قال لسان الدين ابن الخطيب في "عائد الصلة" في حق أبي بكر عبد الله محمد بن خميس التلمساني المذكور ما صورته: كان رحمه الله تعالى نسيج وحده زاهدا و انقباضا و أدبا و همه، حسن الشيبة جميل الهيأة سليم الصدر قليل التصنعن بعيدا عن الرياء، عاملا على السياحة و العزلة، عارفا بالمعارف القديمة مضطلعا بتفاريق النحل، قائما على العربية و الأصلين، طبقة الوقت في الشعر، و فحل الأوان في المطول، أقدر الناس على اجتلاب الغريب، ثم ذكر من أحواله جملة إلى أن قال: و بلغ الوزير أبا عبد الله بن الحكيم أنه يروم السفر فشق ذلك عليه، وكلفه تحريك الحديث بحضرته، و جرى ذلك فقال الشيخ: أنا كالدم أتحرك في كل الربيع انتهى.
و قال ابن خاتمة في "مزية المرية على غيرها من البلاد الأندلسية": أنه في نظم في الوزير ابن الحكيم القصائد التي حليت بها لبات الأفاق، و تنفست عنها صدور الزفاق، وكان من فحول الشعراء و اعلام البلغاء، يرتكب مستصعبات القوافي و يطير في القريض مطار ذي القوادم الباسقة و الخوافي، حافظا لأشعار العرب و أخبارها، وله مشاركة في العقليات و استشرف على التصوف و التجول و التحلي بحسن السمت، و عدم الاسترسال بعد طي بساط ما فرط له في بلده من الأحوال، وكان صنع اليدين.
حدثني بعض من لقيت من الشيوخ أنه صنع قدحا من الشمع على أبدع ما يكون في شكله و لطافة جوهره و إتقان صنعته و كتبتب بدائر شفته:
و ماكنت إلا زهرة في حديقة
تبسم عني ضاحكات الكمائم
تنقلت من طور لطور فها أنا
أقبل أفواه الملوك الأعــاظم
و أهداه خدمة للوزير أبي عبد الله بن الحكيم، وأنشدنا شيخنا القاضي أبو البركات بن الحاج، وحكى لنا قال: أنشدني أبو عبد الله بن خميس، وحكى لي قال: لما وقفت على الجزء الذي ألفه ابن سبعين و سماه بالفقيرية كتبت على ظهره:
الفقر عندي لفظ دق مـعناه
من رامة من ذوي الغايات عناه
كم من غبي بعيد عن تصوره
أراد كشف معماه فعمـــاه
و أنشدنا شيخنا الأستاذ ابو عثمان بن لبون غير مرو قال: سمعت ابا عبد الله بن خميس ينشد، وكان يحسب أنها له، و يقال: إنها لابن الرومي:
رب قـوم في منازلهم
غرر صاروا بها غـررا
ستر الإحسان ما بهم
سترى لو زال ما سترا
ثم قال ابن خاتمة: وقد جمع شعره و دونه صاحبنا القاضي أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الحضرمي في جزء سماه "الدر النفيس في شعر ابن خميس" و عرف به صدره، و قدم ابن خميس المرية سنة ست و سبع مئة فنزل بها في كنف القائد أبي الحسن بن كماشة من خدام الوزير ابن الحكيمن فوسع له في الإيثار و المبرة، و بسط له وجه الكرامة طلق الأسرة و بها قال في مدح الوزير المذكور قصيدته التي أ ولها:
العشا تعيا و التوابع
عن شكر أنعمك السوابغ
و وجه بها إليه و هي طويلة و منها:
ودسائع ابن كماشة
مع كل بازغة و بازغ
تأتي بما تهوى النغـا
نغ من شيهات اللغالغ
و منها:
ما ذاق طعم بلاغة
من ليس الحواشي
و يقال إن الوزير اقترح عليه أن ينظم قصيدة هائية فابتدأ منها و مطلعها و هو قوله:
لمن المنازل لا يجيب صداها
محيت معالمها و صم صداها
و ذلك آخر شهر رمضان من سنة ثمان و سبع مئة، ثم لم يزد على ذلك إلى أن توفي رحمه الله تعالى فكان آخر ما صدر عنه من الشعر، وقد أشار معناه إلى معناه، وآذن أولاه بحضور أخراه، و كانت وفاته بحضرة غرناطة قتيلا ضحوة يوم الفطر مستهل شوال سنة ثمان و سبع مئة (708) و هو ابن نيف و ستين سنة، و ذلك يوم مقتل مخدومة الوزير ابن الحكيم، أصابه قاتله بحقده على مخدومة، وكان آخر ما سمع منه: أتقتلون رجلا أن يقول: ربي الله، واستفاض من الحال القاتل أنه هلك قبل أن يكمل سنة من حين قتله من فالج شديد اصابه، فكان يصيح و يستغيث، ابن خميس يطلبني، ابن خميس يضربني، ابن خميس يقتلني و ما زال الأمر يشتد به حتى قضى نحبه على تلك الحال، نعود بالله من الوارطات، و مواقعات العثرات انتهى ملخصا.
