الجزائر

محفورتي يا جارتي..



أن يخرج أعوان الحرس البلدي ويتنقلون إلى ساحة الشهداء بالعاصمة للاحتجاج، وهم سلك عسكري ويحمل موظفوه السلاح، فهو أمر لم يحدث من قبل، وفي ذلك رسالة ليس فقط أن هذه الفئة ضاقت ذرعا ونفد صبرها، وهي ترى سنوات من الوعود تتبخر الواحدة تلو الأخرى، بل دليل أيضا على أن درجة الاحتقان الاجتماعي وسط بعض الفئات الاجتماعية في البلاد وصلت مستويات وحدودا لا تطاق.
لم يكن خروج أعوان الحرس البلدي ''تمردا''، كما قد يتصور البعض، ولا عصيانا مثلما قد يتّهمهم البعض الآخر، وإنما اضطرارا بعدما رأوا دولتهم ومسؤوليها لا يتحركون سوى عندما يطفح الكيل، ولا يستجيبون سوى لمن يخرج ويقطع الطريق. هذه حقيقة. فمنذ سنوات تحوّلت أذان المسؤولين من قطعة من لحم إلى واحدة من طين وأخرى من عجين لا تستمع سوى لمن يحدث ''حس'' كبير، ولا ترد إلا على من يغالب وليس يطالب.
إن صورة وقوف أعوان الحرس البلدي وجها لوجه في مواجهة مع أعوان الشرطة التي كانت تمنعهم من السير في ساحة الشهداء، تغني لوحدها عن التعبير عن واقع مر وأليم بين جزائر الـ''فوق'' وجزائر الـ ''تحت''. لقد ظل سلك الحرس البلدي، رغم ما قدمه من تضحيات خلال العشرية الحمراء، ولا أحد بإمكانه أن ينكر ذلك، في خانة ''محفورتي يا جارتي''. لقد تحمّلت هذه الفئة ظلم الناس واستفزازات التائبين وحتى تهديدات الإرهابيين. وهو ما فعلته طيلة سنين وسنين، ولكن يصعب عليها أن ترى الظلم المسلّط عليها يأتي من أجهزة الدولة الذي مارسته، كما يقول المحتجون، على الذين أنقذوها من الانهيار في العشرية الحمراء.
فهل هناك ظلم أكثـر مما سمعه هؤلاء من ألسنة أكثـر من وزير؛ فتارة يقال عن موظفي هذا السلك أنهم سيحولون إلى '' شنابط'' في البلديات، وأخرى إلى أعوان حراسة في الإدارات، وثالثة سيتم إلحاقهم بالجيش ورابعة إلى شرطة بلدية وخامسة إلى محاربة الإرهاب وسادسة سيحالون على التقاعد المسبق، وغيرها من التصريحات التي تحمل في طياتها استفزازات وكأن الدولة ضاقت ذرعا بهذا السلك الذي لم تعد له ''لزمة''، وبالتالي احتارت في كيفية التصرف مع شاغليه.
لم يطالب أعوان الحرس البلدي برتب جنرالات ولا بأن تكون لهم شرعية ثورية في محاربة الإرهاب ولا أن تمنح لهم شهادة قدماء المحاربين، بل طالبوا بأن يعاملوا بقدر المجهود الذي يقدمونه، وبأن لا يكون جزاؤهم مثل ''سنمار'' بعدما عادت أولى نسائم الأمن.
 فهل هذه المطالب من النوع الذي يعجز خزينة الدولة ويجعلها تنتظر حتى ينفد صبر أعوان الحرس البلدي ويخرجون لساحة الشهداء ليس للاستعراض، ولكن للشكوى من ظلم الدولة؟!


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)