الجزائر

لومومبا وغيره..



المثقفون لا حظوظ لهم في دنيا السياسة، وهم إذا دخلوا ميدانها تحولوا إلى سياسيين لا علاقة لهم أصلا بما تلقوه من فنون وعلوم. ذلكم ما نلاحظه في عالمنا المعاصر.تفرجت خلال الأيام الأخيرة على مقطع من فيلم وثائقي صور في عام 1961 في الكونغو، أي في الفترة التي كان الاستعمار البلجيكي ينصرف فيها عن هذا البلد مهزوما مرذولا ويتركه لقمة سائغة بين أشداق الذين يريدون التربع على كراسي الحكم. المشهد يتضمن مقطعا شديد الإيلام بعد مضي هذه العقود كلها. باتريس لومومبا يحشر حشرا في شاحنة صغيرة مقيد اليدين إلى الوراء وأحد الزبانية ينهال على ظهره بجزمته دون رحمة ولا إنسانية. وتمضي الشاحنة ولا يسمع العالم بعدها خبرا عن لولومبا.
لومومبا هذا وقع بين يدي المجرم موبوتو، ذلك الذي حكم الكوتغو كنشاسا بالحديد والنار وتصرف في مناجم النحاس والنيكل والذهب كيفما شاء. ولما كان جنوده في تلك الأثناء يطالبونه بصرف رواتبهم وهو عاجز عن ذلك، فإنه وجد الحل في بيع لومومبا إلى كازافوبو، ذلك المجرم الآخر إلى جانب تشومبي. أجل، باع الزنجي أخاه الزنجي في سوق النخاسة لكي يتلقى مبالغ مالية يصرفها على أفراد عصابته الطامعين في الحكم. وتقول الحقيقة التاريخية إن كازافوبو قضى على لومومبا.
مأساة لومومبا تكمن في أنه كان مثقفا يريد الخير لبلاده وتحريرها من ربقة الذلة والهوان بعد أن عاث فيها الاستعمار البلجيكي فسادا واستولى على خيراتها طيلة عقود. ولذلك فإن العالم كله وقف يومها مناصرا له إيمانا منه بأن الكونغو قد وجد ضالته في هذا الشخص الذي تكون في كبريات المدارس وعاد إلى بلاده في وقت شتدت فيه وطأة الثورة على الاستعمار البلجيكي. غير أن المثقف ذهب ضحية آماله العراض. فكيف يستطيع إنسان مثله بلغ الذروة في التحصيل العلمي أن يتخلص من أشدااق الجائعين الطامعين المتعطشين لشرب أي دم ينبجس من جسد أي إنسان آخر؟
ولم يكن لومومبا أول زعيم إفريقي مثقف يصيبه الزبانية الجهلة في مقاتله، بل إن هناك العديد من الزعماء المثقفين الآخرين الذين لقوا حتوفهم بنفس الطريقة في انقلابات عسكرية قام بها شذاذ الآفاق خدمة لمصالحهم الشخصية ولمصالح فئة قليلة تعضدهم من رفاقهم ولخدمة الاستعمار الغربي بطبيعة الحال.
وعليه، أمكن القول إن إفريقيا لم تغير جلدتها طوال هذه العقود كلها. رأينا كيف لقي كوامي نكروما مصرعه والحاج طافاوة بليوة وموديبو كيتا وغيرهم. ورأينا كيف صمد في الساحة أولئك الذين ظلوا خاضعين للإستعمار القديم والجديد في مجتمعات لم تنل بعد قسطها من الحرية. وعليه، فإن الطريق أمام أهل الثقافة ما زالت في حاجة إبى من يضحي قي سبيلها من أجل بلوغ سدة الحكم بغاية البناء ارشيد، ولعلها أن يكون مفروشة بالجثث ومروية بدماء الأبرياء.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)