الأديب محمد مفلاح، من الناس الذين حباهم الخالق بمواصفات بدأت تنمحي تدريجيا من عالم الثقافة المهزوز. ولن أكون مبالغا إن قلت إنه هبة من المجرة التي يمكن أن تسعد بهذا النموذج الذي يعلي من شأنها. الناس من طين، لكن بعض الطين يشرّف حقيقته البشرية والطين الآخر يعود على الإنسان بما لا تحتاج إليه أمنا الأرض وذريتها.
أن تستمع إلى السيد محمد مفلاح يتكلم فتلك نعمة، وعندما تسمع صمته الآهل بالعلامات الدالة فتلك نعمة أخرى. هناك فيه ما يشبه سكوت المتصوفين القدامى الذين سلاما عليهم، لذا يغدو وجوده سميكا دلاليا في الحالتين. وتلك ميزة من يقرأ ويبحث ويكتب بهدوء تسرب الشمس إلى الغابة، وهو إذ يفعل ذلك فلقناعة راسخة في شخصيته الهادئة، المقتنعة بأن الثقافة محيطات يتعذر سبر شعرة من مدّها المديد، من تداخلاتها ومرجعياتها التي ألفتها الأزمنة منذ فجر الخلائق.
يجب الاعتراف أني أستفيد، كما غيري، من أحاديثه المؤسسة معرفيا، التي يؤثثها بإحالات لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد، وهو، في اعتقادي، من تلك الفئة التي تخزن معرفة استثنائية بموضوعات متشعبة: السرد والشعر والتاريخ والدين والجغرافيا والأنثروبولوجيا والسياسة وعلم الأعلام والأنساب والترجمة والمناهج، دون أن يظهر ذلك في سياقات، وما أكثرها وأشملها تلك السياقات في السلوك المعاصر الذي اختلط فيه الحابل بالنابل.
يكتب محمد مفلاح بطريقته التي يمكن تلقيها بمستويات متباينة، حسب منطلقاتنا الجمالية والفنية، وقد نتفاوت نقديا في الحكم على رواياته، لكنه يجتهد كالنبع المتجدّد ويؤكد على الممارسة النقدية كفعل تقويمي لا يمكن تجاوزه أبدا، ما عدا إن كانت الكتابة وحيا يوحى. وفوق ذلك فإنه يتابع، كروائي، الحركة النقدية في العالم، بما فيها المناهج اللسانية الغربية الوافدة إلينا من الغرب في السنين الأخيرة، وبما في ذلك الشأن البلاغي وما له علاقة بالموروث. يناقش ويؤصل ويسأل كما لو أنّه في بداية عهده بالكتابة والقراءة.
يتحدث مفلاح عن الحداثة بتردد كبير وبأسئلة ضرورية لفهم الجدل القائم في الكتب والنقاشات الغامضة التي تسم ثقافتنا المبتورة عن التاريخ والمقام والمحيط والجذور. دون أن يرفضها من حيث إنها حتمية لا يمكن تفاديها، ولأنها كذلك جزء من منطق الصيرورة الثقافية والإبداعية.
السعيد بوطاجين
![if gt IE 6]
![endif]
Tweet
المفضلة
إرسال إلى صديق
المشاهدات: 8
إقرأ أيضا:
* Poétique-fiction (علم الخيال - الشّعري)
* رولان بارت.. لازال بيننا
* قراءة النسق والسياق
* الأديب محمد مفلاح ل«لأثر»: بعد أحداث أكتوبر1988 قررت مقاربة الواقع لفهم الرموز والتقاليد
التعليقات (0)
إظهار/إخفاء التعليقات
إظهار/إخفاء صندوق مربع التعليقات
أضف تعليق
الإسم
البريد الإلكتروني
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 18/02/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : التعليق تصغير تكبير
المصدر : www.djazairnews.info