدود الجزائر



انقضى الأسبوع على وقع احتفالات مخلدة لذكرى استقلال مضى على لحظة ميلاده خمسون سنة كاملة هو عمر الدولة الجزائرية الفتية بعدما قوض أركانها الاستعمار وأصابها في مقتل غير أن الذكرى لم تمض دون أن تترك لدى الجزائريين بمختلف شرائحهم انطباعات متباية طغت عليها أسئلة تشدهم إلى المستقبل أكثر من الحاضر ومن باب أولى الماضي طالما أن هذا الاخير قد انقضى ولا يملكون تغييره بقدر ما يملكون تحمل مسؤوليته بحكم التضامن الوطني والانتماء إلى هذا التاريخ. كما مرت الاحتفالات بالذكرى الخمسين للاستقلال دون أن يشعروا أن غدهم سيكون أفضل من أمسهم ومستقبلهم أحسن من ماضيهم.
خاصة أن هذه الاحتفالات تزامنت هي الأخرى مع الانهيار في أسعار البترول وعودة هاجس ارتهان الاقتصاد الجزائري لمداخيل المحروقات، وهو ما دعا وزير الخزينة إلى الحديث عن إمكانية تبني الحكومة سياسة تقشفية ومع ذلك لم تجد هذه الأخيرة غير تكذيب الدعوة إلى التقشف والإمعان في سياسة شراء السلم الاجتماعي بدل التفكير بجد في ما أصاب الغرب من أزمة لاتزال تتعقد ولا يبدو أن الخلاص منها قريب.
وفي مقابل انهيار أسعار البترول وما يمكن أن تكون له انعكاسات على الجزائريين، لم تجد الحكومة من سبيل للاحتفال بالذكرى الخمسين للاستقلال إلا بإضرام النار في المال العام من خلال مفرقعات وألعاب نارية دوت سماء الجزائر ليلة الأربعاء إلى الخميس في جميع ولاياتها التي شهد معظمها كذلك حفلات راقصة أشهرها الحفل الذي أثار الجدل منذ شهور واحتضنته عنابة، إذ لم تغن إليسا إلا لنفسها على خشبة أوهمت فيها الجزائريين الذين منحوها ما يقارب المليار سنتيم أنها تغني.
وغير بعيد عن الاحتفالات بالذكرى الخمسين للاستقلال تواصلت الاحتفالات والزغاريد بنتائج البكالوريا وشهادة التعليم المتوسط رغم التراجع في نسبة النجاح، غير أن ذلك لم يمنع بن بوزيد وزير القطاع في الإسراع إلى تبرير نتائجه بارتفاع مستوى تلاميذ لم يدرسوا أكثر من نصف المقرر الدراسي قبل أن يدخلوا في عطلة شأنهم شأن النواب الجدد باختتام الدورة البرلمانية على وقع تطمينات الرئيس الجديد للبرلمان، حين راح ينفي بأن الحزب العتيد سيهيمن على كل مواقع المسؤولية وكأن الامر ليس كذلك. وإذا كان البرلمان بغرفتيه قد دخل في عطلة مدفوعة الأجر فإن جنود الجيش الوطني الشعبي في الحدود الجزائرية المالية لا يعرفون الراحة أمام المخاطر التي تحدق بالجزائر في منطقة رمال متحركة على وقع قرع طبول حرب تحرك خيوطها دول غربية لها مصالح كبيرة في منطقة الساحل، إذ تبقى الجزائر ترابط من أجل الحل السلمي السياسي في هذا البلد الشقيق المرشح ليكون مسرحا لتجارب غربية قد تعصف باستقرار المنطقة.
