الجزائر

متحركات ونواقص طبعت احتفالية "الخمسينية" كراكلا لم ينجح في تقديم عمل جزائري خالص



متحركات ونواقص طبعت احتفالية
اتسم عرض "أبطال القدر" الذي صممه المايسترو اللبناني "عبد الحليم كراكلا"، بكثير من المتحركات والنواقص، وبدا جليا أنّ العمل الذي قدّم ليلة الأربعاء إلى الخميس على ركح مسرح الكازيف بسيدي فرج، لم يتميز بروح جزائرية خالصة وفق ما ذهب إليه النقاد، حتى وإن سعى كراكلا لرسم لوحة جزائرية ثرية بالوقائع والأحداث والمحطات.
استعادت "أبطال القدر" ذاكرة خمسين سنة مرت على الجزائريين بكل ما حملته من أفراح وأحزان، من عنف وسلم، من إنجازات وانتكاسات، حتى أنه لم يغفل أية مرحلة من مراحل الجزائر المستقلة ومثل كل مرحلة برئيسها حيث توقف عند أبرز ما ميز عهد كل رئيس.
ورغم أن كراكلا اجتهد في أن يكون العمل جزائريا خالصا حين استعان بمئات الفنانين الجزائريين ومزج بين الفصحى والدارجة في النص، إلا أن عمله لم يسلم من بعض النقائص التي سجلها عليه النقاد، حيث لم يستطع إخفاء ذاتيته في العمل، إذ ظهر تأثره بلبنانيته واضحا في العمل، حيث لم تكن الرقصات جزائرية بقدر ما كانت لبنانية، وغابت الطبوع الجزائرية الثرية من النايلي إلى القبائلي إلى العاصمي وسط رقصات الدبكة الشامية التي طغت على المشهد.
وبدأت "أبطال القدر" بمشهد طلبة تلقوا درسا في تاريخ الجزائر، لينتقل المشهد بعدها بسلاسة كبيرة ليروي لهم محطات صنعت نصف قرن من استقلال الجزائر، وكأن كراكلا أراد أن يقول أن الغاية ليست في استحضار التاريخ نفسه وإنما في الشباب الذي ينبغي أن يصنع مستقبله انطلاقا من معرفة تاريخ بلاده.
واختار كراكلا أن يبدأ تاريخ الخمسينية من مشهد انقلاب الجنرالات الفرنسيين في الجزائر على الرئيس الفرنسي الجنرال ديغول في ربيع أفريل 1961، عبر دخول أعلام فرنسية كبيرة وسيارات جنود إلى ركح المسرح، ولهذه الفترة رمزية أليمة في نفسية الجزائريين، كونها شهدت إطلاق يد المنظمة العسكرية السرية "Oas" التي ارتكبت مجازر رهيبة في حقهم.
لتنتقل بعدها الملحمة إلى وصف مقاومة الجزائريين وعدم استسلامهم ل "اواس" التي آمن قادتها باستحالة البقاء على أرض الجزائر، وهنا يختار المخرج أن يضفي على المشهد كلمات للرئيس الأول بن بلة يقول فيها " قامت الثورة من اجل أن تعيش هذه البلاد إلى الأبد" لتهتز المدرجات على وقع تصفيقات الجمهور، وجاء مشهد دخول جنود جبهة التحرير إلى الركح ليشير إلى نيل الجزائر لاستقلالها، وتتعالى الترنيمات "شمسنا جباه الأحرار أرضنا منبت الأبطال".
ثم انتقلت "أبطال القدر" بعدها إلى فترة الرئيس بومدين مبرزة انجازاته الممزوجة بمقاطع مختارة من خطاباته الشهيرة وكان المقطع الذي صفق له الجمهور طويلا "نؤمن بديمقراطية أن لا سيد في هذه البلاد وأن الشعب هو السيد"، في إشارة لفكرة العدالة الاجتماعية التي كان الراحل بومدين مهموما بها إلى رمقه الأخير، ولم يوفق كثيرا المخرج في اختيار أهم فترات بومدين، فقد أظهر مشاهد تصف الثورة الزراعية التي يقر بفشلها حتى رجالات بومدين، وأهمل مشهد تأميم البترول والغاز الذي كان أهم قرار اقتصادي سياسي شهدته الجزائر المستقلة.
ثم عرجت الملحمة على فترة الشاذلي التي مرت عليها بسرعة، رغم امتدادها لأكثر من 13 سنة، وأغفلت نهاية عهد الشاذلي التي شهدت دخول البلاد مرحلة التعددية والحرية التي بدأت نسائمها تهب مع أحداث أكتوبر 88، حيث انتقل مباشرة إلى فترة العشرية السوداء التي جسدها بمشاهد لأشباح ترتدي السواد، ووصف لحالة انعدام الثقة بين الجزائريين، مع إدراج كلمات خاطفة لكل من الراحل بوضياف وعلي كافي والرئيس زروال.
وكانت هذه المشاهد القوية للفترة السوداء، تمهيدا لإبراز مدى تأثير مساعي المصالحة الوطنية التي قادها الرئيس بوتفليقة في استعادة الأمن المفقود، حيث انتقلت البلاد من حالة إرهاب وخوف إلى حالة سلم وطمأنينة، سمحت بقيام تنمية اقتصادية جسدتها الملحمة بمشاهد لمستشفيات وطرق وسكنات، واختتمت فترة بوتفليقة بمقاطع من خطاب سطيف الذي لمح فيه إلى ضرورة التخلي عن الشرعية الثورية وتسليم المشعل إلى الشباب، حين قال "أودع لكم الأمانة فلا تخونوها.. البلاد في أيديكم يا شباب حافظوا عليها"، ولم ينس المخرج في نهاية الملحمة أن يبعث برسالة قوية لفرنسا حيث جاء في النص "أما آن لفرنسا أن تعتذر، ستلاحقها لعنة التاريخ حتى تعتذر".


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)