الجزائر

مالك بن نبي: وصراع الأفكار الإيديولوجية المحنطة - الحلقة الرابعة الخامسة-



مالك بن نبي: وصراع الأفكار الإيديولوجية المحنطة
بقلم: موسى رابح موايسي
- الحلقة الرابعة الخامسة-
إن [مالك بن نبي] كما وصفه أحد المفكرين من المشرق العربي. وقد كنت حاضرا يوم سأله أحد الطلبة فقال: إنه أشبه بذلك الرجل الصالح قديما يوم أن وقف على رأس جبل ونادي في قومه قائلا: ياقوم لاتتبعوا تلك المناهج الضالة. وبينها لهم واحدة واحدة. وأتبعوا هذا المنهج فإن فيه الصلاح والفلاح ومن تبعه فهو آمن في دنياه وآخرته..
والأمثلة على ذلك في هذا السياق كثيرة وكثيرة جدا. حيث يحكى حول تلك المرأة العربية التي تدعى (زرقاء اليمامة). وهي زرقاء العينين. وكانت العرب قديما تتشاءم من زرقاء العينين. وكانت تنظر على مسافات بعيدة جيدا. فكلما يحاول عدو الإغارة على قومها تكشفه في حينه لقوة نظرها الثاقب. وعندما طال بها الأمد وعمرت من السنين الكثير فكر العدو في وسيلة للتمويه. وكما يقال: الحاجة أم الإختراع. فإهتدوا الى خديعة وهي وضع أغصان الشجر على رؤوسهم. فقالت لقومها إنها ترى غابة تسير في إتجاههم. فقالوا إنها تخرف بعدما أصابها الكبر. وبلغ منها الكبرعتيا وقد أتهموها بضعف البصر. لأنهم لم يتفطنوا للحيلة. فلم يأخذوا حذرهم ولم يحتاطوا كعادتهم ولم يأخذوا برأيها. حتى أصبحوا محاصرين عن بكرة أبيهم وسقطوا في قبضة العدو مقيدين بالأسلال. فقال شاعرهم مخلدا لتلك (التراجيديا) المأساة المؤلمة:
إن قالت حذامي فصدقوها.*. فإن القول ماقالته حذامي !!
ولهذا قال شاعرعربي قديما يوم رأى عاشقا يبحث عن معشوقته وهو يخاطب الأطلال ويسائلها أين هي ؟ وقد ردمت تحت الأنقاض بعدما أصاب قريته زلزال مدمر ومكسرا للقوارب والمجاديف وهو غائب عنها لسنين خلت:
لقد أسمعت إن أنت ناديت حيا .*. ولكن لاحياة لمن تنادي !!
إن دراسة [مالك بن نبي] ذات أهمية بالغة من حيث أنها تصحح كثيرا من المفاهيم الخاطئة التي درج عليها الفكر الإسلامي دهرا ليس باليسير. ومن يعتقد أن [مالك بن نبي] تجاوزه الزمن كما نسمع من حين لآخر من طرف بعض السفسطائيين الجدد حيث يصرحون بمثل هذا الكلام الذي لم يكن مؤسسا على نقد علمي بناء. بل هو كلام أشبه بكلام النساء في صالونات الحلاقة وقاعات الحفلات. وهل يعقل لمفكر يحترم نفسه بالحكم على زميلا له في الفكر بحكم مثل هذا غير عادل ؟ أقل مايقال عنه إنه حكم جائر. بل (تلك إذا قسمة ضيزى).(النجم 22).. والله سبحانه وتعالى قال: (ولاتبخسوا الناس أشيائهم).(الأعراف 85)..
إن حكم من هذا النوع لايصدر إلاّ من حاقد. وفي كل حال لايشرف صاحبه ولا يزيده إلا رعونة ونزقا..
إن من يعتقد أن فكر [مالك بن نبي] تجاوزه الزمن وأنه صاحب نظرية ضيقة أضحت دون جدوى لأنها لاتتماشى مع التطورات الراهنة. لاسيما عصر العولمة والعلمانية إن قائل هذا الكلام قد جانب الصواب وخانه حظه التعيس وتخمينه الخاطيء على طول الخط. إن [مالك بن نبي] المفكر الوحيد الذي أستطاع أن يكشف لنا مبكرا قبل غيره من المفكرين أوجه الخلاف القائم بين هذين العالمين: عالم الكبار الذي تمثله الدول الرأسمالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية. وعالم الصغار المتمثل في الدول الفقيرة وهو ما إصطلح عليه بإسم العالم الثالث. وهو العالم المتخلف. كما يحدد ويبين عناصر الضعف ومكامن الداء في عالم الصغار. كما يبين مواطن ومكامن القوة والتفوق في عالم الكبار. فموطن القوة عند عالم الكبار يكمن في السيطرة والتحكم في توظيف واستغلال العناصر الأساسية المكونة للحضارة. وهي العناصر التي وهبها الله للبشرية عامة والمتمثلة في: (الإنسان والتراب والوقت)..