(وحكى) غيره أن بعضهم كتب بعد فذقوله: لمن المنازل لا يجيب صداها ما نصه لابن الحكيم، ومن بديع نظم ابن خميس قوله:
تراجع من دنياك ما أنت تــارك
و تسالها العتبى و ها هي فـارك
تؤمل بعد التـــرك رجع ودادها
و شر وداد مـــا تود الترائك
حلا لك منها ما حلا لك في الصبا
فأنت عـــلى حلوائه متهالك
تظـــاهر بالسلوان عنها تجملا
و قلـبك محزون و ثغرك ضاحك
تنزهت عنها نخوة لا زهـــاد
و شعر عذاري أسود اللون حالك
و هي طويلة طنانه في آخرها يقول:
فلا تـــدعون غيري لدفع ملمة
إذا ما دهى من حادث الدهر داهك
فمـا إن لذالك الصوت غيري نافع
و مـا إن لبيت المجد بعدي سامك
ينــض و يشجي نهشل و مجاشع
بمـــا أورتني حمير و السكاسيك
تفــارقني الروح التي لست غيرها
و طيب ثنــائي لا صق في صائك
و مـا ذا عسى ترجو لداتي و أرتجي
و قد شمطـت من اللخى و الأفانك
يـعود لنا شرخ الشباب الذي مضى
إذا عــــاد للدنيا عقيل و مالك
و مما اشتهر من نظمه قوله:
أرق عيني بـــارق من اثال
كــــأنه في جنح ليلي ذبال
أثــار شوقا في ضمير الحشا
و عبرتي في صحن خـدي أسال
حكى فـؤادي قلقا و اشتعال
و جفن عيني أرقا و انهمــال
جوانح تلفـــــح نيرانها
و أدمــــع تنهل مثل العزل
قولوا وشــاة الحب ما شئتم
ما لــذة الحب سوى أن يقال
عذرا للــوامي و لاعذر لي
فـــــزله العالم ما إن تقال
قـــم تطرد الهم بمشمولة
تقصر اللـــيل إذا الليل طال
و عــــاطها صفراء ذمية
تمنعهــــا الذمة من أن تنال
كالمسك ريحا و اللمى مطعما
و التبر لـونا و الهوى في اعتدال
عتقهـــا في الدن خمارها
و البـكر لا تعرف غير الحجال
لا تثقب المصباح لا و اسقني
عـلى سنى البرق و ضوء الهلال
فالعيش نـــوم الورد يقظه
و المــــرء ما بينها كالخيال
خذها على التنعيم مسطاهرها
بين خـــوابيها و بين الدوال
في روضـــة باكر و سميها
اخمل داريــن و أنسى الدوال
كـــأن فأر المسك مفتوحة
فيهـــا إذا هبت صبا أو شمال
من كف ساجس الطرف ألحاظه
مفوقــــــات أبدا للتضال
من عــاذري و الكل لي عاذر
من حسن الـــوجه قبيح الفعال
من خلــــبي الوعد كذابه
ليــــان لا يعرف غير المطال
كــــأنه الدهر و أي امرء
يبقى عــلى الدهر إذا الدهر حال
أمـــــا تراني أخذ ناقضا
عليه مـــــا سوغني من محال
و لم أكــــن قط له عائبا
كمثل مــــا عبته قبلي رجال
يــأبى ثراء المال علمي و هل
يجتمع الضدان علم ومــــال
و تــألف الأرض مقامي بها
حتى تهـــــادني علم و مال
لولا بنور زيان ما لذي العيش
و لا هــــــانت على اليال
هم خوفوا الدهر و هم خففوا
علي بني الـــدنيا خطاه الثقال
لقــيت من عامرهم سيدا
غمـــرا راء الحمد جم النوال
و كعـــبة للجود منصوبة
يسعى إليهــا الناس من كل بال
خذها أبــا زيان من شاعر
مستـــلمح النزعة عذب المقال
يلتقــط الألفاظ لقط النوي
و ينــــظم الالاء نظم الللآل
مجاريـــــا مهيار في قوله
