مَن أسس الدولة الجزائرية الحديثة...؟

"...يبدو التاريخ الجزائري الرّسمي وكأنه يخجل من الاعتراف أن الأخويْن خير الدين وعروج هما مَن أسسا الدولة الجزائرية الحديثةولو لم يكونا جزائرييْن وإنما كانا "تُركييْن"/عثمانييْن، ويَنسُب التاريخ الجزائري الرّسمي تأسيسَ الدولة الجزائرية الحديثة للأمير عبد القادر الجزائري..،"، رغم أن إرجاع الحق لأهله لا يسيء في شيء للأمير الذي يبقى شخصية من أبرز وأهم رجال الجزائر خلال القرون الأخيرة، مثلما لم يدَّعِ هو ذاته هذا الإنجاز عندما كان على قيد الحياة لا في الجزائر ولا مهجره في بلاد الشام....
وفي الحقيقة، ليس هناك ما يدعو للتحفظ والخجل والالتفاف الإيديولوجي على الحقائق التاريخية، لسبب بسيط يكمن في عدم وجود أية دولة في العالم يمكنها أن تدّعي "نقاء دم" مؤسسيها وانتسابهم المطلق لقومية البلد الرسمية في زمن معيّن من تاريخها من جهة، ومن جهة أخرى لأن خير الدين وعروج لم يكونا "تركييْن" بل كانا يونانييْن من جزيرة ميديلّي ويقال إن والدتَهما كانت أندلسية. ولا أعتقد أنهما كانا يشعران أنهما يونانيان بقدر ما كانا مسلميْن عثمانييْن. ومن بين المسكوت عنه أيضا في التاريخ الجزائري الرسمي انحدار العديد من حُكام البلاد وكبار مسؤوليها في العهد العثماني (1516م/1830م) من أصول إيطالية وألبانية ويونانية وتركية ويوغسلافية دون أن يَعتبر جزائريو تلك الفترة ذلك عيبا. لكن الانحطاط الفكري وضيق الأفق السياسي لكثير من القائمين على شؤون البلاد المعاصرين جعلهم يشعرون بالحرج من هذا التاريخ الذي "اخترقه" وبناه بحُلْوه وبمُرِّه "غيرُ الجزائريين". وهذا يقودنا إلى التساؤل عن مضمون الانتساب إلى الجزائر، وما معنى أن نكون جزائريين. إسبانيا، على سبيل المثال، بكل تطرفها الديني الجنوني منذ حروب "الاسترداد" التي خاضتها ضد الأندلسيين لم تخجل من حقيقة تولي عرشها أحد أبناء عائلة هابسبورغ النمساوية لفترة معينة من تاريخها الحديث. كما أنها منذ وفاة الجنرال فرانكو في منتصف سبعينيات القرن الماضي تعمل على إعادة الاعتبار لتاريخها الإسلامي الأندلسي وعلى تبنِّيه كجزء لا يتجزّأ من هويتها وتاريخها في إطار سياسة حكيمة للتصالح مع الذات...".
فوزي سعد الله: الشتات الأندلسي في الجزائر والعالم. دار قرطبة. الجزائر 2016م.