الجزائر

محنة الونشريسي



هو أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن علي الونشريسي نسبة إلى جبال الونشريس بالغرب الجزائري. ولد والي 834هـ- 1430م وانتقل في صغره إلى تلمسان لتلقي الدراسة بها، فتتلمذ عن شيوخها مثل محمد بن أحمد الجلاب ومحمد بمن مرزوق الكفيف، وأبو الفضل قاسم بن سعيد العقباني وولده القاضي أبو سالم إبراهيم وغيرهم. بعدها انتقل إلى فاس وتابع دراسته بها حتى عد من العارفين بعلم الحديث والتوحيد والتفسير والمنطق. واشتهر الونشريسي بإطلاعه الواسع على مسائل الفقه والنوازل والفتاوي والأحكام التي ألزم نفسه بتدريسها والتأليف فيها. تميز أحمد الونشريسي بفصاحة لسانه وبراعة قلمه، وتعصبه للحق، فلم يجاري الحكام ولم يجاملهم فيما اعتبره منافياً لتعاليم الشريعة الإسلامية. وكانت شكيمته الشديدة هذه سبباً في هجرته من تلمسان نحو فاس، بعد أن اتهمه السلطان الزياني محمد الخامس بن ثابت بالتآمر عليه، فألحق به الأذى مما دفعه إلى الخروج من تلمسان 1.
وقد ذكر ابن مريم هذه الحادثة في البستان بقوله: "حصلت له كائنة من جهة السلطان في أول محرم أربعة وسبعين (أي 874هـ) فانتهبت داره ففر إلى مدينة فاس واستوطنها" 2. طاب له المقام في فاس حيث نال الاحترام والتكريم، فواظب على التدريس بمسجد القرويين في البداية، قبل أن ينتقل إلى مساجد ومدارس أخرى منها مدرسة المصباحية التي أقرأ بها المدونة. أخذ عنه طلبة كثيرون شروحه على المدونة ومختصر ابن الحاجب الفرعي، وتخرج على يديه علماء كبار من أمثال ولده عبد الواحد الذي تولى قضاء فاس واغتيل بجامع القرويين سنة 955هـ، والفقيه محمد بن أحمد الغرديس التغلبي متولي قضاء فاس (توفي عام 976هـ)، ومحمد الكراسي قاضي تطوان وغيرهم.
ألف الونشريسي العديد من الكتب جلها في الفقه، والتصانيف ومسائل الشريعة، عرف منها "المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي علماء إفريقية والأندلس والمغرب" و "عدة البروق في تلخيص ما في المذهب من الجموع والفروق" و "الأسئلة والأجوبة" و "الوفيات" وغيرها. توفي الونشريسي في العشرين من شهر صفر عام 914 عن عمر يناهز الثمانين سنة قضى منها أربعين سنة بتلمسان وأربعين سنة بفاس، وقد أشاد به العديد من العلماء فاعتبره ابن عسكر في دوحة الناشر "حجة المغاربة على أهل الأقاليم وفخرهم الذي يجحده جاهل ولا عليم" 3. وقد رثاه محمد الوادي آشي بقصيدة يقول فيها:
رأيت نجوم الأرض تبكي حزينة على فقد من كان قطب زمانه
فقلت ومن هذا؟ فقالت مجيبة علي الونشريسي وحيد أوانه
إليه انتهت في الفقه كل رياسة ومعرفة زينت بحسن بيانه

1 : الونشريسي (أبو العباس أحمد)، المعيار المعرب في الجامع المغرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب، تحقيق وإخراج جماعة من الفقهاء، بإشراف محمد حجي، 13 جزء، بيروت: دار الغرب الإسلامي، 1981.

2 : ابن مريم، البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان، ط2، الجزائر: ش.و.ت.ن، 1986.

3 : محمد ابن عسكر الشفشاوي، دوحة الناشر، تحقيق محمد حجي، الرباط: دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر، 1976.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)