مــا كنت لولا طمعي في الخيال
و قصيدة مهيار مطلعها:
ما كنت لولا طمعي في الخيال
أنشد ليلي بين طول الليالي
و من نظم ابن خميس قوله:
نظـــرت إليك بمثل عيني جؤذر
و تبسـمت عن مثل سمطي جوهر
عن نــاصع كالبدر أو كالبرق أو
كــالمطلع أو كالأقحوان مؤشر
تجـــــري عليه من لماها نطفة
بـــــل خمرة لكنها لم تعصر
لم يـــــكن خمرا سلافا ريقها
تــزري و تلعب بالنهى لم تخطر
و كـذلك السجى جفنها لو لم يكن
فــــيه مهند لحفظها لم يحذر
لـو عجبت طرفك في حديقة خدها
و أمنـــ سطوة صدغها المتنمر
لـــرتعت من ذاك الحمى في جنة
و كرعت من ذاك اللمى في كوثر
طـــرقتك و هنا و النجوم كأنها
حصبـــاء در في بساط أخضر
و الــركب بين مصعد و مصوب
و الــــنوم بين مسكن و منفر
بيضــا إذا اعتكرت ذوائب شعرها
سفرت فــأزرت بالصباح المسفر
ســـرحت غلائلها فقلت سبيكة
مــــن فضة أو دمية من مرمر
منحتك مـــا منعتك يقظانا فلم
تخلــــف مواعدها و لم تتغير
و كــــأنما خافت بغاة و شاتها
فـــأتتك من أردفها في عسكر
و بجــــزع ذاك المنحنى أدمانة
تعطـــو فتسطو بالهزيز القسور
و تحية جــــاءتك في طي الصبا
أذكـــى و أعطر من شميم العنبر
جـــرت على واديك فضل ردائها
فعرفت فيـــها عرف ذاك الإذخر
هاجــــت بلابل نازح عن ألفه
متشــــوق ذكي الحشى متسعر
و إذا نســــيت ليلى العهد التي
سلــــفت لنا فتذكر بها تذكري
رحنــــا تغنينا و نرشف ثغرها
و الشمـــس تنظر مثل عين الأخزر
و الــروض بين مفضض و معجد
و الجــــو بين ممسك و معصفر
و كان السلطان أمير المؤمنين أبو عنان المريني رحمه الله تعالى كثير العناية بنظم ابن خميس وروايته قال رحمه الله تعالى: أنشدنا القاضي خطيب حضرتنا العلية أبو عبد الله محمد بن عبد الرزاق بقصر المصارة – يمنه الله – قال: أنشدنا بلفظه شيخ الأدجباء فحل الشعراء ابو عبد الله بن خميس لنفسه:
أنبت و لـــكن بعد طول عتاب
و فرط لجاج ضاع فيه شبـابي
و مـــا زلت و العليا تعني غريمها
أعلل نــفسي دائمـا بمتاب
و هيهات من بعد الشبـاب و شرخه
يلذ طعــامي أو يسوغ شرابي
خدعت بهــــذا العيش قبل بلائه
كما يخدع الصادي بلمع سراب
تقول هو الشهـــد المشهور جهالة
و ما هو إلا السم شيب بصاب
و مــا صحب الدنيا كبكر و تغلب
و لا ككليب ريء فحل ضراب
إذا كـــعت الأبطال عنها تقدموا
أعــاريب غرا في متون عراب
و إن نـاب خطب أو تفاقم معضل
تلقـــاه منهم كل أصيد ناب
تــــراءت لجساس مخيلة فرصة
تـــأتت له في جيئة و دهاب
فجــــاء بها شواهاء تنذر قومها
بتشيـــيد أرجام و هدم قباب
و كان رغاء الصقبب في قـوم صالح
حديثنـــا فأنساه رغاء سراب
فمـــا تسمع الآذان في عرصاتهم
سوى نـوح ثكلي أو نعيب غراب
وسـل عروة الرجال عن صدق بأسه
و عــن بيته في جعفر بن كلاب
و كــانت على الأملاك منه وفادة
إذا آب منهـــا آب خير مآب
