الجزائر

مجاهدون دخلوا قصر الإيليزي رغم أنف الأفلان



مجاهدون دخلوا قصر الإيليزي رغم أنف الأفلان
صالح قضية الإيليزي

تاريخ انخراط صالح في مبادرة الايليزي يبقى مبهما، ففي برقية مؤرخة بتاريخ 15 افريل 1960 وجهها الى الحكومة المؤقتة تضمنت انتقادات لقيادات الخارج جاء في آخرها "نقول لكم كل واحد يتحمل مسؤولياته ولا يمكن قلب الأدوار وأمام المشاكل الكبيرة المطروحة سياسيا عسكريا على جيش التحرير الوطني نفضل عدم الاعتماد عليكم ولا يمكننا أن نبقى مكتوفي الأيدي أمام القضاء الممنهج على جيش التحرير والإبادة التدريجية" وبالتالي فإن محتوى هاته البرقية لا يبتعد كثيرا عن محتوى رسالة لخضر بوشمع السابقة الذكر .

تمكنت مصالح التصنت الفرنسية من التقاط هاته البرقية، فدخلت على الخط لتجيب برسالة مستفزة باسم قيادة الخارج وبعدها تمكنت القوات الفرنسية من تحديد موقع المراسلة، فقامت بعملية عسكرية تمكنت إثرها من اعتقال أ حد الجنود واستولت على جهاز البث اللاسلكي. وبالتالي انقطعت وسائل الاتصال اللاسلكي بين صالح والحكومة ولم يبق في ذهن صالح سوى العبارات النابية التي تلقاها في البرقية المدسوسة وبالتالي كانت عاملا في دفع صالح لمسايرة رفقائه فيما بعد.

من جانب آخر يؤكد الضابط تقية بأن صالح كان يجهل كل شيء الى غاية 31 مارس، وفي محضر آخر للنقيب إلياس، كشف بأن لخضر وعبد الحليم وعبد اللطيف قرروا تصفية صالح وسي محمد في حالة رفضهم لمبادرة التفاوض الانفرادي.

من جهة أخرى كشف سي عبد اللطيف إثر اعتقاله يوم 07 ماي عقب عملية عسكرية بمنطقة المدية بأن سي صالح لا علم له بالمبادرة وأبدى استعداده لإقناعه وفي حالة رفضه للمبادرة سيقوم بتصفيته.

من نهاية مارس الى بداية جوان تبقى اتصالات لخضر وحليم وعبد اللطيف بالولايات الأخرى وحتى بقادة مناطق الرابعة مجهولة، في حين بعض المراجع التي تذكر بأن سي صالح بعد أن انخرط في المسار اتصل بمحمد والحاج لإقناع هذا الأخير بالانخراط في مسار توقيف القتال .

لكن الولاية الثالثة انقسمت حول الموضوع وبقي موقفها حذرا.

أما محمد بن يحي الضابط بالولاية الثالثة فيؤكد بأن صالح زار الولاية الثالثة قبل زيارته للايليزي، ويقول كنا نظن بأن زيارته تدرج في إطار التحكيم في الخلاف القائم بيننا وبين محمد والحاج، لكن علمنا بأنه جاء لاستشارة محمد والحاج في مبادرة الاتصال بالفرنسيين، وتلقى صالح موافقة محمد والحاج حسب شهادته.

وفي ما يتعلق سي محمد بونعامة فتفيد الشهادات بأنه كان خارج هذا الحراك فقد كان مهاب الجانب لدى الجميع وزملاءه القادة، فبوشمع يقول عنه "ان مشكلة سي محمد تكمن في كونه صعب المراس ولا يقتنع بسهولة"، وشال يقول عنه "كان محمد صلبا ومتعصبا ولكنه واقعي".

الى غاية نهاية ماي كانت الاتصالات متواصلة بصفة غير مباشرة بين لخضر بوشمع وعبد الطيف وتريكو بواسطة القاضي الذي كان يقدم عرضا لرئيس دائرة المدية سيسيالي CYSSIAL وهذا الأخير يبلغ تريكو حول كل المستجدات، وحسب تريكو فإن النتائج كانت مشجعة بعد اتصالات تم القيام بها في محيط العاصمة من دون ان يذكر المناطق، لكن صالح ظل يصر على جر الولاية الثالثة الى مسعاه فضلا عن اكبر عدد ممكن من مقاتلي الداخل، كما تمسك الجميع بطلب مقابلة بن بلة.


