رأى العضو المؤسس في حركة "رشاد" الجزائرية الدبلوماسي السابق محمد العربي زيتوت أن التدخل الخارجي في شمال مالي "أصبح قاب قوسين أو أدنى"، وأن الأطراف المعنية بالشأن المالي خاصة وبأمن واستقرار منطقة الساحل بشكل عام أخذت كامل استعداداتها العسكرية واللوجستية والقانونية لوضع حد لما تسميه "تمرد الجماعات الإسلامية" في شمال مالي، وتأمين المنطقة من مخاطر تنامي "الإرهاب الإسلامي وانتشار السلاح".
وأوضح زيتوت في تصريحات خاصة ل "قدس برس" أن المشكلة في شمال مالي تمثل ثمرة طبيعية لسياسات خاصة بدول الإقليم وبدولة مالي تحديدا، لكن أطرافا إقليمية ودولية دخلت على الخط لتحقيق مآربها الخاصة، وأضاف: "القضية الموجودة في شمال مالي والتي تنذر بتطورات خطيرة قد تغير خريطة المنطقة بالكامل، تأسست منذ البداية على إحساس وقناعة لدى الطوارق والقبائل العربية في شمال مالي بأنهم ضحايا لاستعمار زنجي، وأن الحكومات المركزية لا سيما في النيجر ومالي تتعامل معهم كمواطنين من درجة ثانية، وبالتالي قادوا ثوراتهم ردا على ما يعتبرونه غبنا من هذه الحكومات".
وأضاف: "لكن دخل على الخط أطراف إقليميون على رأسهم النظام الجزائري الذي أراد أن يبرهن للأمريكيين خاصة وللغرب عامة بأنه شريك في الحرب الكونية على الإرهاب بعد 11 أيلول (سبتمبر)، ومن أجل إقناع الغرب بذلك، حولت المخابرات الجزائرية جزءا من الجماعات الإسلامية المخترقة منها إلى الجنوب، وهكذا اختلطت الجماعات الإسلامية الحقيقية بالجماعات المخترقة من المخابرات الجزائرية. وقد عمد (الرئيس الليبي السابق معمّر) القذافي أن يلعب دورا منافسا للدور النظام الجزائري لكن مع انهياره وانتشار السلاح الذي خلفه بالمنطقة فقويت القبائل العربية والطوارق، وبدأت الأمور تخرج عن سيطرة النظام الجزائري، فقويت الجماعات الإسلامية الحقيقية لتقاتل حكومة مالي بالاضافة إلى الجماعات المخترقة والجماعات العلمانية".
وأشار زيتوت إلى أنه مع التطورات الميدانية التي شهدتها المنطقة، لا سيما في شمال مالي، واختطاف رهائن غربيين قتل بعضهم، بدأت فرنسا تحديدا تشعر بمخاطر حقيقية على مصالحها، حيث أن نصف مما يذهب إلى المحطات النووية الفرنسية يأتي من هذه المنطقة ومن النيجر تحديدا، بالاضافة إلى الدور التاريخي الذي تلعبه فرنسا في منطقة غرب إفريقيا وتدخلها في الدول الفرنكفونية لدول ما تحت الصحراء.
وأضاف: "لقد انضاف إلى الدور الفرنسي الدور الأمريكي المتنامي في العالم، وهو دور يأتي في سياق تحالف مع المخابرات الجزائرية. وقد تعاظم هذا الدور مع ازدياد التحديات الأمنية الحقيقية أو المصطنعة بمنطقة الساحل، التي زادتها تجارة المخدرات القادمة من أمريكا اللاتينية باتجاه الشرق الأوسط وأوروبا سوءا. ومع ظهور الجماعات المقاتلة سواء تعلق الأمر بالتوارق أو القبائل العربية أو القاعدة أو الميجاو (الدعوة والجهاد) وأنصار الدين، تزايد القلق الغربي لا سيما في أمريكا وفرنسا التي لها مصالح استراتيجية وبالغة الحيوية في المنطقة".