يجير عـــلى الحين قيس و خندف
بفضــل يسار أو بفضل خطاب
زعامـــــه مرجو النوال مؤمل
و عــزمه مسموع الدعاء مجاب
فمر يـــــزجيها حواسر ظلعها
بما حمـــلوها من منى ورغاب
إلى فــــدك و الموت أغرب غاية
و هــذا المنى يأتي بكل عجاب
تـــبرض صفو العيش حتى استشفه
فـداف له البراض قشب حباب
فــــأصبح في تلك المعاطف نهزة
لنهب ضيــاع أو لنهش ذئاب
و مــا سهمه عمد النصال بأهزع
و لا سيفــه عند الصراع بنابي
و لكنهـــا الدنيا تكر على الفتى
و إن كـان منها في أعز نصاب
و عـــادتها أن لا توسط عندها
فإمــــا سماء أو تخوم تراب
فلا تـرج من دنياك ودا و إن يكن
فما هــو إلا مثل ظل سحاب
و مــا الحزم كل الحزم إلا اجتنابها
فأشــقى من تصطفي و تحابي
أبيت لهــا ما دام شخصي أن ترى
تمــــر ببابي أو تطور جنابي
فــكم عطلت من أربع و ملاعب
و كم فرقت من أسرة و صحاب
و كـم عرفت من حسر و مدجج
و كم أثكلت من معصر و كعاب
إلـيكم بني الدنيا نصيحة مشفق
عليكــم بصير بالأمور نقاب
طويل المراس الدهر جذل ممحك
عريض مجال الهم جلس ركاب
تــأتت له الأهوال أدهم سابقا
و غصت به الأيام أشهب كابي
ولا تحسبوا ىني على الدهر عاتب
فأعظم مـا بي منه أيسر ما بي
و مـــا سفى إلا شباب خلعته
و شيب أبي إلا نصول خضاب
و عمـر مضى لم أجل مه بطائل
سوى ما خلا من لوعة و نصابي
ليــالي شيطاني على الغي قادر
وأعذب ما عندي أليم عـذاب
عكسنا قضايانا على حكم عادنا
و ما عكسها عند النهى بصواب
على المصطفى المختار أزكى تحية
فتــلك التي أعتد يوم حساب
فتلك عتــادي أو ثناء أصوغه
كدر سحـاب أو كدر سخاب
و من مشهور نظم ابن خميس قوله:
عجبـا لها أيذوق طعم و صالهـــــا
من لـــــيس يـأمل أن يمر ببالها
و أنــا الفقير إلى تعلة ساعــــــة
منهـا و تمنعني زكـــــاة جمالها
كم ذاد عـن عيني الكرا متألـــــق
يبـــــدو و يخفي في خفي مطالها
يسمولها بدر الدجى متضـائـــــلا
كتضـــــاؤل الححسناء في أسمالها
و ابن السبيل يجيء يقبس نارهـــــا
ليــــــــلا فتمنحه عقيلة مالها
يعتـادني في النوم طيف خيالهـــــا
فتصيبني ألحــــــــاظها بنبالها
كـــم ليلة جادت به فكأنمــــا
زفت عــــــلى ذكاء وقت زوالها
اسرى فعطلها و عطل شهبهـــــا
يأبيشــــــذا المعطـار من معطالها
و سـواد طرته كجنح ظلامهــــا
و بيـــــــاض غرته كضوء هلالها
دعني بالــــوهم أدنى لمــــعة
من ثغرهــــــا و أشم مسكة خالها
مـا راد طــــرفي في حديقة خدها
إلا لفتنته بحسن دلالهـــــــــا
أنــــسيت شعري رق مثل نسيمها
فشمـــــول راحك مثل ريح شمالها
و انقل أحداديث الهوى و أشرح غريبب
لغــــــاتها و اذكر ثقات رجالها
و إذا مـــــررت برامة فتوق من
أطلالها و تمـــــــش في أطلالها
و انصب لمغزلها حبـــــالة قانص
ودع الـــــكرا شكرا لصيد غزالها
و أسل جــــداولها بفيض دموعها
و انضــــح جوانحها بفضل سجالها
