الجزائر

محمد ابن سيدي بن علي


علم الأعلام الاعب لسانه باطرافه الكلام، سبحان البلاغة و قس البراعة، و مالك الزمة المعاني و مصرف البراعة فارس الأدب المفرد و حامي ذماره وحارس روضه الأنف، و مطلع شموسة و أقماره، شيخنا أبو عبد الله سيدي محمد بن سيدي محمد الشهير بسيدي ابن علي، أمطر الله ثراه من الرحمة و الرضوان بكل و سمي و ولي.
أثبت له ابن عمار في رحلته ما يرشف ريحقا، وينقش مسكا سحيقا، و يستروح نسيما، و يستملح محيا و سيما، و يسترق عذبا زلالا، و يستنطق سحرا حلالا و ذكر فيها موشحات كثيرة، و أطنب في مدحه بغد ذكره لموشحاته ، كما أطنب في مدح الجزائر فقال فيه: هذا الإمام هو خاتمة الالشعراء العظام بهذا الصقيع، ليس لقليل الأدب بعده نقع، و كثيرا ما كنت أرتاح إليه رحمه الله تعالى كما يرتاح إلي، و يا طالما يفرغ من سجال أدابه علي ، و مضت لي معه مجالس كقطع الرياض، تكسي النفس و الطبع منها مطارف ارتياح و ارتياض، و شعره كثير، و هو على كثرته يفوق الدر النظيم و الزهر النثير، و نثره على جودته قليل، و سيفه فيه غير قليل، وله ديوان أشعار تغلو في عكاظ الأداب إذا رخصت الأسعار.
و كان رحمه الله في نظمه متين الجد، لطيف الهزل، محكم النسيج، رقيق الغزل، قال: وقد ترجمته في تأليفي "لواء النصر في فضلاء العصر" و باسمه صدرت في الكتاب و افتتحت، وبطل أدبه رقرقت زهره و فتحت، ثم قال مادحا للجزائر و له: تنزهنا مرة ببعض محروسة بلدنا الجزائر التي هي ريحانة القاطن و سلوانة الزائر في حدود سنة الثلاث و الستين بعد المئة و ألف، و قطفنا زهرات الأنس ايما قطف، وكان روح سرورنا الذي عليه المدار، و مغناطيس حبورنا الذي لا يأتي الدهر بمثله و لا ساعدت به الأقدار، شخنا الأديب البارع الناهل من حياض السؤدد و الكارع، الذي تقلدت بعلومه كاعب الدنيا و تحلت، و ألقت إليه أرض الآداب ما فيها تخلت ، و أبو عبد الله المذكور، فمضت لنا أيام أنس ما مضت للنعمان بالشقيقة ة لا قضتها غسان بوضة شامهم الأنيقة، و لا نادم حسان في مثلها عصابته بخلق، و لا جال وصف في وصف شبهها لسانه المتدلق، و لا مرت لأهل العراق بالرصافة و الدجلة، و لا أجرى ابن عباد في مثلها في اللهو خيلة و رجله، ثم صدرنا و لا بد بعد الورد من صدر، وايام الأنس عندما تخاو يختلسها القدر، فعرضت لي بعقب ذلك غيبة ملإت من الشواق العيبة، فكتب إلي يتشوق نزهتنا تلك بما يتقلد به جيد الأدبن و يتطوق من هذه القصيدة التي قام فيها و قعد، وبرق سماه فكرة على أهل هذه الصناعة و رعد شمر فيها عن ساعد الإتقان و أطلعها في فلك البلاغة طلوع الثريا، أستغفر الله بل الزبرقان،و أتى فيها من غرائب الإحسان و الإجادة بم يبكت أبا تمام و يسكت أبا عبادة، و هي قوله دام عزه و طوله:
قسما بريحان العقيق و بــانه
لقد انقضى غزلي على غزلانه
من كل أحور بابلي الطرف فا
تكه بأرباب النهى فتــانه
تنيف على المئة ذكره في آخرها بقوله:
و إذا الفتى على الفضائل و اعتلى
قنن المعالي عـز في سلطانه
و علت إشارته و شـارته فلا
زمن تراه يسود غير زمانه
ما كل من صاغ القريض يجيده
معنى و يصرفه على أوزانه
إلا ابن عمار فحسبك من فتى
زان النشيد و عد في أعيانه
حلى بحلبته و ألــبس خلعة
قديم فيه وجد عـلى أقرانه
قد همت من شوقي إلي و ليتني
وافياته كالطـير في طيرانه
فعليه مني ما حيـــيت تحية
تزري بعرف البـان في إبانه
و تحلني منه محل شقيـــقه
أو كالشقيق الغض من نعمانه