عبد السلام بارودي
ذكرى الاستقلال……بين المبنى والمعنى
عاشت الجزائر نهاية الأسبوع الماضي، ذكرى «الحدث الأبرز» في تاريخها المعاصر، ألا وهو استرجاع السيادة الوطنية على ربوعها الواسعة، التي ظلت طيلة 132 عاما ترزح تحت نير الاستدمار الجائر، الذي تشدق أزلامه الفرنسيون بنقل الحضارة والتمدن إلى حاضرة الشعوب البدائية المتخلفة. 05 جويلية كان يوما مميزا فلكلوريا وإعلاميا ونشطويا، احتل فيه الحديث التاريخي والنقاش السياسي وإبراز إنجازات الدولة الوطنية، صورة المشهد العام، لكن «جدلية النجاح والإخفاق» في تحقيق أهداف «الثورة المعجزة» في مسار البشرية الحديث، ما تزال تلازم خطابات النخب وتحليلات المهتمين بدراسة الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي، وحتى عموم المواطنين من مختلف الأجيال التي أصبح يستهويها كثيرا تجاذب أطراف الكلام في تقييم مسيرة الخمسين عاما من عمر الدولة المستقلة، بين مادح مبالغ، لسانه لا ينهل إلا من قاموس الافتخار والمناقب وتلميع الماضي والحاضر والتفاؤل المفرط بمصير المستقبل، وبين ناقد ناقم لا يرى من منجزات الفخر وصنيع الآباء والأجداد إلا مواطن الزلات ومخالب الفشل، يسكنه الخوف من المجهول، لأن شيطان اليأس والقنوط قد استبد بقلبه وعقله، حتى راوده «الكفر» بعبقرية الشعب وعظمة الثورة التحريرية. وبين الإفراط والتفريط، تفرض الموضوعية التاريخية والدراية بسنن التحولات الحضارية وبناء الدول وقيام الأمم، أن تحتفي أجيال الجزائر بعيد استرجاع الاستقلال الذي ناله سلفها بأنهار من الدماء الزكية، التي أجبرت جيوش الغاصبين على جر أذيال الهزيمة النكراء، فوق جماجم قوافل بالملايين من الشهداء الأبرار، كما يحق لها أن تفاخر أمام شعوب المعمورة بمكاسب الثورة التي شيدت الجامعات والمدارس والمصحات وشقت الطرق والبنى التحتية الشامخة، وسمحت بتمدرس 8 ملايين تلميذ والتحاق قرابة مليون ونصف مليون طالب بمدرجات العلم والمعرفة، لكن في المقابل وجب أن تستمر الجهود وتتضافر الإرادات لتستكمل المسيرة حتى تبلغ الثورة هدفها الأسمى وهو «بناء دولة ديمقراطية واجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية»، تلك الدولة التي تم تأويل منطوقها وفق أيديولوجيات السلطة السياسية في البلاد، ونهجها في الحكم، عبر مراحلها المختلفة بداية من صيف 1962، حيث أريد لها أن تفسر بمفهوم الديمقراطية الاجتماعية والعدالة الاشتراكية والتعددية الحزبية، دون أن تكون تلك الشعارات محل إجماع ولا توافق بين مكونات المجموعة الوطنية، وعلى رأسها رفاق الدرب الثوري. وإذا كانت مخلفات الاحتلال بكل سيئاتها وتراكماتها وتناقضاتها، وما تلاها من صراعات «سلطة وهوية وأيديولوجيا» في ظل واقع عربي هزيل، قد برر إلى حد ما تشكل الدولة الناشئة على أركان هشة تفتقد لمقومات القوة والاستقرار والازدهار، بيد أن حجم التضحيات التي قدمها شعبنا الأبي وحصيلة التجربة المريرة التي اجتازها وطننا الجريح وطبيعة التحديات التي تلف بنا من كل جانب، مسنودة بمكامن العبقرية التي تميز شعبنا الصبور وشبابنا الجسور، تقضي بضرورة التجسيد الفعلي لدولة الحق والقانون القائمة على سلطة الدستور والمؤسسات التي تنبثق عن إرادة الشعب الحر، دولة قوامها المواطنة في الحقوق والرشادة في الحكم والتسيير، تتعلق بجذورها الأصيلة وتنفتح على العالم الإنساني، تنقلنا من شرعية الثورة إلى شرعية الديمقراطية حتى تستجيب لتطلعات المواطنين وفق ما يمكن أن يكون، بناء على القدرات والرهانات، وننتهي من عصر ساد فيه شعار «ليس في الإمكان أبدع مما كان». عثماني عبد الحميد