أنـــــا من بقية معشر عركتهم
هذي الــــنوى عرك الرحى بثقالها
أكرم بهــــــا فئة أرق نجيعها
بغيا فــــــراق العين الحسن مآلها
حلت مدامة وصلهـــا و حلت لهم
فإن انتشـــــوا فبحلوها و حلالها
بلغت بهـــــرمس غاية ما نالها
أحـــــــد وناء لها لبعد منالها
و عــدت على سقراط سورة كأسها
فهـــــريق ما في الدن من جريالها
و ســـرت إلى فاراب منها نفحة
قـــــدسية جاءت بنخبة آلها
ليــــصوغ من ألحانه في حانها
مــــا سوغ القيس من أرسالها
و تغـلغلت في سهر ورد فأسهرت
عينا يؤرقـــــها طروق خيالها
فخبــا شهاب الدين لما أشرقت
و خوى فـــلم يثبت لنور جلالها
ما جن مثـــل جنونه أحد ولا
سمحت يــــد بيضاء بمثل نوالها
و بدت على الشوذي منها نشوة
مـــــا لاح منها غير لمعة آلها
بطلت حقــيقته و حالت حاله
فيـــــما يعبر عن حقيقة حالها
هذه صبابتــــهم ترق صبابة
فيروق شـــــاربها صفاء زلالها
و هي طويلة قال السلطان أبو عنان رحمه الله تعالى: شيخنا الإمام العالم وحيد زمانه أبي عبد الله الصالح الشهير أبو إسحاق التنسي التلمساني إلى بلاد المشرق، اجتمع هنالكبقاضي القضاة تقي تونس الدين بن دقيق العيد، فكان من قوله له: كيف حال الشيخ العالم أبي عبد الله بن خميس، وجعل يحيله بأحسن الأوصاف، و يطنب في ذكر فضله، فبقي الشيخ أبو إسحاق متعجبا، وقال: من يكون هذا الذي حليتموه بهذا الحلي؟ و لا أعرفه ببلده فقال له: هو القائل: عجبا لها أيذوق طعم وصالها، قال: فقلت له: إن هذا الرجل ليس عندنا بهذه الحالة التي وصفتم إنما هو عندنا شاعر فقط، فقال له: إنكم لم تتصفوه، وإنه لحقيق بما وصفناه به، قال السلطان: و أخبرنا شيخنا الإبلي المذكور أن قاضي القضاة ابن دقيق العيد كان قد جعل قصيدة المذكورة بخزانة كانت له تعلو موضع جلوسه للمطالعةن وكان يخرجها من تلك الخزانة، و يكثر تأملها و النظر فيها، ولقد تعرفت أنه لما وصلت هذه القصيدة إلى قاضي القضاة تقي الدين المذكور لم يقرأها حتى قام إجلالا لها .انتهى:
و كان ابن خميس رحمه الله تعالى بعد مفارقته بلده تلمسان سقى الله ارجاءها أنواء نيسان، كثيرا ما يتشوق لمشاهدها و يتأوه من تذكره لمعاهدها، و ينشد القصائد الطنانة في ذلك سالكا من الحنين إليها المسالك، فمن ذلك قوله:
تلمســـــان لو أن الزمان بها يسخو
متى النفس لا دار السلام و لا الكرخ
و داري بهــــا الأولى التي حيل دونها
مثــار السى لو أمكن الحنق اللبخ
و عهـدي بها و الــــعمر في عنفوانه
و مــاء شبابي لا أجين و لا مطح
قــــرارة تهيام و مغني صبــــابه
و معهـــد أنس لا يلذ به لطخ
إذ الـــدهر مثني العنان منــــهنة
و لا ردع يثني من عنـان و لا ردخ
ليــالي لا أصغي إلى عذل عــــاذل
كــأن وقوع العذل في أذني صمخ
معاهد أنس عطلت فكـــــــأنها
ظاوهر ألفاظ تعمدهــــا النسخ
و أربــع ألاف عفا بــــعض آيها