اللقاء الثاني 2 جوان 1960

يقول القاضي قدور "بتاريخ 2 جوان زارني لأول مرة سي صالح الذي تولى قيادة الرابعة بعد استشهاد سي أمحمد بوقرة وجاء سي محمد بونعامة الذي كان في الونشريس والتحق بهم لخضر وحليم ومجموعة من 20 جنديا"، في هذا المكان اطلع قادة الرابعة سى امحمد بونعامة بمبادرتهم واخبروه بأنه في مكان محايد وآمن ولا خيار له سوى مسايرتهم، حاول سي امحمد ثنيهم في المبادرة فلم يفلح، إذ صرح بعدها "كان من الأفضل لي لو اخترت الموت"، لأنه يدرك بأن تماديه في الرفض سيؤدي الى تصفيته.

خلال هذا اليوم جرى لقاء بين العقيد ماتون وقيادة الرابعة هم صالح زعموم وسي محمد بونعامة ولخضر بوشمع، بمقر دائرة المدية وخلال هذا للقاء تقرر ذهاب قادة الرابعة الى فرنسا والالتقاء بمسؤولين فرنسيين.

حول خليفة هذا السفر والغاية منه، يقول تريكو أمام إصرار قادة الرابعة على لقاء بن بلة وجر الولايات الأخرى الى صفهم أحسست بأن المسعى يكاد يفشل فجاءتني فكرة مفاها مادام المجاهدون مترددون ولا توجد ثقة بينهم فأحسن وسيلة لطمأنتهم وتشجيهم في تنظيم لقاء لهم مع ديغول وحين يقبلون ذلك سنكون قد قطعنا نصف المشوار ولما عرضت الفكرة على ديغول وافق من دون تردد وعند عودتي الى المدية أخبرتهم إن أردوا مقابلة أحد المسؤولين في باريس سأضمن لهم حرية الذهاب والإياب كما أبلغناهم بأن حضور أحد قادة الولاية على الأقل ضروري، وبعد مشاورات ابلغوني بأن سي محمد سيكون بينهم.


قادة الرابعة عند ديغول

يوم 9 جوان كان صالح ولخضر وسي محمد بونعامة يمتطون سيارة قاضي المدية متوجهين الى مطار تادمايت، حيث كان في انتظارهم ضباط فرنسيون وامتطى الجميع طائرة هيليكوبتر أقلتهم الى مطار بوفاريك ومنها تم نقلهم الى فرنسا، حيث وجدوا في استقبالهم الجنرال نيكو الذي توجه معهم الى مقر إقامتهم بمدينة رامبولي، حيث تم اخبارهم بأن ديغول هو الذي سيقابلهم بعدها انهمك القادة في إعداد المقابلة وترتيب المحاور التي سيتناولونها.

مساء 10 جوان تواجد الجميع في مكتب ديغول بقصر الايليزي، حيث انتصب ديغول واقفا وراء مكتبه وماتون على يمينه وتريكو على شماله. اما صالح ومحمد ولخضر فقد اصطفوا قبالتهم.

بعد تبادل التحية طرح الثوار وجهة نظرهم حول تقرير المصير، من جهته عرض ديغول اقتراحاته التي أعلنها حول توقيف القتال وفق شروط مشرفة لكل طرف، كما كشف لهم بأنه سيلقي خطابا في الأيام القليلة المقبلة يحدد من خلاله الدعوة الى المفاوضات من اجل تقرير المصير وهو ما قام به يوم 14 جوان.

اكد قادة الرابعة من جهتهم بأنهم لا يريدون ان يقوموا بمبادرة انفرادية بمعزل عن اخوانهم في الولايات الأخرى وطلبوا بأن يتم توسيع نطاق توقيف القتال حتى يتسنى لهم الاتصال بالولاية الثالثة، كما طلبوا بتسهيل مهمتهم للسفر الى تونس لوضع الحكومة المؤقتة أمام مسؤولياتها (وهو المطلب الذي اقترح في رامبولي وابلغ به ديغول قبل لقائه بهم) وطلبوا مقابلة بن بلة.

قبل ديغول تسهيل مهمتهم للتنقل الى الولاية الثالثة، أما المطلب المتعلق بلقاء الحكومة المؤقتة تم رفضه بحجة الأخطار المحدقة بهم في حالة ذهابهم وعرض عليهم إرسال برقية الى قادة الخارج، فقبلوا الفكرة مبدئيا.

بعد انتهاء اللقاء الذي دام قرابة ساعة من الزمن، أعلن ديغول عن تمنياته بلقائهم مرة أخرى.

واثناء عودتهم الى الجزائر، عدل الثوار عن فكرة إرسال برقية الى الخارج.

يوم 11 جوان وعلى الساعة الواحدة زوالا نزل القادة في مطار تادمايت قرب المدية من على ظهر طائرة هيليكوبتر وكان القاضي في انتظارهم، واهم ما لفت انتباهه حسب ما صرح به وجه سي محمد الذي كان عبوسا عكس رفقائه.


سي امحمد بونعامة يقلب الطاولة

سي محمد الذي ساير رفقاءه على مضض وكان مكرها على الذهاب الى الايليزي رغم إدراكه لحجم الخطيئة، كان يتحين الفرصة لقطع دابر الردة فوجد في سي لخضر بورقعة وبوسماحة خير معين له في وقف الانحراف.

