اقترح مخرجون وممثلون وكتاب ومسرحيون، إنشاء لجنة تضم مختصين وأساتذة في المسرح ونفسانيين، لتنقيح العروض الموجهة للطفل، ودعوا لإدراج الخرجات البيداغوجية للمسرح في المنهاج الدراسي، لاعتباره وسيلة تربوية تثقيفية تهذب الذوق العام وتساعد في تحفيز الطفل وتجديد طاقته وتحسين قدراته التركيزية وذاكرته، كما تكشف عن ميولاته، فيما يجده أولياء في المسرح، فسحة ممتعة تخلص الأبناء من التوتر النفسي وتضبط سلوكياتهم.استطلاع: أسماء بوقرن
انطلق مع بداية العطلة الشتوية، برنامج العروض المسرحية الموجهة للطفل، على مستوى مسرح قسنطينة الجهوي الحاج محمد الطاهر الفرقاني، وكذا قاعة العروض الكبرى أحمد باي، أين يلتقي الأطفال للاستمتاع بمشاهدة عروض متنوعة، يجدها أولياء متنفسا للأبناء للتخلص من ضغط الامتحانات، من بينهم السيدة نورة التي التقتيناها خلال تقديم عرض "مفاتيح الحكيم" بالمسرح رفقة أبنائها وصديقتها التي اصطحبت هي الأخرى أطفالها، حيث قالت نورة بأنها ليست المرة الأولى التي ترافقهم فيها للمسرح، بعدما اعتادت زيارته في العطل المدرسية، وترى بأن له دور كبير في تهذيب سلوك الطفل كما تعتبره فضاء لتفريغ الشحنات السلبية عند التفاعل مع مشاهد العروض، التي أصبحت تُقدم في قالب أكثر تشويقا يعتمد على مؤثرات متطورة تُنشط الخيال وتشده أكثر لمتابعة العرض.
هذا ما تراه أيضا صديقتها آسيا، حيث إن قالت المسرح مفيد للصحة النفسية للطفل، وتجد في تنمية الحس الثقافي لديه ضرورة، إذ يجب تغذيته بالزيارات للمؤسسات الثقافية والإطلاع على ما تخفيه، ناهيك عن مشاهدة المسرحيات لدورها في تنشيط الذهن وشحذ الخيال، وتعليمه اللغة ومخارج الحروف وكيفية نطق الكلمات بشكل صحيح وكذلك تنمية المهارات الحسية والحركية، مشيرة إلى أن العروض تترك أثرا في الطفل، وهو ما لاحظته من خلال إعادة تمثيل مشاهد العرض وتكرار بعض المصطلحات والأغاني التي تحمل الكثير من العبر، منها عرض "مفاتيح الحكيم" الذي سبق وأن شاهده أبناؤها، وبمجرد إعادة برمجته مع بداية العطلة أصروا على مشاهدته مجددا، حيث يمرر رسائل توعوية تربوية هادفة بطريقة ممتعة، ويبرز قيم الخير والشر، والوفاء.
* الكاتب والمخرج المسرحي صلاح الدين تركي
وضع حد للعروض الهابطة بات حتمية لحماية أبنائنا
يرى المخرج والممثل وكاتب النصوص المسرحية خاصة منها الموجهة للطفل، صلاح الدين تركي، بأن للمسرح دور مهم جدا في بناء شخصية الطفل، ومن الوسائل التربوية والتعليمية التي تضمن وصول المعلومة وترسخها في ذهنه، لما يحمله من قيم تربوية وأخلاقية في قالب مليء بالمتعة والفرجة، كما يساعد على التخلص من التوتر والضغوط النفسية وينمي الحس الجمالي والفني، غير أن أولياء يجهلون أهميته ويحرمون أطفالهم من الاستمتاع أمام الركح.
وقال تركي، بأنه يرتدي عدة قبعات مسرحية تنوعت بين التمثيل والإخراج وكتابة النصوص، خاصة الموجهة للأطفال، والتي قدم الكثير منها، سواء مع المسرح الجهوي محمد الطاهر الفرقاني كعرض "قم للمعلم" و"مفاتيح الحكيم" و"غرور الصرصور"، أو المقدمة في إطار تعاونيته الثقافية "الماسيل"، وذكر منها "أحلام نور" و"صديقي العفريت" ناهيك عن عروض ثورية، يتمحور بعضها حول مشاركة الطفل في الثورة التحريرية، والتي تحمل رسائل تربوية تاريخية تثقيفية.
ويرى المسرحي بأن الكتابة للطفل صعبة جدا، لهذا نجد أن النص المسرحي يختلف عن أنواع النصوص الأخرى، ناهيك عن تنوعه، حيث يحمل قيم تربوية أخلاقية، لغرسها في الطفل تنبذ في المقابل بعض السلوكات المشينة، وأخرى تركز على الجانب التعليمي وتجمع بين التعليم والمتعة لتقديم معارف في قالب مسرحي يُسهل استيعابها، وترسيخها.
وأشار تركي إلى أن هناك نصوصا جامعة تقدم رسائل تربوية وأخلاقية واجتماعية ووطنية في عرض واحد، لغرس عدة قيم منها حب الوطن والوفاء لتضحيات الشهداء وغيرها، مشيرا الى وجود عناصر مهمة تدعم محتوى العرض وتكمله، تتجلى في تحويل المفردات المكتوبة إلى عناصر بصرية محسوسة، وفي أداء الممثلين، والديكور، والمؤثرات صوتية، والإضاءة.