كمـا كان يعرو بعض ألواحنا للطخ
فمن يـك سكرانا من الوجــــد مرة
فـــــإني منه طول دهري لملتخ
و من يقتــدح زندا لموقد جـــذوة
فرند اشتيــاقي لا عفار و لا مرخ
أأنــسى وقوفي لاهيا في عراصـــها
و لا شـــاغل إلا التودع و السبخ
و إلا اختيــالي ماشيا في سماطـــها
رخيــــا كما يمشي بطرته الرخ
و إلا فـعدوي مثل ما ينفر الطـــلا
وليـدا و حجلي مثل ما ينهض الفرخ
كـــــأني فيها أردشير بن بابــك
و لامـلك لي إلا الشبيبة و الشرخ
و إخـــوان صدق من لداتي كأنهــم
جآذر رمـل لا عجاف و لا بزخ
وعــاة لمــا يلقي إليهم من الهــدى
و عـن كل فحشاء و منكره صلخ
هم القوم كل القــوم سيان في الــعلا
شبابهم الفرغــان و الشيخة السلخ
مضـوا و مضى ذاك الزمــــان و أنه
و مر الصبا و المال و الأهل و البذخ
كــأن لم يكن يوما لأقلامهـــم بها
صريــر و لم يسمع لأكعبهم جبخ
و لم يــك في أرواحها من ثنائـــم
شميم و لا في الـقضب من لينهم ملخ
و لا في محيا الشمس من هديهم ســـنا
و لا في جبين البدر من طيبهم ضمخ
سعتـم بني عمور في شت شملنا فمـــا
فمــا تجركم ربح و لا عيشنا ربخ
دعيتم إلى مـا يرتجي من صلاحكـــم
فردكم عنـــه التعجرف و الجمخ
تعــــاليتم عجبا فطم عليكـــم
عبــاب له من رأس عليائكم جلخ
و أوغـلتم في العجب حتى هلـــكتم
جماع غـــــواة ما ينهنهم قفخ
كفاكم بها سجنا طويلا و إن يكـــن
هلاك لــــكم فيها فهي لكم فخ
فكــــم فئة منا ظفرتم بنيلـــها
بأبشــارها من حجن أظفاركم برخ
كـــأنكم من خلفها و أمامهـــا
أســـود غياض و هي ما بينكم أرخ
فللسوق منها القيد إن هي أغـــربت
و للهــمام إن لم تعط ما رعت النقخ
كـأن تختها من شدة القلق القـــطا
و من فـــوقها من شدة الحذر الفتخ
فـماذا عسى نرجوه من لم شعثـــها
و قــد حز منها الفرع و اقتلع الشلخ
و ما يطمع الراجون من حفظ أيهـــا
و قـــد عصفت فيها رياحهم التبخ
زعانف أنـــكاد لئام عنـــا كل
متى قبضوا كــــفا على إثره طخوا
و لما استقلوا من مهاوي ضلالهـــم
و أومـــوا إلى إعلام رشدهم رخوا
دعاهم أبو يعقوب للشرف الـــذي
يذل لـــــه رضوى و يعنو دمخ
فــلم يستجيبوه قذفوا و بـــالهم
و مــــا لامرئ عن أمر خالقه نخ
و ما زلت أدعو للخروج علـــيهم
و قــد يسمح الصم الدعاء إذا أصخوا
و أبذل في استثصالهم جهد طــاقتي
و مـــــا لظنابيب ابن سابحة قفخ
تـــركت لمينا سبتة كل نجــعة
كما تــــركت للعز أهضامها شمخ
و آلــيت أن لا تروي غير مائهــا
و لـــو حل لي في غيره المن و المذخ
و ألا أحـــط الدهر إلا بــعقرها
و لــــــو بوأتني دار إمرتها بلخ
فكـم نقعت من غلة تلــكم الأضى
وكــــم أبرأت من علة تلكم اللبخ
و حسبي منهــا عدلها و اعتدالهــا
و أبحـــرها العظمى و أريافها النفخ
و أمــلاكها الصيد المقــاولة الألى
لعــــــزهم تعنو الطراخمة البلخ
كــواكب الهدى في سماء ريــاسة
