الجزائر

مجاهدون يخلفون الحياة وراءهم لرفع العلم الجزائري أجلوا أبوّتهم وتركوا زوجاتهم لتحرير البلاد



مجاهدون يخلفون الحياة وراءهم لرفع العلم الجزائري                                    أجلوا أبوّتهم وتركوا زوجاتهم لتحرير البلاد
لم تكن الجبال وحدها المكان الوحيد الشاهد على التضحيات الجسام، التي بذلها الشعب الجزائري في سبيل نيل الحرية، فالبيوت أيضا شهدت على ذلك الفراغ القاتل الذي خلفه الثوار في قلوب زوجات صابرات، وأطفال لا يعرفون عنهم سوى أسماءهم، ليضربوا لهم موعدا يوم الاستقلال. ونحن نستنطق الذاكرة الحية لمن عايشوا الفترة الاستعمارية، عرجنا على حالة المجتمع الجزائري في تلك المرحلة العصيبة، محاولة منا لإماطة اللثام عن بعض التفاصيل التي أغفلها الكثيرون في خضم، تحدثهم عن المعارك الطاحنة والمواجهات السياسية والمفاوضات الدولية، على الرغم من أنها شكلت جانبا هاما من الجهاد الذي اتخذت منه الكثير من العائلات مبدأ في الحياة، للتخلص من ويلات عدو حاول القضاء على ملامحها بكل الوسائل والطرق.
نتحدث عن رجال محبين للوطن تنازلوا عن كل لذات الحياة ومتع الحياة العائلية، بحثا عن متعة الحرية التي لم يكن بالإمكان الوصول إليها إلا بحمل السلاح وهجرة الأحبة، فلم يكن هناك أعز على قلوبهم من الحبيبة “الجزائر”، وهو ما جعلهم يستجيبون لنداء الثورة ويؤجلوا كل أحلامهم إلى ما بعد الاستقلال.
“دخلة” على دوي المدافع ولقاء بعد ثلاث سنوات
عبّرت السيدة عمراني فضيلة عن حسرتها وهي تروي قصة زواجها بأحد الثوار سنة 1956، فعرسها أبدا لم يكن كباقي الأعراس، فهو لم يتطلب تحضيرات بالملايين وجهاز ولا حتى مدعوين، فوالدها اختار أن يزوجها من أحد الثوار الذين حملوا السلاح مع اطلاق أول رصاصات الثورة، ولأنه كان في الجبل تقرر زواجهما في ثلاثة أيام.
وككل الأعراس في ذلك الوقت، كان الأمر سريا بحضور عدد محدود من المقربين، في جو من الصمت، فلا دوي إلا صوت المروحيات الفرنسية التي كانت تجوب المكان ، لتقضي ليلة عرسها وسط رعب وخوف كبيرين، من اكتشاف جنود العدو لمكان زوجها المناضل، ولأنه كان ناشطا في جيش التحرير استدعي إلى الجهاد بعد خمسة أيام من يوم زفافهما، لتجد نفسها متزوجة برجل فدى حياته في سبيل الوطن، حيث لم تره لمدة ثلاث سنوات، انقطعت خلالها أخباره عن الجميع والكل كان يرجح استشهاده، إلى أن عاد إليها في ليلة مظلمة أرجعت إليها صفة الزوجة بعدما نعتها الجميع بالأرملة، هي إذن أغلى الأماني عند النساء تنازلت عنها فضيلة لنستنشق كلنا أنفاس العزة والكرامة.
أما الحاجة خروفة فتضحيتها كانت من نوع اخر، فهي لم تلتق بزوجها الشهيد الا لثلاث أيام، كانت كفيلة بأن تجعلها زوجة الشهيد، فهي تزوجت في سنة 1958 من أحد الثوار الذي استجاب لنداء الوطن بعد ثلاث أيام من زواجه، ليقع عليه الاختيار في احد المهام التي تتطلب اجتياز الحدود مع تونس، وبذلك فهو قد كان ممن استشهدوا على الحدود، حيث طال انتظارها له وهي تعد الأيام والليالي لتعرف بعد سنوات أنه استشهد، وعليه ففترة زواجها دامت ثلاثة أيام. كل هذه الظروف لم تمنع الحاجة خروفة بالافتخار بزوجها الشهيد، فالزغاريد التي لم تدوي ليلة زفافها ملأت بها الدنىا حين تلقيها لنبأ استشهاد زوجها، وعلى الرغم من أنها تزوجت من رجل آخر وأنجبت منه خمسة أبناء، فهي مازالت تتمنى لو أنها أنجبت ابنا من البطل الشهيد. قصة عثمان وجه آخر للتضحية، فهو تعرف على والده عبر صورة قديمة، ليتحقق لقاءهما بعد الاستقلال، فوالده غادر البيت قبل أن يعرف بحمل زوجته.
عثمان ولد في سنة 1957، ولم يتعرف إلى والده إلا بعد استقلال الجزائر، فأبوه حرم من رؤيته يكبر، يبكي ويضحك وحتى يمرض، سنوات من الكفاح.
في جبال الأوراس حالت بينه وبين معايشة إحساس الأبوة، ليأتي له الاستقلال بالحرية، وكذا طفل صغير ظل يردد كلمة بابا لخمس سنوات دون أن يكتشف ملامح والده الحنون. المجاهد بن داود علي، والد عثمان، اعتبر أن ابنه أكبر هدية كافاه الله بها، كما أنه يعتز بهذا الولد الذي تربى في تلك الظروف القاسية، وجاء إلى الدنيا ليرافق والدته ويعينها على وحدتها بعيدا عنه.
أعراس في الخفاء لأن التجمع محظور
غابت الأفراح عن بيوت الجزائريين خلال الثورة التحريرية، وخمدت زغاريد النساء، بعدما قرر العدو الفرنسي تفريق شمل الجزائريين بقرار حظر التجمع والتجول، لذلك فحفلات الزواج كانت تقام خلسة، حتى أنها لم تكن حفلات بل ولائم عشاء متواضعة، تحاول فيها عائلتا الزوجين الالتقاء لعقد القران وإعلان الزواج.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)