متى تفرج فرنسا "الاستعمارية" عن باقي أسرى ثورة التحرير المباركة؟ سؤال تسلل إلى مخيلتي وراهني فجأة، وأنا أتابع وقائع عودة مئات الأسرى الفلسطينيين...*
ليضاف إلى سؤال آخر طرح منذ يومين فقط، حول الاعتراف بجريمة 17 أكتوبر، مجازر 8 ماي، التجارب النووية، محارق الظهرة والأغواط الكيماوية، وأقبية التعذيب، ووو.. والاعتذار عن كل جرائمه في حق الشعب الجزائري، ورغم أن الإسقاط هنا رمزي، لأن الظروف مختلفة، لكنه سؤال حري بأن يحمل ويقصف به قصر الإليزيه الزجاجي، المتحرك فوق جماجم الأبرياء، في كل حين، حتى لا يتبجح، ولا يدعي النضال من أجل الحقوق أو الإنسانية، لأنه أول من داس عليها وعصف بها، وعشرات الشعوب وملايين الأرواح تطارده.
*
مازال الكثير من شهداء ثورة التحرير العظيمة، وبعد مرور نصف قرن عن الاستقلال، أسرى لدى الإدارة الاستعمارية والفكر الاستعماري، مازالوا ينتظرون تحريرهم، تحرير أرواحهم الطاهرة من سجن حقد الغلاة والجلادين وورثتهم، ومازالت الأسر والنخب تطالب بالإفراج عنهم إلى غاية اللحظة، فتاريخ الاستعمار الفرنسي الدموي رحل، لكنه أخذ معه جزءا من الذاكرة، وكأنه يريد تعليق إرادة تحرر الجزائريين من كل القيود المعنوية والمادية.
*
فمازالت الجزائر المستقلة، وإلى حد كتابة هذه الأسطر، تطالب باسترجاع رؤوس، أحمد بوزيان، وابنه حسن بوزيان ورفيقه موسى الدرقاوي، أبطال وقادة انتفاضة الزعاطشة 1849 المسجونة في متاحف فرنسا، وهي محنطة، ربما لتأريخ الماضي الفرنسي "المجيد"، لكنه تأريخ للماضي الدموي القاتم، وترجمة لاستمرار الفكر الاستعماري.
*
إلى حد الآن، مازال أحفاد الزعاطشة يترقبون عودة شهدائهم، رأس أحمد بوزيان، الثائر الذي كافح الاستعمار مع صفوف الأمير عبد القادر في الجهة الغربية، ثم مع أحمد باي بالجهة الشرقية، ثم أعلن ثورة في الجنوب، في الزعاطشة، جنوب بسكرة، في 16 ماي 1849، ولم تتمكن قوة الاستعمار منه إلا في 26 نوفمبر 1849، بعد سقوط أكثر من 800 شهيد، وحصار مغلق، وانتقاما من ثورتهم وإرهاب الآخرين، عاث الاستعمار بقادة الثورة تنكيلا، فعذبهم، وقطع رؤوسهم، لعبوا بها ككرة قدم، علقت في مداخل القرية، ثم في أبواب بسكرة، ثم في قسنطينة، ثم نقلت إلى باريس، لتحنط هناك في متاحفها.
*
إلى حد الآن، مازالت الأسر وذاكرة الأمة تنتظر الكشف عن جثث ومقابر "ثلة" من الشهداء، وعلى رأسهم العربي بن مهيدي، أسسوا ثورة نوفمبر المباركة، وقارعوا جنرالات الاحتلال بوسائل بسيطة، لكن بإرادة وعزيمة لا تقهر، وثقة كبيرة في النفس ورثوها عن مدرسة الحركة الوطنية المتشبعة بالهوية الوطنية المتميزة عن هوية المستعمر، رغم محاولات الطمس والمحو من التاريخ ومن الحياة، وحتى من الجغرافيا.
*
قائمة الشهداء الذين مازالوا أسرى المستعمر، طويلة وعريضة، بعضهم اختفى بشكل جماعي في محارق جماعية، لا تقل همجية عن هولوكست النازية، كما حدث في مغارة جبال الظهرة وقبيلة أولاد رياح بالأغواط ذات يوم، وآخرون لم يبدلوا، اعتقلوا خلال ثورة نوفمبر، وتفنن الجلادون في تعذيبهم والتنكيل بهم أحياءً وأمواتا، تذكر ذاكرة الشعب الجزائري ثلة منهم، العربي بن مهيدي، العربي التبسي، مصطفة بن بوالعيد، علي بومنجل، محمد بوقرة، محمد العيشاوي وحتى موريس أودان، الفرنسي الذي رفض الفكر الاستعماري وفلسفته الغريبة وتطبيقاته البشعة، وراح يناضل مع الجزائريين.
*
هؤلاء، وغيرهم كثير، مازالوا ينتظرون الإفراج عنهم، مازالوا يترقبون تحرير أرواحهم الطاهرة في معارك تاريخية، وأخرى دبلوماسية، من قبضة جلادي الأمس، وورثتهم، الذين يسعون إلى تبييض الماضي الاستعماري وتمجيده بقوانين ونُصب وجوائز وميداليات تكريمية، في مسعى يعاكس الماضي والراهن والمستقبل.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 20/10/2011
مضاف من طرف : archives
صاحب المقال : مصطفى صالحي
المصدر : www.horizons-dz.com