أبو عبد الله محمد بن عبد الكريم ين عبد الرحمن الماجوي الجليل الحسني.
ولد بتلمسان سنة 1108، و حفظ القرآن على والده، وعنه و عن أخيه العلامة الحاج أحمد أخذ مبادئ العلوم ثم توجه إلى فاس طالبا للعلم، وأخذ فيها مشايخ حلة، منهم حمدون بن الحاج السلمي، و سليمان الحوتي، و الحافظ الحجة الحاج الطيب ابن كيران و عن غيرهم، و لما تضلع في علوم شتى رجع إلى تلمسان مسقط رأسه، وتولى قضاءها من خمس و عشرين سنة، و له مآثر حسنة يشهد لها بها بلده، و لم يمنعه القضاء من التدريس في مدته كلها، و تخرج عليه كثير من العلماء الأجلة، ثم رجع إلى فاس و تولى فيها خطة التدريس بجامع القرويين المعمور.
و أخذ عنه علماء عارفون كالشيخ ڤنون الشهير، والشيخ الحاج صالح الشاوي، و الشيخ الحاج محمد بن عبد الواحد بن سودة، و الشيخ محمد العلوي قاضي فاس، و الشيخ جعفر الكتاني و غيرهم، ثم ولي قضاء طنجة.
و ترجم له أحد تلامذته الفقيه العلامة السيد أحمد بن حسنون قاضي وازان في تأليف له، ذكر فيه جملة من مشايخه رحمهم الله بما نصه: و منهم الشيخ العلامة الحافظ المدقق الفهامة أبو عبد الله سيدي بن محمد المشاوي الحسني التلمساني، أسكنه الله دار التهاني، له ذهن يكشف الغامض الذي يخفى، ويعرف رسم المشكل و إن كان قد عفا، أبصر الخفيات بفهمه، وقصر فكره على خاطره و وهمه فجاء بالنادر الذي أعجز، وتلون في حلل الكلام الطويل و الموجوز مع جمعه لاؤصاف المكارم التي لم ينادمه في تعطيها منادم، ولم يوازه فيها بحر زاخر و لاقمر زاهر، وهي التي جمعها قول الشاعر:
إن المكارم أخلاق مطهـرة
فــالدين أولهــا و العقل ثانيها
و العلم ثالثها و الحلم رابعها
و الجود خامسها و العرف ساديها
و البر سابعها و الصبر ثامنها
و الشـكر تاسعها والدين عاشيها
كانت له اليد الطول في جميع العلوم، و مهما أخذ في تدريس من حسيته لا يرعف سواه، وأنه أفنى عمره فيه، و ما ذلك إلا لتضلعه و اطلاعه، يأتيه الأشياخ في ما يستشكلونه من الغوامض فيزيل ما خالج قلوبهم من العوارض، فيذهبون و لسان حالهم ينشد قول أبي الطيب:
فإن تفق الأنام و أنت منهم
فإن الملك بعض دم الغزال
قرأت عليه مختصر خليل من باب الزكاة إلى الخيار البيوع، و كان يطالع له الكتب المتداولة كالخرشي، و عبد الباقي في حواشي البناني، و السنهوري، و الشبرخيتي، ذا عتناء بالجميع، و قرأت عليه مختصر السعد بتمامه، و بعضا من ختمة أخرى، و كان يعتمد في ذلك على المطول، و حواشي الفناري، و حواشي ياسين على المختصر، و عروس الأفراح لابن السبكي، وشرح الولالي على القزويني، و بعض الشفا للقاضي عياض، بالشهاب أفندي، و حاشية ابن التلمساني، وجمع الجوامع ، بالمحلي من الحروف إلى النسخ، و ابن أبي شريف عليه، و حواشي العباد، وحواشي البناني المصري، و هو أول من أظهرها بفاس فاشتهر أمرها، و نحو الربع من الخلاصة بالتصريح، و حواشي ياسين عليه، و حواشي الصبان، و حواشي شيخه ابن كيران، و كان يعترض عليه كثيرا قراءة تحقيق و تدقيق في الجميع، فلقد كان في المطالعة و الحفظ فريد عصره و أعجوبة دهره، سمع منه الثقاة أنه لما و لي خطة القضاء بمدينة تلمسان، حفظ المعيار في همس ليال في كل ليلة، و هذا غاية العجب، و من نظمه متوسلاعدا البيت الأول و الأخير:
بمحمــــــد و ببنته و ببعلها
