الجزائر

لهذا السبب تقص الأم شعرها بعد الولادة



لشعر المرأة الكثير من الدلالات في الثقافات المختلفة، ولكنها تتفق بمعظمها على أنه جزء من التعبير عن الجانب الأنثوي في دواخلهنّ، ويتم الاعتزاز به كأحد معالم الجمال المتعارفة بصورة واسعة، لذلك عندما تقوم الكثير من السيدات بقص شعرهنّ بعد الإنجاب، فإن هذه الخطوة تحمل دلالةً على هذه العلاقة بين الأمومة من ناحية والتخلي عن جزء أصيل من اعتناء المرأة بجمالها من ناحية أخرى.تحدثت مدرّسة اللغة العربية زينب-س (42 عاماً)، عن قصها شعرها بعد إنجابها أطفالها الثلاثة، فقالت: "قصصت شعري لأنه أصبح ضعيفاً، ولم أعد أستطيع العناية به لانشغالي بالصغار، كما انخفضت كثافة شعري مع الرضاعة الطبيعية وازداد تقصّفه، هذا بالإضافة إلى عدم إمكانية استخدام حمامات الزيت أو الكريم، سواء لقلّة وقت الفراغ أو الطاقة النفسية اللازمة لهذا النوع من العناية".
وتابعت: "في الوقت الحالي استخدم الحنّاء مرةً أو مرتين في العام على الأكثر، لتغطية الشعر الأبيض، بينما من المفترض أن أفعل ذلك كل شهرين على الأكثر".
في الواقع، إن قص الشعر قد يكون دليلاً على صعوبات العناية بالنفس التي تخضع لها الأمهات ولكنه ليس سوى قمة جبل الثلج التي تخفي تحتها متاعب صحية أكثر جديةً وتأثيراً على المدى الطويل.
تعليقاً على هذه النقطة، قالت زينب: "عن قلّة العناية بالجسم بالطبع حدّث ولا حرج، أحرص على المكملات الغذائية للحفاظ على صحتي، ولكن لا أملك وقتاً للتمارين الرياضية لشدّ ترهلات البطن. في الماضي أحببت ممارسة المشي ولكن الآن كلما وجدت وقتاً فارغاً أنام مباشرةً، وكثيراً ما أنسى استخدام الكريم المرطب، ولولا التكلفة العالية لعلاج الأسنان ما واظبت على غسلها واستخدام الخيط، مع انشغالي بثلاثة أطفال أشعر أحياناً بأن استخدام الفرشاة والمعجون مرتين يومياً يمثل مجهوداً كبيراً".
«قصّي شعر أكثر.. لا زلت أشعر بمسؤوليته"
تذكرت مريم جملةً تقولها لمصففة شعرها وهي تقص شعرها: "قصّي شعر أكثر.. لا زلت أشعر بمسؤوليته"، وهو ما تعدّه ملخصاً عن علاقتها بشعرها بعد الإنجاب، وتحدثت مريم، وهي موظفة في الثلاثينات من العمر، عن علاقتها بشعرها قائلةً: "كانت أول بناتي مريضةً عندما ولدتها، وظلت كذلك لسنوات عدة، في هذه الفترة لا أتذكر حتى شكل شعري لأني كنت في الوقت نفسه أعاني من غضروف الظهر الذي ظلت حالته تسوء حتى سبب لي مشكلات في الحركة كبيرةً نتيجةً لعدم علاجه إلى أن اضطررت إلى إجراء عملية جراحية".
وأضافت: "بعد ثلاث سنوات من الإنجاب، بدأت بالتفكير في شعري والاهتمام به مرةً أخرى، وبعد الولادة الثانية بدأت أقص شعري للحفاظ على شكله حتى لا أصل إلى المرحلة السابقة نفسها، ولكن بشكل مفاجئ أنجبت للمرة الثالثة من دون تخطيط، وبدأت حالة شعري تسوء كثيراً، وأُصبت بالضيق الشديد من صورتي كأم شعرها مشعّث طوال الوقت، فبدأت أقصّه وأعالجه بالبروتين حتى لا أضطر إلى العناية به ولا أشعر بمسؤوليته، وحاولت إطالته مرةً أخرى، لكن عندما شعرت بضغط امتحانات الأولاد قمت بقصّه بنفسي بمقصّ الورق".
وكشفت مريم كذلك عن الضغط المجتمعي الذي تخضع له الأم: "أنا مدركة أن كل مرحلة نمر بها لها مسؤوليتها وأتمنى لو الدوائر الاجتماعية حولنا تقدّر هذه الأولويات حتى لا نجد كلمات جارحةً مثل '«ماذا أنت هكذا؟" أو 'اهتمي بشعرك"، مع حلول تأخذ وقتاً ومجهوداً لا امتلك أياً منهما"، وختمت بالقول: "في الوقت الحالي إن إيجاد وقت لدخول الحمام أو الصلاة أصبح رفاهيةً".