وحث المخرج، على ضرورة مراعاة سيكولوجية الطفل في كل ذلك، واعتماد لغة المسرح وهي اللغة الثالثة التي تعتبر مزيجا بين العربية الفصحى والدارجة، بحيث تكون لغة بسيطة تُسهل فهم الرسائل المتضمنة في العرض، مع منع استعمال ألفاظ الشارع ومصطلحات الفرنسية، ناهيك عن مراعاة الفئة العمرية المستهدفة، ومن المفترض، حسب محدثنا، أن تصنف العروض حسب كل مرحلة عمرية، حيث أن هناك أعمالا تقدم خصيصا للفئة التي يتراوح سنها بين 4 و 10 سنوات، وأخرى للفئة من 10 إلى 14 سنة، لكن ما هو معمول به ببلادنا هو تقديم عروض موحدة تناسب شريحة الأطفال ككل.
وعن مدى أهمية المسرح للطفل، خاصة في فترات العطل المدرسية، أكد محدثنا بأن ذلك مهم جدا للطفل خاصة في الفترات الموالية للامتحانات، أين يكون في حالة إرهاق وتوتر نفسي، خاصة في ظل الضغط الذي أصبح يتعرض له من قبل الأولياء، في حين أن المسرح هو وسيلة للترويح عن النفس والتخلص من الطاقة السلبية.
وينصح المتحدث بعدم تغليب المحتوى التعليمي العلمي على المحتوى الترفيهي، وخلق نوع من التوازن الذي يضمن المتعة للمشاهد، داعيا لضرورة استحداث لجنة تضم أساتذة ومسرحيين ونفسانيين وممتهني فن المسرح، لتصفية العروض المقدمة، كما أبدى أسفه لتقديم عروض وصفها بالسيئة ولا ترقى، كما قال، لتقدم فوق الخشبة أمام فئة حساسة، لما تتضمنه من ألفاظ "سوقية" وموسيقى صاخبة تؤثر سلبا على نفسية الطفل وتنمي العنف لديه، داعيا لتقديم دورات تكوينية ترقى بمستوى مسرح الطفل.
* المخرج والكاتب داودي سرحان
الممثل المسرحي ليس مهرجا والتكوين والخبرة مهمان
قال المخرج والممثل وكاتب النصوص، داودي سرحان، بأن مشاهدة العروض والتردد على المسارح، يضمن تنشئة سليمة للطفل، ويرى بأنه ضرورة لا يمكن التخلي عنها، متأسفا لحرمان شريحة واسعة من التعرف حتى على هذا المرفق، ما تسبب في جهل الكثير بوجود المسرح، وأدى لترسخ أفكار خاطئة لديهم كاعتقاد أن الممثل المسرحي هو نفسه المهرج الذي أصبحت تعتمده بعض المؤسسات التربوية لصنع الفرجة، نتيجة تقديم هذا النشاط بطريقة خاطئة، بما يستدعي تكوينا وسنوات من الخبرة على الخشبة، كما يتم اعتماد موسيقى صاخبة تشكل خطرا على الطفل.
ويرى محدثنا، بأن مشاهدة العروض في المسرح على خلاف مرافق أخرى، أمر مهم جدا، حيث يساعد في تعرف الطفل على خصوصية المرفق الثقافي، كما يلقنه قواعد الانضباط، مشيرا إلى العناصر التي يتوجب مراعاتها عند كتابة وإخراج عروض وحتى عند أداء أدوار، تكمن في عنصر التشويق الذي يعده ضرورة لشد انتباه المشاهد الى نهاية العرض، حيث يجب أن يضع الكاتب النص في قالب تشويقي بسيط وممتع لينجح في الاستحواذ على اهتمام المتلقي، مع اعتماد أسلوب البساطة في المضمون ووضوح الفكرة لإدراكها بسهولة، مع انتقاء المفردات بعناية وتجنب الألفاظ الجافة، وتنمية الخيال لدى الطفل ليبني تصوره الخاص ويسافر في عوالم الإبداع التي قد توقظ مواهب كامنة لديه.
وأوضح المخرج داودي سرحان، الذي مثل في عدة عروض خاصة بالطفل، بتعاونية الطاسيلي، بأنه كتب عدة نصوص موجهة للطفل، ذكر منها "الفقير والغني" و"الحكيم دويان" و " شجرة الحياة" و "المهرجون"، مشيرا إلى أنه يستوحي فكرة عروضه أحيانا من مسرحيات أجنبية وعربية مع مراعاة الخصوصية المجتمعية، فيما يفضل في كثير من الأحيان كتابة العروض بنفسه بما يتلاءم والتغييرات المجتمعية والظواهر والسلوكات الجديدة المنتشرة، مع مراعاة الفئة العمرية، فمثلا عرض "المهرجون" خصصه للشريحة ما بين 3 و9 سنوات" أما عرض "شجرة الحياة" فخصصه للفئة التي يزيد سنها عن 5 أعوام، وأبرز من خلاله عدة رسائل منها أهمية الأشجار، مردفا بأنه عرض مستوحى من قصة إفريقية، حيث يحاول من خلال نصوصه أن يشمل مختلف الفئات العمرية، ويراعي كذلك المرافقين للأطفال سواء كانوا أولياء أو أشقاء، لكي يخصص لهم مساحة من العرض.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 25/12/2023
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : أ
المصدر : www.annasronline.com