الجزائر

ما هو حكم نقل وزراعة الأعضاء من الميت إلى الحي؟



 إنّ مسألة نقل وزراعة الأعضاء تتفرّع إلى مسائل متعدّدة، منها نقل وزرع العضو من إنسان حيّ إلى مثله، ونقل وزرع العضو من إنسان ميت إلى حي، وهذه هي المسألة الّتي سنتطرّق إلى ذكر الأدلة والقائلين بالجواز فيها، والله الموفق والمستعان.
ذكرنا حرمة جسد الإنسان حياً وميّتاً، وجواز جراحة الأطبّاء عملاً بقاعدة ''الضرورات تبيح المحظورات''، وقاعدة ''الضّرورة تقدَّر بقدرها''، ووجوب توفّر شروط في الطبيب الجرّاح تتمثّل في أن يكون من ذوي المهارة في صناعتهم ولهم بها معرفة، وأن يكون الباعث على عمل الطبيب هو علاج المريض، وأن يتّبع أصول المهنة وقواعدها، وأن يبذل وسعه من أجل شفاء المريض حسب قدراته المهنية والعلمية. وقد قال الله تعالى: ''.. مَن قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعاً ومَن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعاً'' المائدة.32
لقد اختلف العلماء المعاصرون في حكم نقل الأعضاء من الشخص الميت أو الحي وزرعها في الإنسان الحي إلى قولين. قول بالجواز وقول بعدمه، والقول بالجواز صدر في عدد من المؤتمرات والمجامع والهيئات واللجان منها، المؤتمر الإسلامي الدولي المنعقد بماليزيا سنة 1969، والّذي خلُص إلى جواز نقل الأعضاء بشرط الضرورة ونصّ على حرمة المتاجرة بالأعضاء الآدمية. ومجمع الفقه الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة سنة 1985، والّذي خلص إلى جواز نقل الأعضاء. وهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية سنة 1982، حيث قرّرت بالأكثرية جواز نقل عضو وجزئه من إنسان ميّت إلى مسلم إذا اضطرّ إلى ذلك. ولجنة الفتوى في كلّ من المملكة الأردنية الهاشمية ودولة الكويت سنة 1985 وجمهورية مصر العربية سنة 1989، حيث أفتى مفتي الجمهورية بالجواز.
والجمهورية الجزائرية كانت سبَّاقة إلى البحث في هذه المسألة الحديثة، حيث صدرت فتوى جواز نقل وزرع الأعضاء من ميت إلى حي عن لجنة الإفتاء للمجلس الإسلامي الأعلى بتاريخ 20 أفريل 1972 واشترطت رضا المنقول منه ما لم يكن ميتاً، فلوليّ الأمر الحق في أن يأذَن بالنّقل.
وأدلة القائلين بالجواز تتمثّل في قوله تعالى: ''إنّما حرَّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهِلَّ به لغير الله فمَن اضْطُرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه إنّ الله غفور رحيم''. وقوله تعالى: ''فكُلوا ممّا ذُكر اسمُ الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين ومالكم ألاّ تأكلوا ممّا ذُكر اسم الله عليه وقد فصَّل لكم ما حرّم عليكم إلاّ ما اضطررتُم إليه ...'' وغيرها من الآيات الكريمة الّتي اتّفقت على استثناء حالة الضرورة من التّحريم المنصوص عليه، والإنسان المريض إذا احتاج إلى نقل العضو فإنّه سيكون في حكم المضطرّ. وقوله تعالى: ''.ومَن أحياها فكأنّما أحيَا النّاس جميعاً''. وقوله سبحانه: ''يُريد الله بكم اليُسر ولا يُريد بكم العُسر'' وغيرها من الآيات الّتي تدل على أنّ مقصود الشارع التّيسير لا التّعسير.
يجوز التّداوي بنقل الأعضاء لاعتبار ذلك ضرورة تبيح المحظور.
ولابدّ في الأخير من التّذكير بضرورة إذن الشّخص بتبرّعه بأعضائه قبل موته، أو إذن وليّه وورثته بعد موته، وكذلك وجوب توفّر القيود والضوابط الّتي ذكرناها سابقاً، كالتّحقّق من موت الجثّة، وغيرها. والله أعلم.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)