و ابنيهما السبطين أعلام الهدى
و بأهـــل بدر و الصحابة كلهم
و النــابعين لهم دواما سرمدا
و بعبدك النعمـــــان ثم بمالك
و الشافعي قطب الوجود و أحمد
و بغوثنا و بشيخه و ابن حــرزهم
و بجده عــبد السلام الزاهدا
و بصاحب التوحيد و العلم و الـتقى
ذاك السنوسي بـالمكارم قد بدا
و بجاه أحمد الحبيب و شــــيخه
و بسرهم يا رب خذ جملة العدا
وبجاه اسمك العظــــيم و من به
متخلق يا رب يــا سامع الندا
فرج كروب المسلــمين و حزبهم
يــا خير من مد العصا له اليدا
و لما ختم السعد قال فيه بعض رفقائنا و أحبابنا من تلامذته بعد أبيات:
لقد عمت دواعي وداد سعدا
عموم العلوم من قد حاز مجدا
أبي الفتح المجاوي من أضاءت
شمــوس علومه فازداد جدا
إمام مســاجد شيخ خليل
همام بــــارع فخر معيدا
بليغ مصـــقع علم شهير
و كعبة من يروم الرشد قصدا
سمــو بـــاسمه سما سماء
بفــجر محمد شكرا و حمدا
و يدعى نجل عبد الله فاعجب
بمن جادت تلمسان عنا جودا
أصيـــل لو ذعي بحر علم
جواد جل ما أعطى و أسدى
منزه مبجــل نزيه القدر بر
حليــم ضم حكمه و زهدا
لقد أرجت سجاياه و طابت
وفــاق مآثر عمرا و زيدا
فليس ورث المفاخر عن أباء
و لم يـر في المعاني سواه جلدا
لقد ورث المفاخر عـن أباء
كـرام قد قفوا في ذلك جدا
هو الفـــذ الإمام بكل فن
و لم نخــلف له الأزمان ندا
و هي طويلة قرأ على الشيخ سيدي عبد السلام اليازمي مختصر خليل و قرأ المعقول و المنقول على العلامة الشيخ الطيب بن كيران، و على الشيخ الزروالي، و على سيدي حمدون بن الحاج و على غيرهم، ولي خطة القضاء بثغر طنجة، وخرج لها من فاس في الربيع النبوي عام 1262، و بقي قاضيها و مدرسا و خطيبا إلى أن هجم عليه المنون في ثالث و عشري رجب عام 1267اهـ. من خط تلميذه المذكور.
و بالجملة فإن الشيخ المذكور كان آية و عليه الفتح الكثير، يدل لذلك من نبغ عليه من الطلبة، وكان يميل إلى التصوف كثيرا رحمه الله رحمة واسعة، و ترك و لده الصالح الشيخ عبد القادر، فسار على قدمه في طلب العلم حتى بلغ شأوه، وزاد عليه فنونا، ورجع إلى أصله و مسقط راس أبيه، واستقر في قسنطينة عالما مفيدا و أخيرا في الجزائر، و هو الآن فيها.
ولد الشيخ عبد القادر سنة 1267، و قرأ على الشيخ ڤنون و سيدي الحاج صالح الشاوي، و سيدي الحاج أحمد بن سودة، و سيدي جعفر الكتاني و غيرهم.
و ألف "إرشاد المتعلمين" في مبادئ العلوم، و "نصيحة الإخوان" شرح فصيدة سيدي محمد المنزلي التونسي في التصوف، و "الفريدة السنية في الأعمال الجيبية" و "الدرر النحوية شرح الشبراوية" و "تحفة الأخيار في الجبر و الاختيار" و "شرح المجرادية في الجمل" و غير ذلك، و تولى في المدرسة الكتانية سنة 1395، و تولى خطة التدريس في القسم العالي من المدرسة الثعالبية في الجزائر سنة 1315.
و تخرج عليه كثيرون منهم السادة: حمدان الونيسي، و أحمد الحبيباتني، و المولود أين الموهوب المدرس للآن في الكتانية، و الحاج أحمد البوعني، و محمد بوشريط بن عامر، و السيد عبد الكريم باش تارزي مفتي حنفية قسنطينة، و حموابن الدراجي قاضي حنيفة الجزائرن و الشيخ السعيد بن زكريى المدرس في الثعالبية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 31/10/2010
مضاف من طرف : soufisafi
المصدر : تعريف الخلف برجال السلف