وحسب زيتوت؛ فإن النظام الجزائري الذي حاول استخدام ورقة الحرب الكونية على الإرهاب ليكون شرطي المنطقة قد فشل في ذلك بعد التطورات الحاصلة منذ سقوط القذافي، وقال: "الآن النظام الجزائري الذي كان يريد أن يكون شرطي المنطقة يديرها كما يشاء بموافقة أمريكية، خصوصا بعد رحيل القذافي، انقلب عليه السحر، فقد عاد الأمريكيون يساندون بشكل متصاعد الموقف الفرنسي الذاهب باتجاه التدخل العسكري في شمال مالي ".
وذكر زيتوت أن ذلك سيتم عبر ثلاث جبهات، جبهة يقودها الاكواس أي دول مجموعة التعاون لغرب إفريقيا بما يزيد عن 3000 عسكري، وجبهة بقيادة النيجر وجبهة بقيادة موريتانيا تعاونهم مجموعات أو ميليشيات محلية.
وأضاف: "ذهاب مسؤولين جزائريين إلى هذه الدول هو محاولة لإقناعهم بأن استقدام قوات فرنسية وإفريقية (من الاكواس) إلى المنطقة سيحولها إلى منطقة شبيهة بأفغانستان، وأن هذه الأنظمة قد تتعرض جميعها لربيع إسلامي".
وأكد زيتوت أن النظام الجزائري في حرج كبير من أي تدخل عسكري دولي في مالي، وقال: "الآن النظام الجزائري محرج بشكل كبير في الداخل لأن قوات فرنسية سترسو على حدود الجزائر الجنوبية، وهذا سيضعف النظام الجزائري أمام شعبه الذي لا يزال ينظر إلى فرنسا باعتبارها القوة الاستعمارية القديمة، والأهم من ذلك أن النظام الجزائري بدأ يخشى بجدية من أن تنكشف حقيقة دعمه للجماعات المسلحة في منطقة الساحل لجلب التأييد الدولي له، وبالتالي هو يسعى لمنع هذا التدخل بمختلف السبل، لكن لا يبدو أن له أية حظوظ في النجاح، حيث أن فرنسا التي تتزعم الدول الساعية للتدخل في شمال مالي، تشعر بتهديد حقيقي لمصالحها في القارة الإفريقية، كما أنها تنظر إلى دخول الصين كمنافس اقتصادي لها في المنطقة قد يؤثر على مكانتها في المنطقة، كما أن أمريكا معنية بالمنطقة، فإفريقيا الغربية تشكل بديلا عن نفط الشرق الأوسط من جهة ومن جهة أخرى يمكنها التواجد العسكري من تكوين منطقة عازلة على المدى البعيد بين دول شمال إفريقيا التي تنامى فيها تيار الإسلام السياسي والقارة الإفريقية الغنية بالموارد".
وأعرب زيتوت عن أسفه لأن الجزائر أصبحت عرضة للتدخل الخارجي،و قال: "نحن نغضب بشدة لأن الجزائر أصبحت عرضة للتدخل الخارجي وعودة الاستعمار على حدودها وربما إليها تحت ذرائع وأشكال مختلفة بفعل سياسات النظام المخابراتي البائسة، وأعتقد أن الجزائر تعيد ذات الدور الذي لعبته باكستان أيام الجنرال مشرف فهي دعمت طالبان ثم حاربتها وكذلك قد تُدفع الجزائر لفعل ذلك اليوم مع الجماعات الإسلامية في المنطقة، خصوصا جماعة أنصار الدين التي لها مكاتب في الجزائر العاصمة وعلاقات قوية بجنرالات النظام. ولا أعتقد وفقا لذلك أن بامكان النظام الجزائري اليوم أن يوقف مرور الطائرات الأمريكية بدون طيار لضرب مواقع للجماعات المسلحة في شمال مالي أو في أي منطقة من دول الساحل. كما أنه أضعف من أن يواجه التواجد العسكري الفرنسي العائد إلى المنطقة بزعم مكافحة الإرهاب الإسلامي، ذلك أن هذا النظام ضعيف شعبيا وفاقد للشرعية وغير مستقر داخليا وتواطأ مع الأمريكيين فشكل كل ذلك خطرا على مصالح الجزائر وربما على استقلالها"، على حد تعبيره
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 11/10/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : قدس برس
المصدر : www.algeriatimes.net