الجندي المجهول
ونحن نحتفل بعيد الاستقلال في ذكراه الخمسين، كان في ودنا أن نتناول مسيرة شخصية وطنية مرموقة من قامات هذا الوطن الشامخ، لتبقى سيرتها سراجا متقدا ينير طريق الأجيال العاشقة لثرى الأرض الزكية، على درب الوفاء والاستمرارية في بناء الجزائر الموعودة، وفق ما حلم بها شهداؤها الميامين وأبطالها المجاهدون في غرة نوفمبر من عام 1954، فلم نجد أفضل من تقديم شخصية ذلك «الجندي المجهول» الذي ملأت بطولاته الأسطورية وملاحمه الخيالية دنيا الناس وشغلت مسامعهم، من دون أن يجدوا له «أثرا ماديا» بينهم، ليس لأنه «بطل» من وحي الخيال أو من نسج التراث الغابر، بل لأن «شهداء الجزائر» أكبر من أن تحصيهم الألسن وبعض ثوارها الأشاوس تسمو أرواحهم العلية فوق متاع الحياة، فلا تراهم العامة في المحافل الرسمية ولا تعلق أسماؤهم على قائمة المستفيدين من عطايا دولة الاستقلال. في جزائر الجهاد والمقاومة والثورة التحريرية المظفرة، منذ وطئت أقدام الصليبيين الأنجاس تراب هذه البلاد المحروسة، تجند الشعب الثائر عن بكرة أبيه يكافح في سبيل حريته المفداة، فنفروا صغارا وكبارا، رجالا ونساء، متعلمين وأميين، شبابا وشيوخا، في الداخل والخارج، ذودا عن حياض الجزائر الطاهر وطردا لأشرار الاستدمار الغاشم، نهضوا بكل إخلاص وتفان، وحب الوطن يحذوهم، دون أن يطلبوا من أحد جزاء ولا شكورا، أو يطمعوا في مغنم زائل، تعويضا عن مغرم جائر
تكبدوه من أجل نيل الكرامة المسلوبة، من هنا تولدت فكرة «الجندي المجهول» في الجزائر، فهو ذلك الرجل الذي وهب نفسه رخيصة، ليحمل روحه على أكفه قربى لانعتاق شعبه الباسل، باذلا كل غال ونفيس فداء لمجد الوطن الأسير، عددهم بالملايين ممن لم تحصهم الأرقام الرسمية ولم توثقهم سجلات التدوين التاريخية، لم تخلُ حقبة من ليل الاستعمار الحالك من مآثرهم العظيمة ومناقب تضحياتهم الجليلة، لم تعرف أسماؤهم ولم تعلم قبورهم، ولكن نفحات أرواحهم الخالدة ظلت عبقا يعطر أريج الجزائر الندي على مر العقود الحبلى بالبطولات المكللة بالنصر المبين، وخلدت قصصهم مقدسة في نفوس الناشئة، وأزهرت أمانة عهدهم شجرة وفاء في قلوب الأجيال اللاحقة، بعدما كبرت هممهم النقية في عيون أبناء الوطن البررة، حتى وضعوهم في مراتب الأنبياء والصالحين. الجندي المجهول قصة «شهيد» أفضى إلى ربه، فمضى في مشواره نظيف السريرة ناصع السيرة، حتى أدى أمانة السلف وبلّغ الرسالة للخلف، بعيدا عن ضوضاء الكراسي وأضواء المجالس، هؤلاء الذين يشكلون «جيشا احتياطيا» من ذخائر هذا الشعب المغوار، ولو فتح سجل الشهداء والمجاهدين الذي لم يضبط بعد 50 سنة من استرجاع السيادة الوطنية، فربما تغيرت كثيرا من معالمه، ليتوشح بنياشين أصيلة، وقد تسقط منه بعض الألقاب المصطنعة.
عثماني عبد الحميد
تصريحات الاسبوع
«يسر الجزائر أن ترى رغم بعض التقلبات والاضطرابات المسجلة أحيانا بصفة متكررة، في تسيير العلاقات الجزائرية الفرنسية، هناك حيوية جديدة تطبع اليوم العلاقات البينية، يجب على الجزائر وفرنسا السمو فوق صعوبات الماضي من أجل إعطاء خطواتنا أرضية صلبة تصمد أمام أطوار الزمن واضطرابات التاريخ، وعدم إدارة الظهر للهدف الرئيسي الذي يصبو إلى تطوير علاقاتنا، أؤكد وفق أفق تاريخي وليس فقط أفق ظرفي».
