الجزائر

ليبيا الجديدة:الخوف على الثورة .. ؟!


لا القذافي ولا أبنائه ولا اللجان الشعبية ولا المحبين سيحتفلون بذكرى »ثورة الفاتح« هذه السنة، فأول سبتمبر من عام 2011 سيكون بمثابة الإعلان الرسمي عن ميلاد »ليبيا الجديدة«، وهتافات الله«، معمر، وليبيا وبس »تكون قد ولّت إلى الأبد«.نظام القذافي انتهى، ولم يكن أي عاقل يشك في نهايته بمجرد انطلاق المظاهرات في بن غازي شهر فبراير الماضي، خاصة أن تلك المظاهرات جاءت مباشرة بعد الإطاحة برئيسين عربيين هما الزين التونسي ومبارك المصري.
انتهى نظام القذافي بمجرد »تحطم صورة« الزعيم عندما وصف شعبه بالجرذان والأوصاف المعروفة الأخرى، وكان ممكنا لابنه سيف الإسلام الذي بنى صورة إيجابية عنه خلال السنوات الأخيرة أن ينقذ نظام أبيه، لكن صورته هي الأخرى تحطمت عندما واجه الشعب بالتهديد والوعيد.
وهكذا ترك سقوط »الجماهيرية العربية الليبية العظمى«، وسقوط »عميد الحكام العرب وملك ملوك إفريقيا« رسالة خالدة، إن الرئيس أو النظام السياسي مثله مثل البورصة، يصعد سهمه وينزل، وعلى الرئيس أن يعرف كيف يحافظ على أسهمه مرتفعة في بورصة السياسية. إن حكم الفرد يؤدي إلى الاستبداد والاستعباد والتفرعن، وهو الذي جعل بورصة القذافي تنزل من »صورة الزعيم القائد« إلى »صورة المنبوذ«. إنها القاعدة الذهبية التي تتحكم في كل الرؤساء والملوك والأمراء.
كذلك اليوم ارتفعت بورصة الثوار، وارتفعت بورصة المجلس الانتقالي الذي حصد اعتراف أزيد من 44 دولة لحد الآن منها كل الدول الكبرى الفاعلة على خشبة المسرح الدولي، لكن هذه البورصة معرضة للاهتزاز بمجرد الشروع في بناء ليبيا الجديدة.
إذا كانت ليبيا الجديدة قد ولدت ولادة صعبة وسط الدم والدموع والدمار والأسلحة الفتاكة، فإن الدولة مثل الكائن الحي تماما بحاجة إلى رعاية وتوفير الشروط الصحية للنمو، وهذه الرعاية هي التي تحكم على المستقبل هل يعيش الطفل مثلا أم تفترسه الأمراض الفتاكة. يواجه الليبيون اليوم تحديات كبيرة في بناء دولتهم الوليدة، ولعل أهم التحديات هي:
1 – الحفاظ على الأمن ومنع الانزلاق نحو الفوضى، لأن المشاهد التي شاهدناها خلال اقتحام باب العزيزية لا تبعث على الارتياح، تلك المشاهد يجب أن يتم التحكم فيهات وأن تختفي نهائيا من شوارع ليبيا كلها. قد يكون سهلا على بعض المسلحين وضع أسلحتهم، لكن هناك تخوف من تمرد بعضهم واحتفاظهم بأسلحتهم ريثما يرون التوجه الذي تأخذه ليبيا الناشئة.
2 – إن التحدي السابق يقتضي تنسيق الرؤى بين كل الفصائل والقبائل والقادة العسكريين والمجلس الانتقالي حول آليات تجاوز المرحلة الانتقالية بسلام، وتسيير الاختلافات والخلافات التي تعد أمرا طبيعيا، وعدم الخوض في التفاصيل لأنها تخرج الشيطان بسهولة وسرعة.
3 – التحدي الثالث هو تحدى بناء مؤسسات الدولة من خلال سياسة جامعة للشعب الليبي، لأنه من الصعب جمع الناس على طبيعة الدولة الجديدة وعلى طبيعة نظام الحكم فيها. كما أن تعهد المجلس الإنتقالي بنقل السلطة إلى مجلس منتخب خلال ثمانية أشهر يبدو فيه نوع من التسرع، والتسرع في نقل السلطة يعني توفير السرعة لارتكاب الأخطاء خاصة أن البلاد ليس لديها خبرة في تنظيم انتخابات تعددية.
4 - إن بناء الدولة الجديدة يقتضي توزيع السلطة بين مختلف الأطياف السياسية والعسكرية وحتى القبائل ، كل وقوته ونفوذه ومدى إسهامه في الثورة، لأن المسلمين قبل الفتح ليسوا كالمسلمين بعده »أي إن إسلام أبو بكر الصديق يختلف جذريا عن إسلام أبو سفيان، لكن الرسول ( ص) يوم الفتح " كرم أبا سفيان« .. وهذا تحدي كبير للغاية في وجه مستقبل ليبيا.
5 – إن الإسلاميين، وخاصة المتطرفين أصبحوا يشكلون تحديا حقيقيا في وجه بناء الدولة، فهم شاركوا في الثورة وهم حاليا مسلحون تسليحا »ثقيلا« وقد يكون لهم نفوذ في المجتمع الليبي التقليدي، وقد يتمسكون بمبدأ »دولة إسلامية« ويصلون إلى درجة التصادم المسلح مع المجلس الإنتقالي، فهذا الملف ينبغي تسييره بحكمة فائقة.
6 – أما التحدي السادس فهو تحدي التعامل مع الخارج. فلولا الخارج: أمريكا وفرنسا وحلف الناتو والعديد من الدول الأوروبية لكان من الصعب على »الثوار« تحقيق النصر على القذافي. الدول الأجنبية لم تتدخل إلى جانب الثوار »لله في سبيل الله أو المدنيين«، لذلك سوف يضغطون على المجلس الانتقالي ويتدخلون في شؤونه لوضع لمساتهم على طبيعة الدولة القادمة.
إذا صحت مقولة أفلام الويسترن الأمريكية: »عندما تنتهي الحرب تبدأ المافيا«، فإنه في ليبيا تصح مقولة »عندما تنتهي الثورة يجب أن تبدأ الحكمة«.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)