الجزائر

مجموعة "السائر لوحده" لبوعلام قطاف... توثيق لحصيلة متراكمة بلغة شعرية



مجموعة
اختار القاص والشاعر العصامي، بوعلام قطاف، أن يسير لوحده في أول الأعمال الإبداعية التي أصدرها منذ عدة أسابيع، واختار أن يشق الدرب وحيدا في أولى باكورات أعماله، ومن دون أن يشير إلى سبب ونوع الخيار، ان كان خيارا في الحياة أم في الإبداع الأدبي، أصر أن يلملم عصارة تجاربه وأفكاره وخلاصة سنوات من معاشرة حرفة القلم والورق، في كتاب أوسمه ب "السائر لوحده" ضمّنه عددا من القصائد والقصص والخواطر. ومقررا أن يستلهم من مقولة نيجنسكي" أريد أن يفهم الناس أنني لا أستطيع ذرف الدموع فيما أكتب وانما أبكي في أعماقي"، بمقولة له " طيلة حياتي وأنا أذرف في صمت دموعا جارحة في أعماقي وارتأيت اليوم أنه آن الأوان كي أذرف في أعماق الناس دموعي"."السائر وحده" الذي صدر عن دار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع، في قرابة المائة صفحة من الحجم المتوسط، احتضن عددا من القصائد والقصص والخواطر عالجت سنوات من الاحتراق في صمت وبعيدا عن الأضواء، تضاربت فيها الأفكار والمواقف والتطورات، في حياة وبيئة القاص والشاعر بوعلام قطاف. فمن بيئة تعتبر بوح المبدع ضربا من ضروب الجنون والسفسطة، إلى سنوات امتزجت فيها الدماء بالأشلاء وصار الموت عنوان يوميات الجزائريين، ومرورا بمواقف لا تحيد عن مبادئ وقناعات في زمن الانبطاح والانتهازية.كل ذلك الزخم، الذي اختزل كل الحدود بين الجحيم والنعيم وبين الحياة والموت، فلم يعد حينها فرقا بين ميت حي أو حي ميت، وبين متنعم في الجحيم أو يعيش الجحيم في النعيم، ربما هي الحقائق الغائبة أو المغيبة لحد الآن عن ذاكرة ووجدان الأجيال، فتجربة يوم في بيئة القاص والشاعر قطاف، كفيلة بتفجير مدركات العليل، أو صناعة مشاهد سينمائية دراماتيكية بدون خدع أو مؤثرات. من سنوات الماضي والإرهاب والأزمة انفجرت قريحة بوعلام قطاف، فأبدع جملة من الأعمال الأدبية في أغراض مختلفة جمعت بين القصيدة والقصة والخاطرة حرر معظمها في الزبربر والأخضرية، طارحا عبرها عددا من الأسئلة والاستفهامات الفلسفية، فمرة يحاول المسك بالزمن وأخرى يتمسك بالأمل، لأن الحياة هكذا كما لقناه أيها والداه الأميين لكن الصفاء والتضحية ناصعان على جبينيهما.فيقول في إحدى قصائده:ما أقسى أن ترحل عنوةأن ترحل في صمتلتسحب من شفتي ابتسامة ربيعوترسم على خريطة العمر بوادر خريفتركض أيها العمر بلا هوادةتهجر أيها العمر وترحلأراقب رحيلك خطوة خطوةمكسور الجناح.. مهزوم الخواطرأما أحزنتك أيها العمر الدموعأما صعب عليك هجر الربوعوأمام عيني الدامعتينكسراب تتلاشى.. تتبددلتتركني هاهنا قابعا أبكي عمرالمسة الحزن التي تتراءى في قارئ "السائر لوحده" تمتزج فيها جراح الأنا المثخنة بجراح الوطن الكئيب، ولا يريد القاص أن يرى الأشياء بالأبيض والأسود فقط، فكما وهبته الطبيعة ألوان شتى، يحمل في أعماقه حبا لوطنه بمصطلحات أخرى، مقتربا من رؤية المتنبي لما يعز وطنه وهو ضحية جوره. فيقول مختتما إحدى القصائد التي قضى سنوات في كتابتها:وطني عندما يستهوي الجميع النعاستجدني عند كل فجر ساجدا أصليأدعو لك بالخيروبين يدي شمعة أملويبقى صاحب "السائر وحده" من القلائل الذين حولوا مواقفهم السياسية إلى عمل أدبي إبداعي، وليس لرد فعل من نفس اللون، على غرار الشاعر والإعلامي، عمر أزراج، في قصيدته المشهورة عن الحزب الواحد. فكذلك عبّر قطاف بوعلام، عن رفضه شغل منصب رئيس بلدية الزبربر، بعد إلغاء المسار الانتخابي في العام 1992 ، بسبب قناعاته الشخصية بعدم أخذ حقوق الآخرين، ووقوعه تحت ضغوط إدارية رهيبة، وتهميش مقصود حتى في حياته الخاصة والمهنية الأصلية (التعليم).فيقول في إحدى قصائده:لملم جراحك وارحل من هنا يا سيديلم يعد لك من مكانفالربوع اشتراها العبيدلملم جراحك وارحل من هناأنت حر ابن حروالحر لا يسوده العبيدأفنيت عمرا من أجل عزهم ومجدومجدك اعتاله ألف رعديدورعديدلملم جراحك وارحل من هنا يا سيديلم يعد لك من فضاء ولا هواءفالاختناق يبيد "السائر وحده" تجربة تستحق كل التشجيع والتنويه، ولو جاءت متأخرة، لأنها وثّقت سنوات من الأحداث والمواقف في بقعة من بقع الجزائر العميقة التي يحاصرها التهميش والعزلة، وهي تبحث دوما عن مكان لها تحت الشمس. فأن تنظم قصيدة أو تكتب قصة في سنوات التسعينيات في إحدى قرى الزبربر أو الأخضرية، هي مغامرة تتطلب شجاعة لا تتوفر إلا عند من يسكنهم هاجس الإبداع ووجدان القلم من أمثال بوعلام قطاف، الذي نتمنى أن يستمر قطاره في مسار البوح، ويكون عند وعده بالتوقف في محطة جديدة، تولي اهتماما أكثر لبنية وجمالية الكلمة والحرف.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)