هرمونات مضطربة وإرهاق وأنيميا
حالة الشعر السيئة بعد الإنجاب أمر شائع للغاية، فبالإضافة إلى الإرهاق بسبب قلةّ النوم، وصعوبة العناية بمولود جديد، هناك أسباب بيولوجية كذلك تؤدي إلى حدوث ما يُسمّى بتساقط الشعر بعد الولادة وهو التساقط المفرط للشعر بعد بضعة أشهر من الولادة والناتج عن التغيرات الهرمونية التي تحدث في أثناء الحمل وبعده.
تتسبب هرمونات ما بعد الولادة في دخول العديد من الشعيرات من مرحلة النمو (طور التنامي)، فجأةً إلى مرحلة الراحة (تيلوجين)، وعادةً ما يكون لدى المرأة من 80.000 إلى 120.000 شعرة على فروة الرأس وتتساقط أكثر من 100 شعرة يومياً.
في الواقع، تؤدي التغيرات في هرمون الأستروجين في أثناء الحمل وبعده إلى تساقط الشعر أكثر بعد الولادة، وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل، تزداد مستويات الأستروجين لدى الأم الحامل، ما يمنع تساقط الشعر المعتاد، وبعد الولادة، تنخفض مستويات هرمون الأستروجين، الأمر الذي يؤدي إلى تساقط الشعر.
هذا بالإضافة إلى احتمال حدوث فقر الدم ما بعد الولادة بسبب نقص الحديد، ما يؤثر بصورة سلبية على الشعر وعلى الصحة بشكل عام، ومن آثاره الاكتئاب والضعف والجلد الشاحب والإرهاق والتعب وضيق التنفس وانخفاض جودة حليب الثدي وكميته.
وتالياً تدخل الأم الجديدة في دائرة متصلة من الأسباب والنتائج، فهي متعبة مرهقة بسبب التزاماتها التي لا تنتهي، ونتيجةً لهذا التعب الجسدي لا تحصل على التغذية ولا العناية الصحية اللازمتين للتخلص من فقر الدم، وبسبب كل ذلك يصبح شعرها مُرهَقاً فتقصّه حتى تتخلص من بعض مسؤولياتها.
"الكآبة النفسائية"
ويرى المختصون في علم النفس في العلاقة ما بين اكتئاب ما بعد الولادة وعدم قدرة الأم الجديدة على العناية بنفسها، خاصةً طقس قصّ الشعر، أن الاكتئاب بشكل عام مرتبط بالإهمال في الاعتناء بالنظافة الشخصية والمظهر وقصّ الشعر، ولكن ما كل امرأة لديها هذه الأعراض بعد الولادة تكون مصابةً بالاكتئاب، في أحيان أخرى يكون السبب عدم وجود الوقت للاعتناء بنفسها أو الحصول على المكملات الغذائية أو الاستحمام، فحتى عند نوم الرضيع تفضّل الأم القيام بالأعمال المنزلية أو العناية بالأطفال الأكبر سناً، أو النوم، وعليه الاكتئاب قد يكون سبباً، ولكنه ليس السبب الوحيد".
ويظهر اكتئاب ما بعد الولادة بعد شهر من الولادة وقد يستمر لمدة عام، بينما هناك ما يسمى "الكآبة النفسائية" وهي حالة تبدأ بعد الولادة مباشرةً، وقد تستمر لمدة أسبوع أو أكثر نتيجةً لاختلال الهرمونات، وهناك نقطة إضافية هي أن الاكتئاب يؤثر على الذاكرة ويجعل الشخص ينسى تفاصيل يومه وتالياً لا يتمكن من الاعتناء بنفسه، لهذا السبب تنسى الأم تناول المكملات الغذائية التي كانت حريصةً عليها خلال الحمل، بالإضافة إلى ذلك قلّة النوم والإرهاق يجعلان أي شخص مشوشاً وغير قادر على العناية بنفسه.
الشعر ليس مجرد زينة كما أن انهيار أم شابة لعدم حصولها على وقت كافٍ للاستحمام هو دليل واضح على أن هؤلاء الأمهات يعانين بشكل حقيقي جسدياً ونفسياً.
وعليه، فإن كسر دائرة المعاناة هذه لا يأتي سوى بالتوقف عن التفكير في أن العناية بالمولود الجديد هي من مهام الأمهات فقط، بالإضافة إلى مدّ يد العون إلى الأم ومساعدتها ودعمها بشتّى الطرق.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)