الجزائر

مخاطر حقيقية تُهدد مستقبلها..!



تساؤلات عديدة تطرح نفسها بإلحاح ونحن نتابع أجواء التوتر المتصاعد في مصر والانسداد الذي ينذر ليس فقط بدخول أرض الكنانة في مأزق سياسي، بل وبوقوع المحظور وهو اندلاع نزاع طائفي وفتنة بين أبناء الشعب الواحد تأتي على اليابس الذي خلفه نظام الرئيس المخلوع، وذلك لجملة من الأسباب الموضوعية الناتجة عن التغيير التاريخي الذي شهدته البلاد، إثر تنحية الرئيس حسني مبارك الذي ظل يحكم مصر بقبضة من نار وحديد لأكثر من ثلاثة عقود، وعوامل طفيلية عديدة يفرضها لصوص الثورة والثروة الذين يأكلون على جميع الموائد ويرقصون على جميع الحبال ويستغلون الفراغ السياسي وحساسية المرحلة الانتقالية ليزجوا بالبلاد في دوامة الفوضى والعنف والتوتر الطائفي حتى يحققوا مآربهم الخاصة.لما لحقت لعنة التغيير بفرعون مصر وسقط نظامه تحت ضغط ميدان التحرير، اعتقد الجميع بأن المستوى الحضاري الرفيع الذي قاد به شباب مصر ثورتهم، سينعكس حتما على المرحلة القادمة، وبأن أمّ الدّنيا ستعرف كيف تقود السفينة الى بر الأمان لإقامة نظام ديمقراطي تعدّدي حقيقي تصون فيه الأغلبية حقوق الأقلية ولاتدوسها.
وستعرف كيف تعيد بناء الاقتصاد على الأسس السليمة وتحارب التفاوت الطبقي والخلل المقصود في توزيع الثروة كما ظل سائدا طيلة العقود الماضية والذي خلق أقلية ثرية متنفذة متحكمة في دواليب السلطة وأغلبية فقيرة مستعبدة تعيش الذل والمهانة وتموت حرقا في قطارات الموت المهترئة أو غرقا في عبارات قاتلة أو ردما في عشوائياتها البائسة وبينهما صنع شرخا من الحقد والغل والكراهية والذي أصبح بمثابة القنبلة الموقوتة القابلة للانفجار في أيّ وقت ولأيّ سبب.
لقد كان الجميع يتوقع بأن مصر مثلما استطاعت أن تصنع ثورة نظيفة ناجحة في ظرف وجيز بإمكانها أن تحقق التغيير المنشود بأقل الخسائر وفي زمن قياسي، وأقصى ما كان جلّ المراقبين يخشونه هو أن يظهر تباين حادّ في وجهات النظر حول التوجّه السياسي للنظام الذي سيعتلي سدّة الحكم، لكن الذي حصل أن الزمن، توقف بمصر في 25 جانفي 2011 والذين صنعوا الثورة وأولئك الذين ركبوا قطارها بعد أن انطلق وأصبحوا يتحدثون باسمها ولبسوا عباءتها، رفضوا مغادرة ميدان التحرير الذي حولوه الى ميدان لتعجير القيادة العسكرية التي تقود البلاد خلال المرحلة الانتقالية بمطالبهم التي وإن كانت مشروعة، فإن إصرارهم وتمسكهم باستعجال تطبيقها جعلها بمثابة التشويش على المجلس العسكري الذي وجد نفسه تحت ضغط شديد يفرضه أيضا بقايا النظام البائد والمستنفعين منه الذين يتحركون من وراء السّتار لإدخال مصر في حالة من الفوضى والعنف تجعل البعض يترحّم على زمن مبارك وديكتاتوريته التي صانت وحدة الشعب، ولا أستبعد اليوم أن يكون الرئيس المخلوع الذي يمكن نقله الى سجن طرة يستهزئ ويسخر ويُحسّ بغبطة شديدة وهو يرى مصر من بعده تغرق في الفوضى والعنف، وتتوقف بها عجلة الاقتصاد وتتعثر فيها مسيرة بناء مؤسسات الحكم، بل وتصبح مرتعا للتوتر الطائفي ولحرب الزعامات، فزعامات الثورة أصبحت تنمو كالطفيليات تطل عبر شاشات الفضائيات تبحث عن الشهرة وما يتبعها من مكاسب من خلال مطالب تعجيزية تزيد من توتير الأجواء ولا أحد يبدو مكثرتا للخطر المحدّق بمصر وبأغلبية شعبها التي مازالت كما هي في العهد البائد تدفع الثمن الغالي من أرواحها وآخرها أرواح عشرات الشباب التي أزهقت في ملعب “بور سعيد” دون سبب واضح أو معقول.
إلى أين تتجه مصر؟ الجواب لا يبدو سهلا بالمرّة بالنظر الى الضباب الذي يغّطي الأفق هناك ويجعل من رؤية المستقبل أمرا صعبا.
لكن حتى لا يتوقف الزمن بأرض الكنانة في ال 25 جانفي أو تتدحرج الى الوراء، وحتى لا تحرق الثورة أبناءها، يجب على الجميع تحكيم العقل والتوقف عن المطالبة بحرق المراحل لإعادة بناء مؤسسات السلطة، فالاستعجال دوما يخلّف كوارث وثغرات يتغلغل منها الانتهازيون والمفسدون.
وإذا كانت المراحل الانتقالية في كل زمان ومكان صعبة ويشوبها بعض التوّتر والخلافات والاختلافات، فمن الضروري أن لايترك المصريون الأوضاع تنزلق الى إراقة دماء بعضهم البعض، لأن رأب الصّدع بعد ذلك سيكون أمرا صعبا.
ويبقى في الأخير حث القيادة العسكرية التي تتولى تسيير المرحلة الانتقالية على التجاوب مع مطالب الشعب المشروعة بإيجابية، خاصة تلك المتعلقة بتسليم السّلطة للمدنيين.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)