عبد العزيز بوتفليقة
«إن الجزائر تحيي يوم 5 جويلية 2012 ذكرى نهاية كفاحها الطويل من أجل الاستقلال، لذا فإن الفرنسيين يشاطرون كل الجزائريين فرحتهم بمناسبة الذكرى الخمسين لميلاد الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، لقد استمعت لندائكم يوم 8 ماي الفارط إلى قراءة موضوعية للتاريخ بعيدا عن حروب الذاكرة والرهانات الظرفية، فأقول إن فرنسا ترى أن هناك اليوم مكانا من أجل نظرة حكيمة ومسؤولة نحو الماضي الاستعماري الأليم، وفي نفس الوقت التقدم بخطوة واثقة نحو المستقبل».
فرنسوا هولاند
«جبهة التحرير الوطني لن تزول، وليست حزب البعث العراقي أو حزب بن علي التجمّع الدستوري في تونس، ولا حزب مبارك الحزب الوطني في مصر، حزبنا أنشئ ببيان أول نوفمبر ولا أحد غيرنا من الأحزاب السياسية يحوز هذا الشرف، لا أحد يمنّ على الجزائر بتحقيق استقلالها، لكننا مازلنا محل أطماع الغرب ومازلنا هدفا لمؤامرات، وصراعنا مع الخارج صراع وجود، وعلينا أن نحذر من أن نأكل خبز الذل بعد 50 سنة من الاستقلال والسيادة».
عبد العزيز بلخادم
«جزائر الاستقلال كان في مقدورها أن تؤسس نظاما أحسن، رغم أنه لم يكن ممكنا أن تتجه الثورة نحو نظام رأسمالي أو رجعي كلاسيكي، حيث كان تصور الدولة الثورية الحقيقية من أسباب الشقاق خلال الثورة وبعدها، لقد بقيت بلادنا مرتبطة بفرنسا من خلال تبني اللائكية التي لا تساعد الشعب الجزائري الذي كان في صراع مباشر مع الاستعمار، ودخل وقتها في صراع آخر مع مخلفات الاستعمار، إذ وجدنا غداة الاستقلال من يقول دعونا من الإسلام، وهم يجهلون القيم الحضارية للإسلام».
أحمد مهساس
«إن عظمة الثورة التحريرية المباركة، التي كللت بفرحة الشعوب الإسلامية كلها بعودة الجزائر إلى محضنها العربي الإسلامي بعد هيمنة استعمارية امتدت إلى 132 سنة لم تنبثق عنها دولة وطنية قوية ذات شرعية شعبية متحررة من إكراهات واقع ما بعد الاستعمار، لذلك لم تكن الدولة بمستوى عظمة التضحيات الجسام التي قدمتها الحركة الوطنية وثورة نوفمبر وقوافل الشهداء ومآثر الجهاد والمجاهدين، لأسباب كثيرة صارت اليوم جزءا من التاريخ لأنها كانت محكومة بظروفها».
أبو جرة سلطاني
«بعد خمسين عاما من الاستقلال لم يتمكن الجزائريون من ممارسة حقهم الجماعي والفردي في تقرير مصيرهم، إذ إنه بعد مرور نصف قرن فالديمقراطية لم تولد بعد في الجزائر، رغم أن نضال الجزائريين والجزائريات كان مثالا للعالم كله، لقد كانوا يقاتلون من أجل حريتهم وكرامتهم، ولكن أيضا من أجل تحررهم الاجتماعي، لكنه وبعد مرور 50 عاما لم تتحقق بعد المثل العليا للثورة التحريرية.»
علي العسكري
«أعتقد أن استمرار الشرعية الثورية غير وارد بالنسبة للأغلبية الساحقة من الجزائريين الذين ولدوا بعد الاستقلال، ويريدون، بكل تأكيد، إنتاج شرعيات جديدة لا تعتمد على الماضي، مهما كان هذا الماضي، بل تعتمد على الحاضر، وعلى منجزات العصر، علما أن الإفراط في استعمال هذه الشرعية، التي كانت إيجابية في مرحلة سابقة، ولم تعد كذلك، هو إهدار لقيمها وتشويه لصورة جيلها الذي يمثلها، تماما مثلما أن استعمال الدين في السياسة يشوه الدين نفسه، ولا يفيد السياسة».


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)