تضيء فمــا يدجوا ضلال و لا يطخو
ثواقـب أنوار تري كل غـــامض
إذ الـناس في طخياء غـيهم التخوا
و روضات آدب إذا ما تـــأرجت
نضـــائل في أفيـاء أفنانها الرمخ
مجــامر ند في حدائق نـــرجس
تنــم و لا لقـح يصيب و لا دخ
و ابحر علــم لا حيـــاض رواية
فيكبر منها النـضح أو يعظم النضح
بنو العزفين الألى مـــن صدورهم
و آيدهم تملاء القـراطيس و الطرخ
إذا مـا فتى منهم تصـــدى لغاية
تاخر من ينحو و اقــصر من ينخو
ريــاسة أخيار و ملك أفاضــل
كـرام لهم في كل صــالحة رضخ
إذا مــا بدا منا جفاء تعطــفوا
علينا و إن حـلت بنا شدة رخــو
نزورهم حـــذا نحـــافا فتثي
و أجمـــالنا دلح و أبــداننا دلخ
يربوننا بالعلم و الحــلـم و النهى
فمــا خرجــنا بزولا حدنا بـرخ
و ما الزهد في أملاك لهـم و لا التقى
ببدع و للـــدنيا لزوق بمن يـرخو
و إلا ففي رب الخــــورنق غنية
فمـــا يومه سر ولا صيته رضـخ
تطــــلع يوما و السـدير أمامه
وقد نال منه العجب ما شاء و الجفـغ
فأصبــح يجتاب المسـموح زهادة
و قد كــان يؤذي بطن أخمصه النخ
و في واحــد الدنيا أبي حــاتم لنا
دواء و لــــكن ما لأدوائنا نتخ
تخـــلى عن الدنيا تخاى عــارف
يرى أنــــها في ثوب نخوته لتخ
و أعرض عنها مستهينا لقــــدرها
فلكم يثنـيه عنها اجتذاب ولا مصخ
فكــان له من قبلها الحب و الهـوى
و كــان لها من كفه الطرخ و الطخ
وما عــرض عنها وهي في طــلابة
كــــمن في يديه من معاناتها نبخ
ولا مــدرك ما شاء من شهــواتها
كمن حظـــه منها التمجع و النجخ
و لكــننا نعمى مرارا عن الهــدى
و نصــــلج حتى ما لآذاننا صمخ
و مــا لامرئ عما قضى الله مزحـل
و لا لقضـــاء الله نقض و لا فسخ
أبا طالب لم تبق شمية ســـــؤدد
فما لهمــــ كسب سواها و لا نخ
عذتهم غواد بها فهي في عروقـــهم
دمـــــاء في أعماق أعظمهم مخ
و عممتهم حزنــا و سهلا فأصبحوا
و مرعــــاهم وزخ و مرعيهم و لخ
بني الــــــعزفين ابلغوا ما أردتم
فمــــا دون ما تغبون وحل ولا زلخ
و لا تقـــعدوا عمن أراد سجالكم
فما غربـــكم جف و لا غرفكم وضخ
وخـــــلوا وراء كل طالب غاية
و تبهــــو على من رام شأوكم وانخوا
و لا تـــذروا الجوزاء تعلو عليكم
ففي رأسهـــا من وطء أسلافكم شدخ
لأفواه ائي و أعين حســـــدي
إذا جليت خــــائيتي الغض و الفضخ
دعـــواها تهادي في ملاءة حسنها
ففي نفسهـــا من مدح أملاكها مدخ
يمانية زارت يـــــا منين فانثنت
وقد جـــد فيها الزهو و استحكم الزمخ
و قد بسط في " الإحاطة" ترجمة ابن خميس المذكور، ومما أنشد له قوله:
سل الريح و إن لم تسعد السفن أنواء
فعند صبـاها من تلمسـان أنباء
و في خفـــقان الربق منها إشارة
إليـــك بما تنتمي إليها و إيماء
تمر الليــــــالي ليلة بعد ليلة
و للإذن إصغـاء و للعين إكلاء
و إني لـــصبوا للصبا كلما سرت
و للنجم مهمـا كان للنجم إصباء
