بعد قرابة السنتين من الإطاحة بالقذافي، هاهي ليبيا تدخل مرحلة جديدة من الخلط السياسي، مرحلة بعيدة كل البعد عن المفهوم الديمقراطي، بل بعيدة كل البعد عن رأب الصدع وعن المصالحة بين أبناء الوطن الواحد الذين فرقتهم ”أحداث” ما سمي بالربيع في ليبيا إلى فريقين متقاتلين، معارضة وموالاة.
فبعد التصويت على قانون العزل السياسي الذي سيدخل حيز التطبيق في 5 جوان المقبل، دخلت ليبيا ما بعد القذافي مرحلة تصفية الحسابات من خلال هذا القانون، والذي لاشك أن هناك من يتمادى في استعماله لأغراض شخصية، لكن الأكيد أن تطبيق هذا القانون غير العقلاني سيحرم ليبيا حتما من الكفاءات على محدوديتها، وقد بدأ بالفعل تطبيقه على أسماء في حجم المقريف رئيس المؤتمر العام الليبي، وعلى وزير الداخلية، اللذين أجبرا على الانسحاب، لا لشيء إلا لأنهما تقلدا مسؤوليات في عهد القذافي. وبهذا المنطق، سيعزل كل الشعب الليبي، لأن المعروف أن نظام القذافي كان يخضع للجان الشعبية ينخرط فيها كل المواطنين البالغين، يقومون فيها بتسيير الشأن العام، ما يعني أن نسبة كبيرة من الليبيين إن لم تكن تقلدت مسؤوليات سامية، فإنها تقلدت مسؤوليات ولو محلية، وشاركت بصورة أو بأخرى في النظام الذي سير ليبيا أكثر من 40 سنة.
من المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة عزل الكثير من الأسماء في الحكومة وفي المجلس الوطني، حتى وإن تم انتخابهم عن طريق الصناديق، وهو ما سيشكل سابقة خطيرة في هذا البلد الذي مازال يعيش الفوضى، وربما قد يؤدي هذا الإجراء إلى توسع رقعة العنف الذي ينخر ليبيا التي ما تزال تعيش على وقع الاختطافات والاغتيالات والسيارات المفخخة.
ثم إن انسحاب مسؤولين معتدلين من مناصب المسؤولية سيفتح السبيل للإسلاميين وحدهم، لأنهم هم فقط من لم يتقلد المسؤولية في عهد القذافي، وبالتالي سيسيطر هؤلاء على مفاصل الدولة، ويفرضون منطقهم على الشعب الليبي، مع أن الأغلبية لم تكن لهم في الانتخابات الماضية للمؤتمر الوطني العام التي فاز فيها التيار الليبرالي بالأغلبية، لكن ها هم الإسلاميون يجدون طريقة لإقصاء خصومهم، والتهمة سهلة، وهي تقلد المسؤولية في عهد القذافي. التهمة لن ينجو منها غالبية المثقفين والسياسيين الليبيين، حتى وإن كان منهم من اختار المعارضة منذ أزيد من عشر سنوات مثل المقريف الذي انشق عن القذافي من سنوات.
الحل الوحيد الذي يخلص لييبا من هذا النفق الذي يحاول الإسلاميون جرها إليه، هو مصالحة وطنية، بين كل أبنائها وبين نخبها، الذين هي في حاجة إلى كفاءاتهم وخبراتهم في التسيير وفي بناء الدولة التي قوض دعائمها القذافي، والتخلي عن هذا القانون الذي سيزيد من توسع الشرخ الحاصل في المجتمع الليبي، وينشر العداوات بين أبنائه. على الليبيين أن يبنوا دولة الكفاءات وحدها الكفيلة بطي صفحة القذافي؟!
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 28/05/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : حدة حزام
المصدر : www.al-fadjr.com