الجزائر

محاسن الحرب الصامتة



 لم تستعرض تلفزيونات الدول التي شاركت في تخليص الشعب الليبي من ''حليفها'' السابق معمر القذافي الأسلحة والتكنولوجيات التي استخدمتها في ليبيا، كما فعلت في حربها ضد ''حليفها الأسبق'' صدام حسين. حينها تابع العالم عن طريق ''السي. أن. أن'' الحرب على المباشر، وشاهدت البشرية جمعاء حجم وسائل الدمار التي تملكها أمريكا وحلفاؤها، والتي قيل في البداية أنها لا تخطئ أهدافها، لكنها مع ذلك صنعت مجزرة العامرية وغيرها من المجازر. ولم يخف الحلفاء في تلك الحرب استعمالهم أسلحة ومعدات حربية محظورة، منها اليورانيوم المخصب، الذي سبب خسائر حتى في صفوف جنود الجيوش التي استعملته، وعادوا إلى أهاليهم معوقين دون أن يصيبهم رصاص، وحتى حجر، العدو الذي قطعوا آلاف الكيلومترات لمحاربته.
في ليبيا لا يعرف العالم ما استعملته أمريكا وبريطانيا وفرنسا وغيرها، ومازالت تستعمله من أسلحة لمحو نظام حليفها السابق. وكلفت هذه المرة قنوات تلفزيونية ''شقيقة'' بتسويق ''حربها النظيفة''. ولم يشاهد العالم سوى طائرات الحلف الأطلسي تحلق في سماء ليبيا، تحدد أهدافها وتقصفها. بأي نوع من الأسلحة؟ لا أحد يعلم. ولا أحد أيضا طرح أسئلة في الموضوع. لأن إستراتيجية تسويق عملية إسقاط القذافي ونظامه وضعت في صدارة ما يجب أن تشغل به القنوات التلفزيونية ''المشاركة'' في الحرب عيون وآذان سكان المعمورة، وخاصة سكان المنطقة التي تبث فيها صورها وتذيع فيها تعاليقها.
يشهد التاريخ أن بني البشر في قتالهم وحروبهم، لم يخوضوا ضد بعضهم أبدا حروبا نظيفة. ولحلف الأطلسي الذي جمع قواه ليخلص الليبيين من ''قائدهم'' السابق، هو الآخر سجل ''ثري'' في هذا الميدان، في الجزائر والفيتنام، وغيرهما من الدول التي خاض فيها حروبا. كما أن سجل فرنسا وبريطانيا وأمريكا ''أكثـر ثراء'' في مجال التدمير الشامل. ولا يوجد شاهد تاريخي واحد يفيد بأن جيوش الحلف ومكوناته قصفوا بلدانا وشعوبا بـ''بذور الورود''. ولا يتسع المجال لذكر مخلفات تلك الحروب، ومنها الحروب الحديثة التي خاضها الغرب لإرساء الديمقراطية في البلدان التي كانت شعوبها فعلا مقيدة ولا تستفيد من خيراتها.
عندما تنتهي الحرب في ليبيا، سيكتشف الليبيون حجم الدمار الذي تعرّض له بلدهم، جراء 21 ألف طلعة جوية التي قامت بها طائرات حلف الأطلسي فوق سمائهم، والتي استهدفت كل شيء باستثناء ''المنشآت المفيدة''، من قواعد امتصاص، تكرير وتصدير البترول. سيكتشفون لا محالة أن ثمن تخليصهم من الطاغية الذي تسلط على رقابهم 42 سنة، هو وعائلته وعصبته، ''كبير جدا''. لأن الذين أنجدوهم لا يهمهم كثيرا رفاه الشعب الليبي، كما لم يكن يهمهم رفاه الشعب الصومالي والرواندي والعراقي وغيرهم من الشعوب.
وسيكتشف العالم أيضا أن عساكر حلف الأطلسي ومكوناته لم يتعرضوا كما في العراق للإشعاعات النووية أو غيرها من مخلفات الحرب، لأن الحلف، على خلاف حروبه السابقة، خاض هذه المرة حربا صامتة في ليبيا. لم تسلط قنواته ووسائل دعايته الأضواء على الأسلحة الذكية، التي تقتل العدو دون أن تسبب خسائر في المحيط. ولم يشاهد العالم ''أبطالا'' مثل الأبطال الذين كانوا يظهرون على الشاشات التلفزيونية في الحرب على العراق.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)