ما دار كأس الود بين أحبـه
هاموا بريحان العقيـق و بانه
و له أمدح كثيرة و أبيات شهيرة، وشهرة هذا الرجل تغني عن التعريف و أيدي الناس ممتلئة من شعره التليد و الطريف.
و قد ذكره الكاتب أبو زيد عبد الرحمن الجامعيى الفاسي في رحلته فقال عندما ذكر الجزائر ما نصه: و أما مدينة الجزائر فأول بلد لقيت بها تذكرت بعض ما كان نسيه خلدي لاجتماعي بها بالأديب الماهر، الدال وجوده على صحة القول بوجود الجوهر الفرد في سائر الجواهر، أديب العلماء و عالم الأدباء محيي طريقه لسان الدين ابن الخطيب ذي القدر العلي أبي عبد الله محمد بن محمد المعروف بابن علي نأبقى الله و جوده بالألطاف محفوفا، و بالنفحات الأدبية منحوفا، فهي و الحمد لله إلى الآن دار الجوهر الفرد في الأدب و علم العقل و النقل، و تنبت العلماء و الصالحين كما تنبت السماء البقل و لقد رأيت على ظهر الجواهر الحسان في تفسير القرآن للإمام الثعالبي خطوط عاملين و صلحاء كاملين، كانوا في عصره و هم العلامة سيدي أحمد بن عبد الله الزواوي و عبد الجليل بن عيسى بن عمران و عيسى بن محمد الجعفري، و عيسى بن عبد الله الزركوطي، و قاسم بن محمد بن محمد بن علي، و أبو جمعية بن حسين المكناسي شيخ الثعالبي، و عبد الرحمن بن المقداد، و محمد بن موسى بن اعمر، كما رأيت خط الثعالبي بنفسه في مبيضته بتمامها في سفر ضخم، و على ظهره أسهد على نفسه أنه حسبها على طلبة العلم، و كتب ذلك بخط يده سنة و خمس و ثلاثين و ثمان مئة، و انزلوا هؤلاء الأشياخ خطوط أيديهم نفعنا الله ببركاتهم.
و أولياؤها المشهورون بها المتبرك بزيارتهم، و أنا أتبرك بعدتهم إن شاء الله هم : سيدي سليمان الشريف، و سيدي عبد اللطيف، و أبي يعلي الشريف، و سيدي بركات، و أبي سيدي مزيل الكربات و سيدي عبد الكريم الغافري، و سيدي أبو حفص عمر بن منصور، ووال داده، و سيدي أبي النور، و أبي يعقوب الشهير بالدسي، و ذو الرملة، و رجال ساحة المدارج، و الرجال سبعة السبعة، و سيدي هلال، و ابو العباس أحمد الجودي من أكابر أولياء مزغنة، و ابن منصور الحلبي صاحب المدرستين تلميذ الفعالبي، و السيد الحمزي، و سيدي فليح و الشيخ سيدي علي الفاسي، و أبي شريحة و داوود بن علي، و سيدي محمد الشريف دفين زاويته بالجبل، و سيدي شعيب و سيدي رمضان، وأبو نحلة و سيدي إبراهيم التكروري، و سيدي مصباح، و سيدي أبو ڤدور، و سيدي الحرفي، و سيدي زروق و الإمام الخروبي، و سيدي عيسى الدنيري، و سيدي التنسي، و سيدي عبد القادر، و سيدي أحمد بن علين و سيدي المغفول، وولي الله محمد الديلمي، و سيدي رزيق، و سيدي أبي التقي بباب عزون، و سيدي عبد الحق بها أيضا، و سيدي علي الزواوي، و أبو مهدي، و سيدي عيسى، و أبو مهدي، و أبو يخلف، و أحمد بن أبي العباس الكبير و سيدي موسى بن ناصر و علم بن مخلوف الحريري، و الحاج المنير، و سيدي عبد العزيز و سيدي محمد بن عبد الرحمن الجرجري، و سيدي أحمد بن عبد الله صاحب القصيد، رضي الله عن جميعهم و نفعهنا ببركاتهم.
و هذه المدينة لا تخلوا من قراء نجباء و علماء أدباء و أعلام خطباء، مساجدهم بالتدريس معمورة، و مكاتب أطفالهما بالقراء مشحونة و مشهورة، وقد ذكرت ما فيه غنيمة من علمائها الأخيار، و كلهم متحملون بما ذكره الغزالي في "الأحياء" متضلعون بعلم النحو و الفقه و الحديث و إحياء المولد النبوي مثل ما في القديم الحديث اهـ.

سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)