وما أن اختلى به بورقعة واستفسره عن هاته الطلاسم التي لم يتمكن من تفكيكها (حسب مذكرات بورقعة) حتى اتفق الثلاثي على إجهاض المخطط باتباع الخطوات التالية:

1- إقالة سي صالح

2- إلقاء القبض على المجموعة المشاركة في الايليزي

3- تكثيف العمليات ضد العدو.

لكن يكشف القاضي قدور بأنه في يوم 16 جوان نقل سي امحمد ولخضر بورقعة وكان متنكرا على متن سيارته الى منعرج داميات، حيث التقوا العقيد هنري قائد الفرقة 20 للمشاة وما إن ابتعد سي أمحمد حوالي 50 مترا حتى تظاهر بحاجته للسجائر لينفرد بي وطلب مني بإلحاج عدم البوح بأي شيء مما يجري، محتوى اللقاء وأسبابه تبقى مجهولة الى غاية الآن.

ويضيف القاضي بأن سي محمد ورفقاءه من مسؤولي النواحي كانوا ليلة 17 جوان عنده بالمنزل بعد أن حرروا تقريرا كبيرا وطلبوا منه إيصاله الى الحكومة المؤقتة بتونس، وقام بإيصال الملف الى عمار البستاني العامل في حديقة التجارب بالعاصمة مع تذكرة الطائرة وهو الملف الذي وصل الى الوفد الجزائري لحظات قبل انطلاق مفاوضات مولان، ويؤكد ذلك رضا مالك، حيث يقول "بأن الحكومة المؤقتة تسلمت رسالة غريبة جدا مؤرخة بتاريخ 19 جوان موقعة من قائد الولاية الرابعة من صالح ومعاونيه لخضر محمد، عبد اللطيف تطلب من عباس الرد بإيجابية على المفاوضات وهدد مرسلو الرسالة بإصرار بأنهم سيجرون المفاوضات بأنفسهم إذا تهربت الحكومة المؤقتة، وجاء في الرسالة بأن مجلس الولاية سوف يدين الحكومة المؤقتة إذا اقتضت الحاجة، لكن الرسالة تسلمناها يوم 23 جوان عشية سفر احمد بومنجل ومحمد بن يحي الى مليون".

ففي ليلة 22 جوان توجه كوموندو يقوده لخضر بورقعة وبوسماحة وسي خالد القائد العسكري للناحية، الى بيت القاضي قدور، وألقوا القبض على لخضر بوشمع، بعد تقييده، تم نقله الى مقر القيادة العامة، حيث يتواجد بونعامة، إذ قام هذا الأخير بإعدامه بعد ان حرر تقريرا حول جميع اللقاءات التي قام بها بوشمع والدوافع التي حملته على ذلك.

ثم واصل لخضر بورقعة مهمته رفقة زملائه وتمكنوا من توقيف عبد اللطيف في قرية الشعاوطية قرب الشريعة واستدرجوه الى مقر القيادة، حيث تم استجوابه، واستطاع عبد اللطيف اقناع سي محمد بصدق نواياه.

لم يبق من مهندسي الايليزي إلا صالح وحليم اللذان كانا قد انطلقا الى منطقة القبائل بعد لقاء مع تريكو يوم 18 جوان، إذ أعلن على صالح خلال هذا اللقاء بأنه في حالة استجابة الحكومة المؤقتة لنداء ديغول الذي أعلنه يوم 14 جوان وشروع الحكومة المؤقتة في المفاوضات حول توقيف القتال، فإن الولاية الرابعة ستوقف مبادرتها، وفي حالة العكس فإنها ستواصل مسيرتها.

يوم 21 جوان تنقل صالح وحليم وحارسيهما الشخصي على متن سيارة القاضي على بعد 10 كلم من المدية، حيث كان في انتظارهم العقيد جاكين وبوشارد اللذان قاما بإيصالهم الى منطقة بوغني.

في نفس اليوم، نشرت جريدة لوموند وجريدة الجزائر بيانا باسم الولاية الرابعة، يعلنون فيه توقيف العمليات العسكرية ضد المدنيين، كما قام الراائد مير MAIRE الناطق باسم القيادة العامة بعقد ندوة صحفية صرح من خلالها بأن بعض القادة يرفضون مواصلة الكفاح ويؤكدون بأن الأوامر الصادرة عن الولاية الرابعة لتوقيف القتال تتناقض مع تعليمات الحكومة الجزائرية.

وقد صدر هذا التصريح الإعلامي عشية لقاءات مولان، بهدف إفشال الطرف الجزائري وحمله على تنازلات.

Share on emailShare on facebookShare on twitterMore Sharing Services


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)