الجزائر

لمن تقرأ زبورك يا داود !



تشهد المكتبات البلدية بوهران اقبالا ضعيفا ، إن لم نقل شبه منعدم ، و ركودا على مدار السنة ، فما بلك في فصل الصيف !! فهذه تعد استحالة ، تكفي زيارة خاطفة و عابرة إلى هذه الفضاءات المخصصة للمطالعة ، لتكتشف أنها خاوية على عروشها خلال موسم الاصطياف ، حيث باتت الحركة منعدمة فيها وهذا أمر جد طبيعي ، بالنظر إلى موجة الحر التي تجتاح وهران خلال هذا الفصل ، و التي دفعت الجميع إلى الهجرة نحو مختلف شواطئ البحر ، الممتدة على طول الشريط الساحلي ، للاستمتاع بمناظرها الطبيعية الجميلة ، وأيضا للسباحة والترويح عن أنفسهم في عز هذا القيظ ، الذي بلغ الزئبق فيه الذروة ... لا مجال حسب الكثيرين للحديث عن التردد نحو المكتبات البلدية هذه الأيام ، في مدينة ساحلية وسياحية بامتياز ، تستقطب سنويا أعدادا هائلة من المصطافين القادمين من مختلف أنحاء الوطن ، وكذا من أبناء جاليتنا المقيمة في الخارج ، ليست هناك وجهة أخرى غير البحر.. كما أن هواة المطالعة ، يحبذون القراءة تحت مظلته على شاطئ البحر و أمام أمواجه ، و في الهواء الطلق ونسيم البحر ، سحر و متعة أخرى للقراءة ..تتوفر وهران على 31 مكتبة بلدية ، تعج كلها بكم هائل من العناوين القديمة ، في التاريخ و الأدب و مختلف العلوم و التخصصات باللغتين العربية و الفرنسية ، فضلا عن مختلف المصادر والمراجع والمجلات ، في حين فإن الاصدارات الحديثة ، تسجل حضورا محتشما برفوف هذه المكتبات ، التي وجب الاهتمام بها أكثر ، من حيث التهيئة و الحرص على توفير كل الظروف المريحة التي يبحث عنها القراء ، التي تشجع على البقاء فيها ، و كذا دعمها بمختلف الكتب الجديدة ، مع مراعاة كل ميولاتهم و اهتمامات على اختلافها و تعددها ، وربما هذا ما يفسر عزوف الناس على التوجه نحو هذه الفضاءات ، التي تعاني من نقائص كثيرة ، و هو ما جعلها تواجه شحا كبيرا في الاقبال من قبل القراء و هواة المطالعة طوال شهور السنة ، يأتي هذا في الوقت الذي لا تزال إشكالية غياب المقروئية في بلادنا تطرح بحدة ، لدى الصغار وحتى الكبار على حد سواء ، وهذا رغم المبادرات الكثيرة التي نظمت في أوقات سابقة ، من أجل تحفيز الناس على القراءة و المطالعة ، على غرار القراءة في احتفال ، وغيرها من التظاهرات التي أطلقتها وزارة الثقافة ، إلا أن جلها لا تخرج عن إطار المناسباتية ليس إلا ، ليعود الناس إلى العزوف عن القراءة بمجرد اختتام هذه التظاهرات و اسدال الستار عليها..
لا تزال ثقافة المطالعة غائبة لدى الأغلبية الساحقة ، و هي تقتصر في واقع الأمر على الأقلية القليلة جدا ، و هذا أمر ليس طبيعى ، لأن المفروض أن يحدث العكس ، كما أن التكنولوجية الحديثة و محركات البحث على شبكة الأنترنت ، باتت تشبع فضول القراء و الطلبة و الباحثين على حد سواء ، ثم هناك المكتبات الخاصة ، فرغم قلتها ، إلا أنها أكثر نجاعة ، باعتبار أنها تواكب كل المستجدات في مجال الاصدارات و القراءة و البحث ، و تسارع إلى توفير أحدث الكتب حال صدورها ، و في غالب الأحيان نجدها تبادر إلى استضافة كُتاب لتقديم مؤلفاتهم و تنظيم حصص للبيع بالتوقيع ، و عادة ما نجد هذه الفضاءات تصنع الاستثناء بمثل هذه المبادرات في هذه الحالة ، الغائبة في المكتبات العمومية.
مكتبة بختي بن عودة .. حالة استثنائية ولكن ؟
أكد محمد مغربي ، مسؤول مكتبة بختي بن عودة بوهران « الكاتدرائية « ، واحدة من أهم المكتبات البلدية على مستوى الولاية ، بل الوجهة المفضلة للتلاميذ و الطلبة الجمعيين على حد سواء ، والفضاء الأنسب للكثيرين من أجل تحضير امتحاناتهم الدراسية و مشاريعهم الأكاديمية ... أن المكتبة مفتوحة على مدار السنة ، ثم إن الأقلية القليلة من حاملي بطاقة القارئ عادة ما يترددون عليها خلال فصل الصيف ، من أجل اعارة كتاب لقراءته في البيت ، و هذا ما يفسر حالة الفراغ التي وجدناها عليها صبيحة أمس ، مضيفا في هذا السياق أن الكتاب الرقمي طغى بشكل رهيب على الكتاب الورقي ، فبعدما كانت الكاتدرائية تمنح سنوات التسعينيات ، حوالي 4000 بطاقة قارئ في السنة ، انخفض هذا العدد اليوم إلى حوالي 1200 بطاقة في السنة ، و مرد ذلك أن حتى النسبة القليلة جدا ، التي كانت تتمتع بثقافة القراءة ، تقلص عددها اليوم ، ربما لأنها وجدت ضالتها في وسائل أو فضاءات أخرى بعيدا عن المكتبات البلدية ، كما أوضح المتحدث أن إشكالية غياب المقروئية في بلادنا ، ناجم عن افتقارنا لهذا السلوك الحضاري ، الذي لا بد أن يغرس لدى الطفل ليكبر معه ، حتى يشب و يشيب على قراءة الكتاب ، وخلافا للعادة فإن الكاتدرائية ، باتت تستقطب أكثر الزوار و السياح الجزائريين و الأجانب خلال الصيف ، و بالتالي فهي تؤدي وظيفتها هنا كمعلم تاريخي ، أكثر منها كمكتبة بلدية تجلب القراء..


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)