أما عالم الصغار فلم يحاولوا أن يعرفوا كيف يوظفوا تلك العناصرالمكونة للحضارة وهي: (الانسان والتراب والوقت). ويستغلوها إستغلالا عقلانيا لتعود عليهم بالفائدة. ومن خلالها يمكنهم الخروج من التخلف والإنتقال الى صنف الدول النامية أو المتوسطة. وشيئا فشيئا مع مرور الزمن يصلوا الى ما وصلت إليه الأمم الأخرى التي هي مصنفة اليوم ضمن الدول المتقدمة. في الوقت الذي كانت فيه من أشد الأمم فقرا وتخلفا. ولكن بالإرادة والعزيمة والوحدة والتضامن الأخوي كل شئ يهون. وأمام إرادة الشعوب تتذلل كل الصعاب مهما كانت حدتها لأن الإتحاد قوة:
(إنسان + تراب + وقت = حضارة)
يمكننا بل يتعين علينا أن نقول: الإنسان هو الذي يحدد في النهاية القيمة الإجتماعية لهذه المعادلة لأن التراب والوقت لايقومان إذا أقتصرت عليهما فحسب بأي تحول إجتماعي..
ونحن إذا ما تساءلنا: بأي شيء أنهض (الإنسان) الألماني وضعية بلاده أثناء هذا العقد المنصرم من الزمان ؟ نكون ملزمين بالجواب عن سؤالنا هذا بطريقة واحدة لا غير وهي أن أفكاره وأفكاره فحسب هي التي أتاحت له أن يحقق ذلك النهوض..
وهذا أمر حقيقي وحقيقي بصورة لامجال للريب فيها سيما وأن حرب 19391945 قد خربت عمليا (عالم الأشياء) في المانيا بمصانعه وآلاته ومناجمه وبنوكه ومختبراته. فكل هذه (الأشياء) كانت قد دمرت وأتلفت..
كانت ألمانيا على وجه الدقة وبطريقة تكاد تكون رياضية لاتملك سنة 1945م أي مجموعة من (الأشياء) ولكن مجموعة من (الأفكار) فحسب. وهي قد كوّنت من جديد وإبتداء من هذا (الرأسمال) كل حياتها الإجتماعية وأحتلت مجددا مكانتها السياسية في العالم..
إن تجربتها بالنسبة إلينا لاتقدر بثمن فهي تتيح لنا أن نستخلص بطريقة علمية قيمة مجتمع معين في فترة ما من تاريخه لايعبرعنها بمجموعة (الأشياء) في هذا المجتمع ولكن بمجموعة (أفكاره)..
وإذن فما هي قيمة مجتمعنا الآن ؟.. مهما يكن من أمر فإن شيئا واحدا هو المؤكد: وهو أن (أساسنا المفاهيمي) ضعيف للغاية و(عالم أشيائنا) لايرتكز على كبير شيء. مضافا الى ذلك أنه حتى (الأشياء) الموجودة في هذا العالم كنا قد إشتريناها من مجتمعات تملك (أفكارا) .. (4)
أما التشتت والتشرذم والإختلاف في الأراء وعدم التفاهم بسبب الأنانية البغيظة وعزة النفس والتكبر وإزدراء الآخر لايزيد في الأمر إلا سخطا وفي الطين إلا بلة. فكل تلك الصفات السلبية والأشياء اللامعقولة التي لاتجدي نفعا ولا تبني أمة ولا تشيد شيئا مهما عمرت وطال أمدها فمآلها الخراب والدمار زائد الفشل والبوار وسوء القرار وظلم الجار وحيلولة الجدار..
إن من أساسيات بناء مجتمع كشرط لابد منه هو الإنسجام والتناغم بين أفراده. وإلا لم يعد مجتمع بمعنى الكلمة هذا بالنسبة لعلم الإجتماع. وإنما نسميه تجمعات سكنية. كما هو حاصل اليوم. حيث كانت بالأمس أحياء سكنية قصديرية. والآن هي أحياء سكنية إسمنتية. لم يتغير فيها شئ من الناحية العقلية. فذهنية القصدير هي نفسها ذهنية الإسمنت. ولم يتغير في الأمر شئ على الإطلاق. بل أزداد تأزما وتعقيدا وقد تمزق أكثر مما كان عليه الحال في السابق. ولذلك من الشروط الأساسية كما ذكرت لبناء مجتمع يجب قبل كل شيء تغيير الذهنيات من الذهنية السلبية الى الذهنية الإيجابية وليس ذلك صعبا وإنما يكون بالتوعية المركزة وتكثيف اللقاءات الدورية للأئمة والوعاظ لإلقاء الدروس الدينية والأخلاقية في الوعظ والإرشاد. حتى تتحسن النفوس من الأرجاس وتصفى القلوب من الأدناس ومما ران عليها من الشوائب والكادورات والعفونات. بسبب الآفات والإنحرافات والإنزلاقات في مهاوي الرذائل والفواحش. بالإضافة الى الإدمان على المخدرات وشرب المسكرات الخ..
يتبع..


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)