و أهدي إليـــــها كل يوم تحية
و في رد إهـــداء التحية إهداء
و أستجـلب النوم الفرار و مضجعي
قتاد كمــا شاءت نواها وسلاء
لعل خيـــــالا من لدنها يمر بي
ففي مره بي من جوى الشوق إبراء
و كيف خلوص الطيف منها و دونها
عيون لهــــا في كل طالعة راء
و أني لمشتــــاق إليها و منبىء
بــــبعض اشتيافي لو تمكن إنباء
و كــــم قائل تفني غراما بحبها
وقد أخـــلقت منها ملاء و إملاء
لعــــشرة أعـوام عليها تجردت
إذا مـــا مضى قيظ بها جاء إهراء
يطنب فـــــيها عائثون وخرب
و يـــرحل عنها قاطنون و إحياء
كـــــأن رماح الناهبين لملكها
قــــداح و أموال المنازل ابداء
فــــلا تبغين فيها مناخا لراكب
فقـــد قلصت منها ظلال و أفياء
و من عجب أن طال سقمي و نزعها
وقسم إضنـــــاء علينا و إظناء
و كم أرفوا غيــطا بها ثم أرجؤوا
فيــكذب إرجاف و يصدق إرجاء
يرددها عيــــابها الدهر مثل ما
يردد حرف الـــفاء في المنطق فأفاء
فيـــا منزلا نال الردى منه اشتهى
ترى هـــل لعمر الأنس بعد إنساء
و هــــل للظى التي فيك تلتظي
إذا مـــا انقضت أيام بؤسك إطفاء
و هـــل لي زمن أرتجي فيه عودة
إليك ووجــــه البشر أزهر وضاء
ومنها:
أحن لهـــا ما أطت النيب حولها
و مـــا عاقها من مورد الماء أظماء
فما فلتـــها مني نزاع على النوى
و لا فــاتني منها على القرب إجشاء
كـذلك جدي في صباحب و أسرتي
و مــن لي به في أهل ودي إن فاؤوا
ولولا جــــوار ابن الحكيم محمد
لما فــات نفسي من بني الدهر إقماء
حمــــاني فلم تنتب محلي النوائب
بســــوء و لم ترزا فؤادي أرزاء
و أكفــــاء بيتي في كفالة جاهة
فصـــاروا عبيدا لي و هم لي أكفاء
يؤمون قصـــــدي طاعة و محبة
فمـــا عفته عافوا و ما شئته شاؤوا
دعـــاني إلى المجد الذي كنت أملا
فلـــم يك لي عن دعوة المجد إبطاء
و بــــواني من هضبة العز تلعة
يناجــي المها منها صعود و طأطاء
يشيعـــني منها إذا سرت حافظ
و يكــــلؤني منها إذا نمت كلاء
و لا مثـــل نومي في كفالة غيره
و للذئب إلمـــــام و للصل إيماء
بغيضة ليــــث أو بمرقد خالب
تبزكسا فيــــــه و تقطع اكاء
إذا كــان لي من نائب الملك كافل
فــــفي حيثما هومت كن وإدفاء
و أخــذان صدق من المصانع جاهه
يبــــــادرني منهم قيام و إيلاء
ســـراع لما يرجى من الخير عندهم
و من كـــل ما يخشى من الشر أبراء
إليـــــــك أبا الإله صنعتها
لزومية فيهــــــا لوجدي إفشاء
مبرأة ممـــــــا يعيب لزومها
إذا غـــــاب إكفاء سواها و إيطاء
أذعـــت بها السر الذي كنت آملا
و أعـــــوز اكلاء فما عاز إكماء
و مــــن يتكلف مفحما شكر منه
فمـــــالي إلى ذلك التكلف إلجاء
إذا منشـــد لم يكن عنك و منشء
فلا كــــان إنشاء و لا كان إنشاء
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 31/10/2010
مضاف من طرف : soufisafi
المصدر : تعريف الخلف برجال السلف